الخليج الجديد :
في سبتمبر/أيلول 2002، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أمام الكونجرس لحث إدارة “جورج بوش الابن” على غزو العراق، زاعما أنه لا شك في امتلاك العراق أسلحة نووية. وقدم “نتنياهو” وعودا زائفة، قائلا: “إذا أطحتم بصدام (حسين/رئيس العراق آنذاك)، فأنا أضمن لكم أن يكون لذلك صدى إيجابي هائل في المنطقة”.
بعد 6 أشهر، بدأ الغزو الأمريكي للعراق، ولم يتم العثور على أي أسلحة دمار شامل، وتسببت الحرب في عقود من العنف والاضطراب في المنطقة. والآن، تستخدم إسرائيل نفس الأساليب للضغط من أجل حشد عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد إيران.
في الوقت نفسه، يضغط الصقور على الرئيس الأمريكي “جو بايدن”؛ للتنصل من وعوده بشأن مساءلة السعودية بل ومتابعة اتفاقيات أمنية أكبر معها بشرط تطبيغ العلاقات مع إسرائيل.
وتهدد الضغوط الإسرائيلية بشأن إيران بتصعيد يمكن أن يورط الولايات المتحدة في حرب أخرى لا نهاية لها.
وبعد ما يقرب من 20 عامًا من غزو العراق، أصبحت هناك قناعة عامة أن هذه الحرب كانت خطأ تاريخيا للسياسة الخارجية الأمريكية. لذلك لابد أن ندرك قبل فوات الأوان أن الحرب مع إيران ستكون خطأ أسوأ بكثير، ليس فقط بسبب تداعياتها، ولكن أيضا بسبب وجود بديل سلمي واضح.
لعب الصقور على المخاوف
وفيما يشبه إلى حد كبير حالة العراق، يحاول الصقور في الولايات المتحدة وإسرائيل تأجيج المخاوف من الأسلحة النووية الإيرانية من أجل تبرير حرب محتملة. صحيح أن الجماهير يُقال لها منذ عقود أن إيران على وشك بناء الأسلحة النووية، إلا إن تهديد الأسلحة النووية تم حله سابقا من خلال الدبلوماسية.
فبالرغم من المعارضة القوية من إسرائيل وأنصار الحرب في الولايات المتحدة، توصلت الولايات المتحدة وإيران والمجتمع الدولي في عهد “باراك أوباما” إلى اتفاقية بارزة في عام 2015 معروفة باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” أو الاتفاق النووي الإيراني .
وسمح الاتفاق النووي برقابة دولية على البرنامج النووي الإيراني بشكل غير مسبوق، وفرض حدودا صارمة لضمان عدم تمكن إيران من استخدام برنامجها عسكريا، في مقابل تخفيف العقوبات على إيران.
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا وتكرارا أن إيران تلتزم بالاتفاق، حتى بعد أن تراجعت إدارة “ترامب” عن الاتفاق في مايو/أيار 2018 وانتهكته من خلال إعادة فرض العقوبات. كما أن الرئيس “بايدن” تحدث أيضا عن مزايا الاتفاق عندما كان مرشحا في عام 2020، وأكد أن “ترامب” هو الذي تخلى عن الاتفاق، وليس إيران.
وبالرغم من هذا الاعتراف والسنوات التي أنفقها “بايدن” في انتقاد السياسات السابقة الفاشلة إزاء إيران، إلا أن إدارته لم تغير سياسات سلفه، بما في ذلك حملة “أقصى ضغط” ووضع الحرس الثوري في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
حرب أخرى كارثية
بينما وعد “بايدن” بالعودة إلى الاتفاق النووي عندما كان مرشحا، فقد أهدرت إدارته فرصة مبكرة لاستعادة الاتفاق قبل انتخابات إيران في يونيو/حزيران 2021، والتي أسفرت عن إدارة جديدة متشددة في إيران، ولم تستعد الولايات المتحدة الاتفاق حتى الآن.
ومع فشل “بايدن” في استعادة الاتفاق التاريخي، واصلت إيران تطوير برنامجها النووي من خلال تخصيب اليورانيوم بنسب تتجاوز بكثير ما كان منصوصا عليه في الاتفاق النووي.
