متى يُعدّ الهجوم الإلكتروني جريمة حرب؟

 سويس إنفو :

 يُمكن للهجمات الإلكترونية التي تشن على البنية التحتية الحيوية، مثل محطات توليد الطاقة أو شبكات الاتصالات، أن تلحق ضرراً حقيقياً بالناس العاديين. وقد ترقى الهجمات الموجهة ضد المدنيين إلى مرتبة جرائم الحرب بموجب القانون الإنساني الدولي. Copyright 2022 The Associated Press. All Rights Reserved.

تبدو الأضرار الناجمة عن الهجمات الإلكترونية في الحرب الدائرة في أوكرانيا بسيطة مقارنة بفظائع القتال المرتكبة على أرض الواقع. لكن ذلك لا يعني أن تلك الهجمات لا تقع أصلا، أو أن المدنيين بمنأى عنها.

هذا المحتوى تم نشره يوم 10 يونيو 2022 – 09:00 يوليو,

في 24 فبراير 2022، أي في اليوم الذي شنت فيه روسيا غزوها على أوكرانيا، أدى هجوم إلكتروني استهدف خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية (KA-SAT) إلى تعطيل الاتصالات العسكرية الأوكرانية. وهذا الهجوم، الذي نسبه مسؤولون أمريكيون إلى وكالة التجسّس العسكرية الروسية، تجاوز الحدود الأوكرانية. فقد أدى إلى قطع الإنترنت عن عشرات الآلاف من الناس في جميع أنحاء أوروبا، من فرنسا إلى أوكرانيا. وظلت شبكة الإنترنت مقطوعة عن حوالي 2000 عنفة هوائية في ألمانيا بعد مرور شهر على الهجوم.

في اليوم التالي، أُصيبت محطة مراقبة حدودية بين أوكرانيا ورومانيا ببرنامج خبيث ماسح للبيانات أدى إلى إبطاء معالجة طلبات اللاجئين الذين يسعون إلى الفرار من البلاد. ولا يزال مرتكبو ذلك الهجوم مجهولي الهوية حتى الآن.

وهذان هجومان شُنا من أصل خمسة وثلاثين هجوماً إلكترونياً كبيراً على البنية التحتية الحيوية والمدنية في أوكرانيا، وقد أعلنت عنهما مؤسسة السلام الإلكترونيرابط خارجي، المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، عبر موقعها على الإنترنت منذ بداية الحرب. وقال برونو هالوبو، كبير موظفي التكنولوجيا في المنظمة ورئيس قسم التحليل السيبراني، إنه على الرغم من أن معظم الهجمات استهدفت أهدافاً عسكرية ومؤسسات عامة ووسائل إعلام، إلا أن المدنيين تضرروا أيضاً بقصد أو بغير قصد.

في هذا الصدد، قد ترقى الهجمات ضد المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي إلى مرتبة جرائم الحرب.

وقال هالوبو: “نحن نراقب الوضع ونجمع الأدلة بحيث إذا أجري تحقيق في مرحلة ما، فسيكون في وسعنا تقديم أدلة على ما حدث”. وتدرج المنظمة غير الحكومية في موقعها على شبكة الإنترنت تعداداً للهجمات الإلكترونية وتوفر معلومات دقيقة حولها وحول الضّرر المجتمعي الذي تسببت فيه وتحدد طبيعتها.

وأضاف: “إن ما ننشره على موقعنا على شبكة الإنترنت هو جزء صغير من المعلومات المتوافرة لدينا”. وذكر أن هذه المعلومات متاحة للإجراءات القانونية المحتملة في المستقبل. وعلاوة على ذلك، تقوم مؤسسة السلام الإلكتروني بتجميع هذه الأدلة لتقييم ما إذا كانت البلدان تحترم المعاهدات الدولية التي وقعت عليها، ومن أجل تحديد الثغرات القائمة في القانون الحالي.

قانون الحرب في العصر الرقمي

عموما، يفرض القانون الإنساني الدولي، المعروف أيضاً باسم قانون الحرب، قيوداً على سير الأعمال القتالية ويسعى إلى حماية المدنيين والعاملين في المجال الصحي والطبي والجرحى من الجنود وأسرى الحرب.

إذ يُحظر استهداف المدنيين بصورة مباشرة. كما يُحظر استخدام الأسلحة التي لا يُمكن أن تقتصر آثارها على الأهداف العسكرية. وذلك يعني، في العالم الحقيقي والواقعي، عدم استهداف مستشفى أو عدم قصف المناطق المكتظة بالسكان على سبيل المثال. ولكن في العالم الرقمي، تصبح الأمور أكثر تعقيداً.

وقال هالوبو إنه من الصعب جداً تصميم برنامج خبيث يُضر بنظم معينة فقط لا بمجموعة واسعة منها. فهذا ما يبينه اختراق خدمة الإنترنت KA-SAT.

وإن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، التي امتدت إلى الفضاء الإلكتروني، تعمل أيضاً على طمس الخط الفاصل بين المدنيين والجنود.

