هل نحن أمام دخول العرب في حياة سياسية تفتقد الحياء والمروءة والشهامة والكبرياء؟

هدف أمريكا الأساسي دفعنا في أتون تعقيدات صراع أمريكي أوروبي مع روسيا لا ناقة لنا فيه ولا جمل، بل قد يقودنا إلى دخول خلافات مع دولة كبرى كالصين.

مشهد زيارة بايدن قد لا يقبله البعض، ظنا أن بلاد العرب مستقلة عن أي نفوذ وابتزاز لكنه يرسم صورة حقيقية عن واقع عربي مرير آن أوان الحديث عنه دون مجاملات.

رئيس أمريكي آخر يقرر زيارة بلد عربي، كما فعل الرئيس السابق، لا ليتباحث بصورة ثنائية كما العادة، بل ليشهد زفافا سياسيا تحضره مجموعة منتقاة من قادة الأقطار العربية.

* * *

ها هو رئيس أمريكي آخر يقرر المجيء إلى بلد عربي، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق، لا ليتباحث بصورة ثنائية كما يفعل الرؤساء الآخرون، بل في شكل زفاف سياسي تحضره مجموعة منتقاة من بعض قادة الأقطار العربية.

وبالطبع، وكما فعلها من قبل الرئيس ترامب، سيقف بايدن خطيباً في الجمع يوجه النصائح، ويلوم هذه الجهة، ويهدد الجهة الأخرى، ويحدد المقبول لدى الإمبراطورية الأمريكية حاليا، وما هو غير مقبول، ثم قد يقدم الجزرة التي تنتظر المطيعين.

هذا مشهد قد لا يقبله البعض، ظناً منهم أن بلاد العرب مستقلة عن أي نفوذ وابتزاز، لكنه يرسم صورة حقيقية عن واقع عربي مرير آن أوان الحديث عنه من دون مجاملات.

أن يقبل رؤساء دول عربية وإسلامية، ومنذ ثلاث سنوات، الجلوس كتلاميذ أمام رؤساء دولة تخصصت عبر عشرات السنين في دعم وتسليح وحماية هجمة صهيونية لسرقة فلسطين العربية، وتشريد الملايين من شعبها العربي، وفي قيادة مؤامرة كاذبة مصطنعة مدبرة لتدمير العراق واحتلاله والقضاء على جيشه وإفقاره إلى حدود الجوع، ورجوع كل ما بناه إلى الوراء بعشرات السنين.

واليوم، وبقيادة أمريكية، يدفع لبنان إلى حافة الإفلاس والفوضى السياسية والأمنية، وحتى إلى التقسيم وزواله كمجتمع ودولة. وما فعلته أمريكا منذ عشرات السنين بشعب أندونيسيا، عندما دمرته باسم محاربة الحزب الشيوعي، أشرفت الاستخبارات المركزية الأمريكية على قتل مئات الألوف من مسلمي إندونيسيا الأبرياء.

وما فعلته مؤخراً في باكستان من التآمر على رئيس وزرائها وإخراجه من السلطة، من خلال الرشى والتهديد، لا يزال ماثلاً أمامنا. ولا يسمح المجال لذكر الكثير الكثير مما فعلته هذه الدولة الاستعمارية المتصهينة حتى النخاع في بلدان مثل، ليبيا والسودان واليمن والصومال، من مؤامرات وانتهاكات وابتزاز.

ولم تسلم حتى بعض دول الخليج العربي من شتى أنواع التهديدات والابتزاز والضغوط الاقتصادية والمالية الجائرة، بما فيها محاولات ابتزاز منظمة أوبك كلما شعرت بأنها تخرج عن طاعتها.

هل تاريخ عدائي مزمن كهذا، وتدخلات كهذه في شؤوننا الداخلية لا تنتهي، واستعمال بعضنا كمخلب قط من أجل مصالح أمريكية أنانية، هل علاقة كهذه لا تنتهي من أزمة حتى تدخل في أزمة أخرى، هل تاريخ كهذا لا يبرر اعتذارنا عن ترتيب حفلة زفاف جديدة، خاصة أننا نعلم جيداً أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة سيكون دفعنا في أتون تعقيدات صراع أمريكي أوروبي مع روسيا لا ناقة لنا فيه ولا جمل، بل قد يقودنا إلى دخول خلافات مع دولة كبرى كالصين؟

ثم ألن ينقلب بايدن إلى كوشنر آخر فيطرح التسميات الكاذبة والشعارات الأسطورية إياها التي تكافئ المجرم سارق الأرض على حساب أربعة عشر مليونا من عرب فلسطين، باسم أوهام ملّ هذا الكون سماعها من قبل أمريكا ذات الوجهين المتناقضين إلى حدود الهلوسة والثرثرات المضحكة؟

ثم بأي منطق يحق لأمريكا أن تختلي ببعض دول وتترك الآخرين، فأين تضامن الجامعة العربية، وأين مؤسسة قمة الرؤساء العرب التي تتغنى بالأخوة والتضامن العربي هو المصير المشترك؟ هل نحن أمام دخول العرب في حياة سياسية تفتقر للخجل والمروءة والشهامة والكبرياء؟

* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني

المصدر | القدس العربي