وبالرغم أن معارضي الاتفاق النووي غالبا ما يزعمون أنهم يريدون “اتفاقية أفضل”، يبدو أن الهدف الحقيقي لهذه الأصوات المتشددة هو الدفع من أجل حرب أخرى كارثية في الشرق الأوسط.
وتؤكد التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أصبح لديها الآن ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة واحدة، وهو ما يؤكد مدى إلحاح الوضع الحالي. ومن المهم أن نذكر أن إيران سيتعين عليها اتخاذ القرار السياسي بالمتابعة نحو الحصول على سلاح وأن هذه العملية نفسها ستستغرق من عام إلى عامين.
ومع ذلك، فإن الظروف الحالية ستفاقم الدعوات لعمل عسكري، خاصة مع إزاحة الدبلوماسية عن الطاولة. وبالنظر إلى هذا الاحتمال، فإن سياسة “بايدن” وموقف إدارته إزاء إيران والاتفاق النووي يعكسان قصر نظر خطير.
وفي حين يستخدم المسؤولون الأمريكيون خطاب القانون الدولي لانتقاد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن قصف إيران سيكون انتهاكا لنفس القانون الدولي الذي تتحدث عنه واشنطن، كما أن الصدام العسكري مع إيران سيثير ذكرى الضربة الكارثية ضد العراق.
وفي الوقت الذي نشهد فيه سقوط الضحايا والدمار في أوكرانيا والمخاوف بشأن التصعيد النووي مع روسيا، فمن الأهمية بمكان موازنة عواقب الحرب.
وتحمل هذه النزاعات تداعيات عالمية تجلت مؤخرا في تفاقم التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والأزمة الغذائية العالمية التي تهدد باندلاع مجاعات في الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
ومن المحتمل أن تؤدي الحرب مع إيران إلى تفاقم هذه الظروف، وستؤثر بشكل خاص على تدفق النفط من خلال مضيق هرمز. وفي ظل هذه الظروف القاسية، فإن آخر شيء يمكننا تحمله الآن هو التصعيد أو الحرب مع إيران.
خطأ تاريخي
في الواقع، فإن الرأي العام الأمريكي يعارض المزيد من الحروب، وهذا هو السبب في أن إدارتي “بايدن” و”ترامب” وعدتا “بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها” والتي أصبحت أصبح جملة شائعة في الخطاب السياسي الأمريكي. وحتى مع دعم الأمريكيين للمجهودات الحربية في أوكرانيا، فإن الأغلبية لا تريد أن تخاطر الولايات المتحدة بالحرب مع روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، يواصل غالبية الأمريكيين دعم الاتفاق النووي الإيراني. وليس هذا مفاجئًا بالنظر إلى الإخفاقات العسكرية الأمريكية؛ وأبرزها استيلاء “طالبان” على السلطة في أفغانستان بعد 20 عامًا من الحرب، والتكلفة الهائلة لهذه النزاعات على دافعي الضرائب الأمريكيين.
إن الحرب مع إيران – وهي بلد ذات عدد سكان أكبر من العراق وأفغانستان مجتمعين وذات موقف أقوى في المنطقة في أعقاب الحروب الأمريكية – سيكون خطأً تاريخياً آخر له نتائج أسوأ بكثير مما رأيناه سابقا.
وفي خطاب حديث حول الحرب في أوكرانيا من قبل الرئيس الأسبق “جورج دبليو بوش”، كشفت زلة لسان ساخرة وقع فيها عن حقيقة إرثه حين قال: “قرار رجل واحد بشن غزو وحشي غير مبرر على العراق”. وبالرغم أنه قام على الفور بالتصحيح لنفسه ليقول “أوكرانيا”، فإنه أضاف بصوت خفيض “والعراق أيضًا”، مما دفع الجمهور للضحك.
وإذا لم يصحح “بايدن” مساره الحالي بشأن إيران قريبًا – والذي يقوض نجاحات الإدارة التي خدمها كنائب للرئيس – فقد يكون إرثه أيضًا حربًا كارثية من صنعه.