أخبار عاجلة

أوروبا على حافة صدمة نفطية جديدة تهز الاقتصاد العالمي كله

القدس العربي :

في العادة يكون الصيف فصلا هادئا في أسواق النفط والغاز العالمية، وتتجه شركات الطاقة إلى بناء مخزوناتها على مهل مع اقتراب فصل الخريف استعدادا لتغطية ارتفاع الطلب في الشتاء. لكن الصيف الحالي يحمل معه الكثير من عوامل القلق والتوتر، حيث يعيش العالم أزمة ممتدة بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. أوروبا هي أكثر قارات العالم اعتمادا على مصادر الطاقة من روسيا، ولذلك فإنها هي الأكثر تضررا من الحرب، والأشد حاجة للاعتماد على مصادر بديلة نظرا لأنها قررت وقف استيراد الحمولات النفطية تماما من روسيا بحلول 5 كانون الأول/ديسمبر المقبل، ووقف استيراد كافة المشتقات النفطية الروسية اعتبارا من 5 شباط/فبراير من العام المقبل. وهو ما يعني أن أوروبا قد تواجه أزمة نفطية حادة في فصل الشتاء إذا لم تبدأ من الآن الاستعدادات لبناء مخزونات كافية من مصادر بديلة. مثل هذه الأزمة قد تترك آثارا سلبية على العالم كله، نظرا لان أوروبا تستحوذ على أكثر من 15 في المئة من الاقتصاد العالمي، وتسهم مع الولايات المتحدة والصين بما يقرب من نصف الناتج العالمي، وتعتمد عليها دول عربية مثل مصر والمغرب وتونس والجزائر والعراق في كثير من المجالات الاقتصادية مثل التجارة والسياحة وتحويلات العاملين.

سلاح الطاقة وخطر الانكماش

أوروبا قد تجد نفسها أيضا في وضع أشد صعوبة إذا لجأت روسيا إلى استخدام سلاح الطاقة، وأوقفت إمدادات النفط عبر خط الأنابيب، كما أن الأمر قد يصل إلى حد الكارثة إذا لجأت روسيا إلى وقف إمدادات الغاز. روسيا فرضت شروطا على صادرات الغاز فعلا، وأوقفت تصديره إلى الدول التي لم تلتزم بالشروط الجديدة، وأهمها سداد قيمة الإمدادات بالروبل وليس بالدولار، كما قللت إمدادات الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم-1 وخط السيل التركي الجنوبي. فاتح بيرول رئيس وكالة الطاقة الدولية حذر الاتحاد الأوروبي في حوار مع صحيفة «فايننشال تايمز» يوم الأربعاء الماضي من خطورة الوضع الحالي بخصوص الإمدادات، وقال أن الخطوات التي اتخذتها روسيا بتخفيض إمدادات الغاز، تمثل إشارات مبكرة لاجراءات أشد، ونبه قيادة الاتحاد الأوروبي وخصوصا ألمانيا بضرورة الاستعداد من الآن لاحتمال أن تقطع روسيا الإمدادات تماما. وقد أعلنت ألمانيا فعلا خطة طوارئ لمواجهة هذا الاحتمال.
يجب على أوروبا أن تبحث عن مصادر بديلة لتوفير حوالي 3.1 مليون برميل يوميا من النفط والغاز والفحم، إضافة إلى حوالي 1.3 مليون برميل يوميا من الديزل والمنتجات النفطية المكررة إذا أرادت أن تستقل تماما عن روسيا في إمدادات الطاقة. ونظرا للقيود على الاستثمارات الجديدة، ماليا وبيئيا، فإن تعويض إمدادات النفط الروسي والغاز ليس مهمة سهلة أبدا. ونظرا لوفرة مخزون الفحم وسهولة استخراجه، فقد عادت ألمانيا ودول اوروبية أخرى لاستخدام الفحم في توليد الكهرباء بعد ان كانت قد قررت وقفه لأسباب بيئية.

