معاريف.. أكاديمي : يتعين على إسرائيل أن تحدد حدودها بنفسها كي تنجو من التهديد الديموغرافي الاستراتيجي

الناصرة ـ “القدس العربي”:

يعتبر باحث أكاديمي إسرائيلي أن التسوية مع الفلسطينيين غير ممكنة، ويدعو للكف عن التعامل مع الضفة الغربية المحتلة كواقع مؤقت، لأن التحولات الديمغرافية ومعاداة العالم لها تهدد إسرائيل استراتيجيا، ولذا يعتبر أن الحل هو بإدارة الصراع وفرض حقائق على الأرض والمبادرة لتعيين الحدود بشكل أحادي، وإبقاء ما تبقى من الأراضي الفلسطينية جزرا متناثرة من دون سيادة.
ويقول جيرالد شتاينبرغ – أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، في مقال موسع نشرته صحيفة “معاريف” :”إنه بعد مرور 55 عاماً على حرب1967 لا يزال وضع الضفة الغربية وسكانها “مؤقتاً” مما يشكل بؤرة رئيسية لعدم الاستقرار”.
وينوه أنه بعد النتائج غير المتوقعة لهذه الحرب ووفقا للتقاليد اليهودية، ظل سياسيون وقادة عسكريون وخبراء يناقشون الموضوع أسابيع وأشهراً وسنوات في انتظار رد جدي من الدول العربية.
ويضيف”في هذا الفراغ الناشىء قامت مجموعات من الإسرائيليين مثل “غوش إيمونيم” بفرض وقائع على الأرض تطورت مع مرور السنوات إلى مستوطنات ومدن حول “مواقع توراتية”. وفي المقابل أقام الجيش الإسرائيلي مواقع له تحوّل جزء منها إلى مستوطنات أيضاَ. كل شيء كان “موقتاً”، ومع مرور الوقت وضعت قوانين طوارئ وقوانين مؤقتة تتطلب موافقات دورية”.
وبرأي المحاضر الإسرائيلي كانت النتيجة فوضى من دون تفكير استراتيجي وقرارات بعيدة الأمد.
ويقول إنه من النتائج المستقبلية الأُخرى غير المخطط لها هو التحوّل التدريجي لكامل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط إلى كيان سياسي واحد، حيث عدد المواطنين اليهود يساوي تقريباً عدد الفلسطينيين، وجميع هؤلاء محاصر بموجات من “الإرهاب” ، زاعما أنه بالنسبة إلى الفلسطينيين، أبقت 55 عاماً من الوضع القائم “وَهمَ العودة” إلى 1947 الذي دعمه المجتمع الدولي دعماً كبيراً بسبب التعريف الأسطوري والفريد لـ”اللاجىء الفلسطيني” . كما يزعم أن خيار الدولة الواحدة مع أكثرية فلسطينية بينما اليهود يختفون رويداً رويداً مثل الصليبيين، يغري الفلسطينيين أكثر من “حل الدولتين”، الذي يعطي الشرعية للسيادة اليهودية من دون علاقة بالحدود النهائية.
ويتابع محاولته تصوير إسرائيل كضحية للتحريض بقوله “بينما اعتاد كثير من الإسرائيليين على وضع “الحائط المسدود”، فإن العديد من الأشخاص في الخارج وبينهم كثير من اليهود يرون في إسرائيل دولة استيطانية استعمارية، ودولة أبارتهايد. يترافق ذلك مع شعارات جوفاء وأساطير تتذرع بالقانون الدولي من أجل تبرير شيطنة إسرائيل. عندما قُتلت مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في جنين اتهمت إسرائيل بصورة تلقائية بأنها هي التي ارتكبت “جريمة بدم بارد”. كما يجري تشجيع الكراهية وتعزيزها من خلال حملات تشنها منظمات غير حكومية تتغذى من صورة مشوهة ينجح الفلسطينيون في تصويرها”.
وضمن منظوره الصهيوني يقول جيرالد شتاينبرغ إنه لا جديد في هذا كله، وهو برأيه أمر مفروغ منه لكن ما ليس مفروغاً منه ما يمكن أن تقوم به إسرائيل اليوم لاستبدال الوضع القائم بإطار واقعي وأفضل بكثير. كما يقول إن البحث عن حلول ليس الهدف منه اقتراح خطة سلام أُخرى خيالية، إنما تجديد وتشجيع نقاش داخلي – إسرائيلي بشأن البدائل المحتملة للوضع القائم بالاستناد إلى واقع اليوم.
التعلم من إخفاقات الماضي