ففي 26 فبراير 2022، دعترابط خارجي حكومة أوكرانيا مخترقي الشبكات الحاسوبية الهواة في العالم للانضمام إلى “جيش تكنولوجيا المعلومات” الخاص بها وشن هجمات على الأهداف الروسية. ومنذ أول أيام الحرب، أعلنت “أنونيموس”(Anonymous) ، وهي مجموعة عالمية تضم مخترقين للشبكات الحاسوبية، أنها منخرطة في شن حرب إلكترونية على موسكو.

ويشك هالوبو في أن العديد من المحاربين الإلكترونيين يُدركون فعلا ما تنطوي عليه مشاركتهم في النزاع بموجب القانون الإنساني الدولي.

فقد قال: “إن هؤلاء المحاربين، قد يفقدون حمايتهم القانونية عن طريق مشاركتهم الفعلية في هذا النزاع على اعتبار أنهم مدنيون ويُعاملون كمقاتلين دون علمهم. فهم عرضة للانتقام من قبل الدولة التي يُهاجمونها، كما أنهم عُرضة للملاحقة القضائية المحتملة بعد الحرب”.

حارس القانون الإنساني الدولي

بوصفها حارساً للقانون الإنساني الدولي، تولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر اهتماماً شديداً بآخر التطورات في ساحة القتال، وتتواصل سراً مع الدول لتذكرها بالقواعد السارية، وتقدر ما إذا كان القانون بحاجة إلى تغيير.

في السياق، قال تيلمان رودنهويزر، المستشار القانوني لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “إننا نشهد واقعاً أضحت فيه عمليات الفضاء الإلكتروني أكثر شيوعاً في النزاعات المسلحة”، وأضاف: “إن أحد الأدوار الرئيسية للجنة الدولية للصليب الأحمر يتمثل في إبراز الخسائر البشرية المحتملة لمثل هذه العمليات، والتكلفة التي يمكن أن يتكبدها المدنيون” بسببها.

لقد تمت بلورة القانون الإنساني الدولي في عالم لم تكن فيه الهجمات الإلكترونية موجودة بعدُ. فهل لا تزال قواعده تفي بالغرض اليوم؟

يجيب رودنهويزر قائلاً: “لا يُمكننا أن نضع قواعد جديدة للنزاع المسلح في كل مرة نشهد فيها تطوراً تكنولوجياً”.

بيد أن بعض جوانب القانون لا تزال قابلة للتفسير. وإحدى أقدم قواعد القانون الإنساني الدولي هي حماية الأعيان المدنية. فطوال سنوات عديدة، لم يكن من الجائز قانوناً إتلاف أو تدمير البيانات المدنية التي تفهم مثلاً على أنها وثائق سرية محفوظة في سجل المحفوظات الورقية. ولكن ماذا يقول القانون إذا كانت تلك البيانات مخزنة رقمياً؟

في هذا الصدد، قال رودنهويزر: “إن قواعد القانون الإنساني الدولي لا تتطرق إلى حماية البيانات على نحو صريح”، مضيفاً أن لدى الخبراء القانونيين والدول آراء متباينة بشأن كيفية تطبيق القانون الإنساني الدولي في هذه الحالة.

وبالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنه من المهم أن تفسر الدول القانون القائم على نحو يكفل للمدنيين والبنى التحتية المدنية بالتمتع بنفس مستوى الحماية الذي تمتعوا به في الماضي. وهذه الأسلحة الإلكترونية تخضع لنفس الضوابط التي تخضع لها الوسائل الحربية التقليدية.

وأوضح رودنهويزر قائلاً: “إذا خلصت الدول إلى القول: إن البيانات مستهدفة حقيقةً، إذ يمكن إتلافها أو حذفها أثناء النزاعات المسلحة دون عواقب قانونية، فستصبح القضية حينئذ مصدر قلق إنساني حقيقي، وسيتعين علينا التفكير في وضع قواعد جديدة”.

لكن يتعين على الدول أن تتفاوض بشأن وضع قواعد جديدة للقانون الدولي. فبمجرد إنشاء معاهدة ما، يتوجب بعدها التوقيع والتصديق عليها، وتلك عملية طويلة ومعقدة، خاصة أن القواعد الحالية للقانون الإنساني الدولي ملزمة عملياً لجميع الدول.

المزيد

إلى أي مدى تبدو سويسرا مُحايدة فعلاً؟

في السنوات الأخيرة، ابتعدت سويسرا هي الأخرى عن المفهوم التقليدي للحياد وتوجّهت بشكل أكبر نحو المجتمع الدولي.

وقال رودنهويزر : “إنه من المهم أن تُحترم هذه القواعد المتفق عليها فيما يتعلق بعمليات الفضاء الإلكتروني أيضاً لأن الغالبية العظمى من التهديدات التي يواجهها المدنيون مشمولة فعلياً بالقواعد القائمة حالياً”.

موقف المجتمع الدولي

كانت معرفة ما إذا كان القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، ينطبق على الفضاء الإلكتروني وكيفية سريانه موضوعاً للعديد من المناقشات المتعددة الأطراف في الأمم المتحدة على مدى العقدين الماضيين.