روسيا تحقق مكاسب من العقوبات

تقدر هيئة معلومات الطاقة الأمريكية متوسط سعر النفط الخام بحوالي 107.7 دولار للبرميل للعام الحالي. ويتضمن هذا السعر ما تسميه السوق «علاوة حرب» تعبر عن نقص العرض نتيجة حالة القلق والاضطراب في الإمدادات العالمية. وتصل علاوة للحرب إلى ما يعادل 30 – إلى 35 دولارا في البرميل. هذه العلاوة التي تحصل عليها الدول المصدرة للنفط حاليا، تنازلت عنها روسيا، وأعادتها في صورة نسبة خصم على صادراتها إلى دول مثل الصين والهند، لتشجيعها على زيادة وارداتها من روسيا.
العقوبات النفطية ضد روسيا جاءت بنتائج عكسية، وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن إيرادات صادرات النفط الروسية في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي زادت بمعدل سنوي بلغ 50 في المئة، إذ استطاعت تعويض أثر العقوبات على الكميات المصدرة، بالاستفادة من أثر ارتفاع الأسعار في السوق. وطبقا لهذه التقديرات فإن إيرادات روسيا من تصدير النفط الخام ومشتقاته بلغت 20 مليار دولار في المتوسط شهريا. ومن المتوقع أن تحصل روسيا على إيرادات أكبر خلال فصلي الصيف والخريف على عكس المعتاد، بسبب حاجة الدول المستهلكة إلى بناء مخزوناتها مبكرا، والاستفادة من نسبة الخصم التي تمنحها روسيا قبل سريان قرار الحظر التام.
واردات النفط الصينية من روسيا قفزت في الشهر الماضي بنسبة 55 في المئة، لتحتل روسيا المركز الأول بين موردي النفط إلى الصين بدلا من السعودية التي تراجعت إلى المركز الثاني. حيث بلغت كمية الإمدادات عن طريق خط أنابيب شرق سيبيريا وناقلات النفط حوالي مليوني برميل يوميا مقابل 1.6 مليون برميل تقريبا في نيسان/أبريل. الصين والهند تربعتا على قمة الدول المستوردة للنفط الروسي بعد العقوبات، واستوردتا في الشهر الماضي حوالي 3 ملايين برميل يوميا، معظمها حمولات منقولة بحرا. ومن المتوقع أن تزيد هذه الكمية في الأشهر المقبلة.

نفط فنزويلا يعود للسوق

في المقابل بدأت أوروبا في استيراد النفط والغاز من مصادر بديلة، أهمها الولايات المتحدة وغرب أفريقيا والشرق الأوسط. ونظرا للمواصفات الخاصة لنفط الأورال الروسي، فإن المصافي الأوروبية اتجهت لإحلال النفط المستورد من النرويج ونيجيريا والعراق والولايات المتحدة محل النفط الروسي.
وفي سياق الحاجة لاتاحة مصادر بديلة قررت الولايات المتحدة السماح لشركات نفط أوروبية باستيراد النفط من فنزويلا بدعوى مساعدتها على سداد ديون مستحقة عليها. وقد تلقت «إيني» الإيطالية، و«ريبسول» الإسبانية خطابا من وزارة الخارجية الأمريكية بهذا الخصوص الشهر الماضي، وقامت ايني فعلا بتحميل ناقلة بكمية تبلغ 650 ألف برميل، كما تستعد لاستقبال ناقلة ثانية تحمل مليوني برميل. ومن المتوقع زيادة الكميات المستوردة من فنزويلا حتى فصل الشتاء.
إن قطع أو تخفيض إمدادات النفط والغاز من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، يمكن أن يصيب اقتصاداتها بالانكماش، إذا لم تجد مصادر بديلة. وترتفع نسبة الاعتماد على النفط الروسي في سلوفاكيا وليتوانيا وفنلندا وهولندا إلى أكثر من 50 في المئة، وتبلغ حوالي 25 في المئة في المتوسط للدول الصناعية الأوروبية. أما بالنسبة للغاز فإن النسبة تبلغ حوالي 40 في المئة في المتوسط للدول الأوروبية ككل، بينما ترتفع إلى حوالي 65 في المئة من احتياجات الاستهلاك المحلي في ألمانيا.
وتبين تقديرات العرض والطلب الواردة في تقريرالشهر الحالي لوكالة الطاقة الدولية إن الطلب العالمي سيرتفع لأول مرة فوق ما كان عليه قبل جائحة كورونا، ليصل إلى 101.6 مليون برميل يوميا في العام المقبل، وأن الصين، وهي أكبر مشتر للنفط الروسي حاليا، ستكون المحرك الأول لزيادة الطلب العالمي، وليس مجموعة الدول الصناعية. وأن الزيادة في الطلب العالمي ستتراوح بين 1.8 إلى 2.2 مليون برميل يوميا. الصين والدول النامية خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ستكون مسؤولة عن 80 في المئة من الزيادة في الطلب العالمي. هذا يعني بالنسبة لروسيا أن لديها فرصا أكبر لدخول أسواق جديدة، وزيادة صادراتها في أسواقها الحالية، باستثناء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا الملتزمة بالعقوبات.
وتعاني الدول الصناعية حاليا من انخفاض كمية المخزون التجاري المتاح للاستخدام إلى أقل مستوى له عن متوسط المخزون في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 290 مليون برميل. ولبناء المخزون تحتاج هذه الدول إلى زيادة مشترياتها من النفط الخام والمشتقات، خصوصا وقود الطائرات والديزل والكيروسين. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن تلك الدول بدأت فعلا ذلك، ولكن بكميات قليلة بلغت حوالي 6 ملايين برميل في الشهر الماضي، أي بنسبة 2.1 في المئة تقريبا من كمية المخزون التي تكفي للعودة إلى متوسط السنوات الخمس الأخيرة.