وطبقا لمخاوف الباحث الإسرائيلي شتاينبرغ يُظهر التاريخ أنه بعد مرور 55 عاماً لا يزال الوضع القائم المؤقت مستمراً، محذرا من أنه في هذه الأثناء فإن خيار كيان سياسي واحد بين الأردن والبحر مع عدد متساوٍ من السكان، وتداعيات ذلك على المشروع الصهيوني يزداد ويكبر، زاعما أن هذا هو الحل المفّضل بالنسبة إلى الفلسطينيين وأن هذه مشكلات لن تُحل، والتعهد بالبحث عن حلول أفضل ما زال مطروحاً.
ويضيف “مع هذا التاريخ ومع الواقع الحالي، ليس مستغرباً أن يفقد كثير من الإسرائيليين الأمل، فالنقاش في هذا الشأن لا يظهر تقريباً في البرامج الانتخابية للأحزاب الكبيرة، وهذا يشكل إحدى المشكلات، ويعزز التيارات المعادية للصهيونية التي تعتبر تطور إطار “الدولة الواحدة” من النهر إلى البحر هو الخيار الأفضل” .
وفي إطار تقديم المقترحات يرى شتاينبرغ أنه من أجل المضي قدماً والتعلم من أخطاء الماضي، المطلوب وضع استراتيجيا جديدة تعتمد على الواقعية السياسية وعلى مصالح إسرائيلية محسوسة، وأقل اعتماداً على الأمنيات والأيديولوجيا.
ويعلل رؤيته هذه بالقول إن الواقع يفرض تحليلاً حذراً ودقيقاً للفائدة والثمن النسبي لمختلف الاحتمالات، بما في ذلك استمرار الوضع القائم، والأخذ باعتبارات الأمن (القدرات العسكرية وحدود يمكن للدفاع عنها)، واعتبارات صهيونية وديمغرافية (أغلبية يهودية مطلقة)؛ وصورة إسرائيل في المجتمع الدولي.
ويرى أيضا أنه على هذا الأساس وعلى عكس اتفاقات أوسلو وأطر أُخرى يجب البدء من النهاية: حاجة إسرائيل إلى أن تحدد حدودها بنفسها، ففي اللحظة التي نبحث في العمق، ونناقش ونقرر ما هي المناطق التي نحن بحاجة إلى الاحتفاظ بها حفاظاً على مصالح إسرائيل، ومن أجل استمرار المشروع الصهيوني، يصبح نقاش وسائل تحقيق ذلك أكثر نجاعة.