وفي عام 2013 أُحرز تقدم في هذا المجال حينما أصدر فريق الخبراء الحكوميين تقريراً اعتُمد بتوافق الآراء يؤكد أن استخدام الدول لتكنولوجيا المعلومات يخضع للقانون الدولي. وظلت مسألة كيفية تطبيق القانون مفتوحة.

وفي عام 2019، أُنشأ فريق عمل جديد في الأمم المتحدة مفتوح العضوية لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة. وكان هدف الفريق متابعة النتائج التي توصل إليها فريق الخبراء الحكوميين.

وذكر يورغ لاوبر، سفير سويسرا لدى الأمم المتحدة في جنيف والرئيس السابق للفريق العامل، قائلاً: “لقد تمثل التحدي في إعادة الجميع إلى طاولة الحوار وإعادة ترسيخ توافق الآراء”.

وأوضح لاوبر أن مهمته تعقّدت بسبب “ازدياد حدة التوترات السياسية بين القوى الكبرى” وبسبب “محاولات إعادة صياغة القواعد من طرف مجموعة صغيرة من البلدان”.

وفي نهاية المطاف، خلص أيضاً الفريق العامل إلى أن القانون الدولي ينطبق على الحرب الإلكترونية. لكنه هو الآخر لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق حول كيفية تنفيذ ذلك.

وقال لاوبر: ” لقد أُحرز تقدم من حيث الجوهر، بيد أنه لم يشكل قفزة هائلة. ومع ذلك، فإن الدعم أصبح الآن أوسع بكثير لأن فرصة المشاركة في المناقشة أُتيحت للجميع”.

وأنشأ فريق عامل جديد في الأمم المتحدة للفترة الممتدة من 2021 إلى 2025.

وختم لاوبر قائلاً: “آمل أن يتمكنوا من المضي إلى أبعد من ذلك […] فمن الواضح أنه توجد فجوة بين جميع الدول الأعضاء التي تتفق على إمكانية تطبيق القانون الدولي الحالي، وما نراه يحصل في مجال تكنولوجيا الفضاء الإلكتروني يُستخدم بطريقة غير قانونية”.

هل هي جرائم حرب؟

إن محاكمة المتهمين بجرائم الحرب على الفظائع المرتكبة في ساحة المعركة الحقيقية هي عملية طويلة وشاقة وتستغرق سنوات. ويضفي الفضاء الإلكتروني المزيد من التعقيد في هذا المجال.

فمن الصعب للغاية الكشف عن الجهة التي تقف وراء هجوم إلكتروني ما، إذ يمكن إطلاق الهجمات بسهولة بواسطة الخوادم الوكيلة أو ما يعرف بالبروكسي.

إذ قال هالوبو: “إن معرفة كيف خُطط للهجوم وكيف نُفذ ومن أمر به والكشف الفعلي عن هوية الأفراد الذين كانوا وراءه هي عملية تستغرق أحياناً سنوات من التحقيق”. وأضاف أن عادة ما تكون هناك حاجة إلى معلومات من العالم الحقيقي بغية إثبات الآثار الافتراضية، فمثلاً إذا كانت الحكومة متورطة، يجب معرفة أسماء الأشخاص الذين كانوا يعملون في مكان وزمان معينين إلى جانب الحاجة إلى الصور وما إلى ذلك.

وأوضح هالوبو قائلاً: “عليك أن تدمج الكثير من المعلومات التي لا تتوفر على الفور. وذلك ممكن تحقيقه في أحسن الأحوال، أي في حال كنت تعلم بشكل أو بآخر أنك تتعامل مع مهاجم واحد فقط”.

وأثناء الحرب في أوكرانيا، قامت الدول القومية، وأيضاً الجماعات الإجرامية والأفراد، بشن هجمات إلكترونية. وقال هالوبو متنبئاً: “يجب بعد ذلك تحديد مسؤولية هؤلاء الأشخاص الذين شاركوا في الهجمات وعندها ستكون المسألة معقدة للغاية”.

ويعتقد هالوبو أنه من الممكن أن تبدي المحكمة الجنائية الدولية اهتماماً ببعض الهجمات الإلكترونية التي ألحقت الضرر بالمدنيين، مثل هجوم (KA-SAT) أو اختراق مراقبة الحدود بين أوكرانيا ورومانيا، فالمحكمة شرعت بالفعل في التحقيق في جرائم الحرب المزعوم ارتكابها على أرض الواقع في أوكرانيا. ولا تحقق المحكمة الجنائية الدولية في حرب الفضاء الإلكتروني حتى الآن.

وقد ذكر أنه على الرغم من الفظائع المرتكبة، فإن الحرب في أوكرانيا قد تكون بمثابة درس عن الحاجة إلى تعزيز عمليات المساءلة في الفضاء الإلكتروني.

وختم هالوبو قائلاً: “إن هذا النزاع الأول الذي تُستخدم فيه الهجمات الإلكترونية بهذا الحجم. […] لذا فيما يتعلق بالقانون الإنساني الدولي، أرى أنه يجب إجراء نقاش بغية الاعتراف بمدى استخدام الفضاء الإلكتروني في إيذاء الناس وبغية منع السلوك غير اللائق”.

تحرير: إيموجين فولكس

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً