عمان – خاص بـ”رأي اليوم” :

يقف الأردن مجددا وهذه المرة على أبواب المفارقة الايرانية والروسية  والسورية معا وهو يطرق وببعض الحماس السياسي ابواب المقترحات المرتبطة بتشكيل حلف ناتو شرق اوسطي  وعربي جديد على اساس تكريس التعاون الاستراتيجي الدفاعي بين دول المنطقة كما اوضحت مصادر رسمية  فيما كان العاهل الملك عبد الله الثاني اول من تحدث علنا لمحطة تلفزيونية امريكية عن راي بلاده في الافكار والمقترحات المرتبطة بتشكيل حلف عسكري يشبه حلف الناتو.

تصريح الملك فاجأ جميع الأطراف حتى الرأي العام الاردني الذي سبق ان حذر او صدرت عبره تحذيرات متعددة تحت عنوان تحريم  الاشتباك مع ايران أو التورط في المستنقع السوري.

لكن الحديث عن تجمعات عسكرية او احلاف جديدة يقترحها الاردن او يتجاوب معها لا يعني ان عمان طرف اساسي وفاعل اصلا في اقتراح او  اتخاذ لقرارات المنطقة خلافا لانها  بكل الاحوال بيت خبرة اساسية في القضايا الملحة وسبق لعمان دون غيرها ان حذرت علنا من تشكل الهلال الشيعي في المنطقة والذي اقترح الاردن في وقت مبكر الاحتياط والرد عليه بتشكيل هلال سني.

لا يميل الاردن وهو يتفاعل مع طرح الافكار حول تأسيس حلف الناتو عربي شرق اوسطي حتى ولو برفقة اسرائيل مع عملية الحشد الطائفي التي يمكن ان تلحق ضررا بالجميع ومن هنا كان الملك شخصيا حريصا جدا وهو يحاول تذكير صناع القرار الذين يقترحون مثل هذه الافكار وتحديدا في واشنطن ولاحقا في تل ابيب بان الرؤية بخصوص هذا التحالف اذا ما رأى النور اذا لم تكن واضحة واهدافها محددة بدقة فانها ستربك  الجميع.

مخاوف الاردن كبيرة لكن لا مجال حسب مصادر سياسية في غاية الاطلاع الا البقاء في حال دوران في الفلك الامريكي والوضع الاقتصادي والمعيشي الداخلي للاردنيين لا يسمح بمغامرات بعيدا عن الممول  الاساسي لهم وهو الولايات المتحدة الامريكية خلافا  لان العنصر الثالث الذي تماسس مؤخرا في المشهد برمته هو  حرب المخدرات المنطلقة من الاراضي السورية باتجاه الحدود الاردنية والتي اعلنت القوات المسلحة الاردنية  ان هدفها الرئيسي ليست تجارة الترانزيت هذه المرة كما كان يحصل بالماضي ولكن الاستقرار لضرب المجتمع الاردني.

أرسل الاردن تحذيراته باطر متعددة للجهتين طول الاسابيع الاربعة الماضية الاولى تمثل المؤسسات السيادية العسكرية السورية لافتا نظرها الى ضرورة التصرف ازاء زخم حرب المخدرات وتواصل الاردن مع الايرانيين ايضا لكن لا يوجد على الحدود مع سوريا ما يشير الى قبول المحاذير والتحذيرات الأردنية.

وهنا لا تشعر عمان بأن مخاوفها الامنية الحدودية تؤخذ بالاعتبار عندما يتعلق الامر باستراتيجية التمدد الايراني أو تمدد القوى الشيعية المسلحة في سورية حصريا على الحدود مع الاردن حيث درعا في الجنوب والسويداء في مناطق الخاصرة الشمالية.

والأردن وخصوصا بعد الغياب الروسي قلق للغاية لاسباب امنية ولا يرى في الطرف الاخر تجاوبا مع محاذيره خصوصا وان حرب المخدرات اشتدت.

وبالتالي الأردن اقرب سياسيا بكل حال الى الاستراتيجية الامريكية والاستراتيجية التي تمثلها دول الخليج في التناقض والتعاكس السياسي حصرا مع مصالح وطموح ونفوذ ومشاريع الايرانيين في المنطقة.

لكن عمان احتفظت بمسافة آمنة من الاشتباك والمواجهة والصدام بمعناه الامني والعسكري طوال السنوات الماضية ولا يوجد مايثبت اليوم بان الاردن بصدد تغيير قواعد اللعبة في مواجهة النفوذ الايراني هذه المرة لكن على طهران أن تبذل جهدها مع القوى الاساسية المسلحة في لبنان والعراق بان تتغير الاعتبارات على الحدود مع سورية وتخف هجمة المخدرات التي يعلم الجميع أن بعض الاطراف المسلحة الموالية للحرس الثوري الايراني تساهم في تمويلها وتوجيهها حيث أعلنت القوات المسلحة الاردنية مجددا مساء الخميس عن احباط عملية تسلل جديدة لتهريب المخدرات.

يعني ذلك أن الحدود السورية الأردنية لا تزال بعيدة عن حالة الهدوء والسكون لا بل مفتوحة الاحتمالات وهو وضع يضاف الى التعقيدات الاقتصادية والمعيشية الداخلية الاردنية في الحديث عن مخاطر  دبلوماسية وسياسية وامنية وحدودية أو عن الاردن المضطر دوما وابدا حتى اللحظة في الوقوف على حبل مشدود حيث معسكران في المنطقة يحيطان ببلد امكاناته الاقتصادية يعرفها الجميع وحيث الخبرة الاردنية العتيقة في التعامل مع المعطيات والاحتفاظ بالمسافات تقلصت هوامشها كما لم يحصل.

من قبل ومع ذلك كل الشروط والقيود التي تضعها القيادة الأردنية تحت عنوان رايها وتقديرها للمقترحات المتعلقة بتشكيل حلف ناتو شرق اوسطي او شرق اوسط عربي جديد تعني بأن الأردن يمشي بين الالغام السياسية وبحذر شديد وأن استراتيجيته ما زالت الناي بالنفس عن اي اشتباك او صدام عسكري متوقع لكن الظروف والاعتبارات تغيرت ومن اكثر من زاوية ويفترض ببقية العواصم سواء الحليفة أو المخاصمة أن تستمع اليوم لصوت الخبرة الأردنية كما يقدر مصدر سياسي رفيع المستوى.