تكريس احتلال القدس

بالإضافة إلى المحافظة على القدس الموحدة، أي تكريس احتلالها بشطريها، خصوصاً المدينة القديمة والأماكن المقدسة، فإن الموضوع الجوهري والأساسي هو تحقيق الحد الأقصى من الأمن في مقابل الحد الأدنى من السيطرة على الفلسطينيين والمسؤولية عنهم.
ويعلل رؤيته لإدارة الصراع والقيام بخطوات أحادية على الأرض بالقول إن السكان في إسرائيل يتألفون من 80 % من اليهود و20 % من العرب، وفي دول قومية أُخرى تعيش فيها مجموعات إثنية وثقافية أو دينية مركزية، تُعتبر أقلية مؤلفة من 20 % نسبة مرتفعة جداً، وخصوصاً إذا كانت لهذه الأقلية مطالب قومية. وعلى خلفية ذلك يحذّر من ان الحدود التي ستقلص الأغلبية اليهودية إلى 60 % مثلاً تشكل تحدياً كبيراً للصهيونية. ويتابع “وعندما نتمعن في العناصر الأُخرى نجد اتفاقاً واسعاً على الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن والممرات الموصلة إليه، وكذلك الكتل الاستيطانية المحاذية للخط الأخضر وداخل الجدار الأمني التي هي في الواقع جزء من إسرائيل، مع عدد ضئيل من الفلسطينيين” .

اتفاق أوسلو

ويقول إن هناك موضوعا آخر هو مستقبل المنطقة “ج” التي بحسب اتفاقات أوسلو واقعة تحت سيطرة إسرائيلية، وإن لهذه المنطقة أهمية استراتيجية كبرى مع أقلية محدودة من السكان الفلسطينيين، لكنه يحذّر من أنه “من دون سياسة واضحة فإن الفلسطينيين والأوروبيين المؤيدين لهم سيعملون على خلق وقائع على الأرض “.
ويقول أيضا إن القرى الفلسطينية الموجودة في نقاط أساسية مثل خان الأحمر ومسافر يطا والتي تسرد “قصصاً ملفقة” من أجل إقناع الأوروبيين بأصالتها هي محاولات لمنع إسرائيل من الاحتفاظ بهذه المنطقة.ويعتبر أنه كلما مر الزمن من دون أن تقرر دولة الاحتلال أن الأجزاء من المنطقة “ج” التي يجب أن تبقى جزءاً منها، سيجعل الأمر أكثر صعوبة في المستقبل.

صورة إسرائيل

والبعد الأخير برأيه هو البعد النظري: بالنسبة إلى جزء من الإسرائيليين ومن يهود الشتات فإن أحد المواضيع المؤلمة هو صورة إسرائيل كدولة احتلال تمنع، بصورة وحشية، الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم. ويتساءل هل شيطنة إسرائيل ستكون أقل لو أن الوضع القائم استبدل بحدود واضحة ومعترف بها من المجتمع الدولي؟… هل يهود الشتات الذين أصبحوا معادين لإسرائيل ومنفصلين عنها بسبب الـ55 عاماً الأخيرة يمكن أن يتوجهوا وجهة أكثر إيجابية؟
على هذا التساؤل يرد بأن الإجابات غير واضحة وأن صورة الضحية الفلسطينية في مقابل الوحشية الإسرائيلية لن تختفي، ويعلل ذلك بالزعم أنه مهما تفعل إسرائيل فهذا لن يغير من الأمر، ستبقى دائماً هي المذنبة.
ويتابع”ورغم ذلك، فإن تعيين حدود واضحة لإسرائيل سيقلل من العداء لها. ومع ذلك كله، من المهم التشديد على أن التغيير المحتمل في نظرة أطراف أجنبية حيال إسرائيل وحدودها يجب ألاّ يكون هو العنصر الحاسم في اتخاذ القرارات بشأن هذا الموضوع” .
في الخلاصة، يرجّح جيرالد شتاينبرغ أن تغيير الوضع القائم بعد 55 عاماً من الصعب تحقيقه، وخصوصاً في ضوء التفاوت الإيديولوجي في المجتمع الإسرائيلي. كما يحذر من التحولات الديمغرافية على الأرض بقوله إن “استمرار الفوضى” يشكل خطراً كبيراً على إسرائيل والصهيونية”. ويتابع “وما دمنا نواصل هذه السياسة المؤقتة من دون وجود مصالح تعتمد على واقعية سياسية، سيكون من الصعب أكثر فأكثر مواجهة النتائج في المستقبل”.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …