تعظيم الاحتياطي الاستراتيجي من المياه، وطرق أبواب دبلوماسية عالمية، وتنمية العلاقات مع السودان ودول أفريقيا.. عبر هذه المحاور الثلاثة تخطو القاهرة لمواجهة الملء الثالث لسد “النهضة” الإثيوبي المقرر في أغسطس/آب المقبل.

هذه المحاور الثلاثة الرئيسية، وفق رصد لتقديرات رسمية وأخرى لخبراء تحدثت إليهم الأناضول، تندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ”خطة احتواء وتقليل آثار سلبية للملء الثالث لكنها لا تصل للمنع”.

وتتضمن المحاور وفق الخبراء، 5 مواقف وتحركات مصرية، بينها العودة إلى المفاوضات، ورهان غير رسمي على “عدم قدرة أديس أبابا على الالتزام بملء كامل كما حدث في الملء الثاني من تراجع في كمية السعة التخزينية المعلنة سلفا”.

والسد الذي اكتمل بناؤه حاليا بنسبة 88% بحسب سفير إثيوبيا لدى روسيا، “أليمايهو تيجينو”، يستهدف تخزين 74 مليار م3 استطاع أن يستوعب منهم 4.5 مليار م3 بالملء الأول في يوليو/تموز 2020.

بينما جذب الملء الثاني بعد عام، 13.5 مليار م3 بتقديرات إثيوبية رسمية، مقابل أحاديث فنية مصرية غير رسمية، تذهب إلى أنه لم يتجاوز 3.5 مليار م3 فقط، لعدم اكتمال إنشاءات السد، وسط انتظار لملء ثالث يقدر رسميا بنحو 10.5 مليار م3.

ومنذ نحو 11 عاما، تتخوف القاهرة والخرطوم من تأثير السد على حصتهما المائية (55.5 مليار م3 و18.5 مليار م3 على التوالي)، غير أن إثيوبيا تربط بين بناء السد وحاجتها للكهرباء، وتؤكد عدم وجود ضرر منه على البلدين وترفض توقيع اتفاق قانوني للملء والتشغيل.

 

 

3 محاور لخطة “الاحتواء”

في 27 مايو/أيار الماضي، قال مدير مشروع السد “كيفلي هورو”، في تصريحات متلفزة، إن الملء الثالث سيكون بأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين، مؤكدا استحالة وقف الملء فنيا، ونافيا احتمال انهياره.

وبينما رفضت الخارجية السودانية وقتها هذا الإعلان، تجاهلت القاهرة لنحو أسبوعين الرد، وبالتزامن أعادت للواجهة التمسك بأهمية إبرام اتفاق قانوني وذلك في 5 مباحثات أوروبية وأفريقية للرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” في الفترة من 30 مايو/أيار الماضي حتى منتصف يونيو/حزيران الجاري.

وجاءت المباحثات مع رئيس بولندا “أندريه دودا”، ومفوض الاتحاد الأوروبي “أوليفر فارهيلي”، وأمام مسؤولين أفارقة بمؤتمر طبي، ووزيرة خارجية ليبراتا “مولامولا”، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”.

وسجل “السيسي” في مقابلة متلفزة يوم 13 يونيو/حزيران الجاري، أول رد مصري على الملء، كاشفا اعتماد بلاده 3 محاور لمواجهة دبلوماسية وفنية وسياسية.

وقال “السيسي”: “لا أحد سيقترب من مياه مصر (..) كيف يتم ذلك؟ نتكلم بالدبلوماسية (..) وأعطيت الفرصة (للإثيوبيين) وننفذ مشروعات للاستفادة القصوى من المياه (..) أنا عملت كل ما يمكن عمله”، في تلميح لاستبعاد الخيار العسكري.

مواقف وتحركات ورهان غير رسمي

خبراء معنيون بالشؤون الأفريقية والدولية وهندسة السدود والمياه تحدثت الأناضول إليهم، ترجموا تلك المحاور الثلاث، إلى 5 مواقف وتحركات عملية محتملة خلال الفترة المقبلة كالتالي:

أولا: 5 مواقف وتحركات:

1- العودة إلى المفاوضات

الأكاديمي المصري المتخصص بالشأن الأفريقي، “خيري عمر”، قال للأناضول، إن هدف هذه المواقف والتحركات المحتملة “ليس منع الملء ولكن تقليل آثاره والدفع نحو اتفاق ملزم”.

ويرى أن مصر قد تقبل بالعودة إلى المفاوضات، وذلك تزامنا مع إعلان أديس أبابا في 10 يونيو/حزيران الجاري، اهتمامها باستئناف المفاوضات المجمدة منذ نحو عام.

بينما أوضح “محمد حافظ”، وهو أكاديمي مصري متخصص في هندسة السدود، للأناضول أنه “طالما التفاوض لا يعتمد على منهجية خشنة فلا تغيير بمساره الذي قد يشهد طرحاً لسيناريو بيع المياه وهذا أمر خطير للغاية”.