دور الدول العربية
المصدرة للنفط والغاز

مع أن معظم الصادرات النفطية العربية تتجه إلى أسواق الشرق الأقصى، فإن أزمة إمدادات الطاقة العالمية تفتح أمام المنتجين العرب فرصة لتنويع أسواق التصدير، وزيادة حصة النفط العربي في أسواق أوروبا. ويعتبر العراق والجزائر وليبيا من أكبر مصدري النفط العرب إلى أوروبا، في حين تعتبر قطر والجزائر ومصر أكبر مصدري الغاز. ويحد من صادرات النفط العربي إلى أوروبا عوامل سلبية مثل الحرب الأهلية والنزاعات في ليبيا، أو عوامل اقتصادية مرتبطة بكفاية البنية الأساسية الإنتاجية والتصديرية كما هو الحال في العراق والجزائر، أو عوامل تجارية وجيوسياسية كما هو الحال مع السعودية والإمارات. ومع ذلك فإن الدول العربية نظرا للاحتياطي النفطي الضخم لديها، وقربها من أوروبا تعتبر واحدا من أهم المصادر البديلة للنفط والغاز. وفي هذا السياق جاء توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة لتصدير الغاز المسال من مصر إلى الاتحاد الأوروبي، والاتفاقات المنفصلة التي وقعتها شركة إيني مع شركات النفط والغاز في مصر والجزائر.
وتعقد أوروبا آمالا كبيرة على زيادة الإمدادات من العراق وليبيا. وتقدر أن تشغيل طاقة الإنتاج في العراق إلى الحد الأقصى يمكن أن يوفر كميات إضافية للتصدير. وقد بلغ متوسط صادرات النفط العراقي إلى أوروبا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي حوالي 528 ألف برميل يوميا مقابل 431 ألف برميل يوميا في العام الماضي، أي بزيادة 97 ألف برميل يوميا بنسبة 22.5 في المئة. وينتج العراق حاليا حوالي 4.34 مليون برميل يوميا، لكن لديه طاقة إنتاجية قصوى تصل إلى 5 ملايين برميل يوميا. ومن ثم فإن بإمكانه إذا تم تشغيل حقوله بطاقتها القصوى زيادة الإنتاج بمقدار 660 ألف برميل يوميا. وهو ما يسمح له بزيادة الصادرات إلى أوروبا عن مستواها الحالي. بينما يمكن أن يؤدي استقرار الأوضاع في ليبيا إلى زيادة الصادرات بنحو 500 ألف برميل يوميا وانتظام وصولها إلى الأسواق الأوروبية. لكن أوروبا مع كل ذلك هي في حاجة ماسة إلى نفط إيران، فهو الذي يمكن أن يغير قواعد اللعبة في سوق الطاقة الأوروبي مع حرمان ذلك السوق من الإمدادات الروسية. وهذا هو بيت القصيد الآن في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

كيف يعرّف أطفال إسرائيل مصر وبماذا يصفونها؟.. تقرير عبري

RT : انتقد تقرير إسرائيلي نشره موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي، عدم تدريس اتفاقية السلام التاريخية …