 

 

2- تحركات دبلوماسية

التحرك الثاني المحتمل هو تصعيد في تحركات واتصالات الرئيس المصري ووزير خارجيته “سامح شكري” عربيا ودوليا لتأمين تأييد قوى لصالح موقف القاهرة والضغط على إثيوبيا، وفق “عمر”.

وتوقع الأكاديمي المتخصص في الشؤون الدولية “نبيل مخائيل”، للأناضول، سعي مصري نحو كسب تأييد أمريكي بالمقام الأول في تحركاتها لكسب أطراف إقليمية ودولية أوسع.

3- خطوات نحو السودان وأفريقيا

ويتطرق “ميخائيل” إلى موقف ثالث ستنتهجه القاهرة عبر تعزيز التواجد أكثر أفريقيًا، عبر خطوات عملية ملموسة كان منها البدء ببناء سد تنزانيا في 2018، متوقعا “توافقا مصريا سودانيا أكبر يعزز موقفهما ويحاول إقناع المجتمع الدولي بضمان مصالحهما المائية”.

وبشكل لافت في السنوات الأخيرة، اتجهت مصر لتعميق العلاقات مع أفريقيا وأبرزها تنفيذ السد التنزاني وتدشين مشروعات بأفريقيا مرتبطة بالأمطار وبتوليد الطاقة والمياه وتوسيع تغطية قمر صناعي جديد أطلق في 8 يونيو/حزيران الجاري، ليشمل دول جنوب أفريقيا وحوض النيل.

4- تعظيم احتياطي المياه

“خيري عمر”، يرى موقفا رابعا مهما ستستمر فيه مصر، وهو تعظيم “احتياطي استراتيجي للمياه”، مع مشروعات تأهيل الترع ومعالجة المياه، وغيرها.

ووضعت مصر رسميا خطة تصل لعام 2037 باستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار لإقامة مشاريع تعظم من موارد المياه منها التحول لنظم الري الحديث، والمعالجة، ولديها اجتماعات دورية لبحث كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي من نهر النيل أحدثها تم في 7 يونيو/حزيران الجاري.

وفي هذا الصدد، استنكر “محمد حافظ” تحميل ميزانية الدولة بنود مالية إضافية ضخمة لمعالجة المياه بدلا من حل جذري لأزمة السد، مشيدا بحرص وزارة الري هذا العام على عدم تصريف مياه بحيرة السد العالي بعد سنوات من “الفقد”.

وقال إن “هذا أمر يُحترم، في ظل أنه قد نكون مقبلين على آخر السنوات السمان وأول السنوات العجاف مع إقبال إثيوبيا على حجز 10.5 مليار م3 ما سيؤدي لنقص في التدفقات المقبلة”.

 

 

5- احتمال اللجوء لمجلس الأمن

“نبيل ميخائيل”، يرى أن “اللجوء لمجلس الأمن أمر متاح لمصر وليس مستبعدا هذه المرة وليس له علاقة بالحرب بين أوكرانيا وروسيا لأنها آلية دبلوماسية مهمة تستخدم وتخدم سعي مصر لنيل تأييد كبير بقضية السد”.

بالمقابل، رجح “خيري عمر” عدم التوجه لمجلس الأمن كخيار، في ظل معرفة أقصى ما لدى المجلس في جولتين سابقتين من مطالبة الأطراف بالذهاب لتفاوض دون قرار مؤثر.

ثانيا: رهان غير رسمي

وراهن “عمر”، على أن “السد من الناحية الفنية لن يتحمل استمرار كميات الملء”، مطالبا بتحسب “احتمال انهياره”، في مخاوف مماثلة حذرت منها دراسة مصرية أواخر 2021.

كما راهن “ميخائيل” “على عدم استقرار داخلي بإثيوبيا قد يؤثر على مشروع السد” بجانب “احتمال كبير يراه يتمثل في عدم قدرة إثيوبيا على إدارة سد عملاق لا إنشائيا ولا فنيا وهذا سيكون في صالح مصر”.

وكان “عباس شراقي”، وهو أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة وأحد أبرز المدافعين عن موقف مصر قال في تصريحات متلفزة الثلاثاء، إن “هناك مشاكل فنية لا تزال تواجه سد إثيوبيا وفق ما رصدته الأقمار الصناعية، فتوربين توليد الكهرباء الثاني لم يعمل بعد والأول يعمل بكفاءة متدنية”، دون تعليق إثيوبي.

وكانت أبرز التحركات المصرية في الملء الأول والثاني إيصال قضية السد لمجلس الأمن، مع اتصالات سياسية ومفاوضات فنية ما لبثت أن جمدت منذ نحو عام.

المصدر | الأناضول