الناصرة-“رأي اليوم” :
تناول المُستشرِق الإسرائيليّ جاكي حوغي قضية قصف مطار دمشق الدولي الأخير، وقال “يوم الجمعة الماضي، في منتصف الليل، بحسب تقارير أجنبية هاجم سلاح الجو الإسرائيلي مطار دمشق الدولي، وخلال دقائق أعلن السوريون رسميًا عن الهجوم، لكن في ساعات الصباح كان لا يزال هجومًا روتينيًا، مثل مئات الهجمات الإسرائيلية التي حصلت في سوريّة في العقد الأخير بمعدل هجوم كل أسبوع أوْ أسبوعين”، كما قال.
وأضاف حوغي، الذي يعمل محللاً للشؤون العربيّة في إذاعة جيش الاحتلال، (غالي تساهال)، أضاف قائلاً: “لكن سريعًا اتضح أنّه كان مختلفًا عن سابقه، فقد هاجمت إسرائيل مدرجات الإقلاع والهبوط في المطار المركزي لسوريّة بهدف إخراجه كليًا عن الخدمة”، على حدّ تعبيره.
المستشرق الإسرائيليّ أردف في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة أنّ “هذه الحادثة جرى تغطيتها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن ليس وفق أهميتها”، مُشدّدًا على أنّه “إذا قام جيش الاحتلال بتعطيل المطار المركزيّ لدولةٍ سياديّةٍ، فإنّ هذا يستلزم نقاشًا عامًا، وحديث كهذا لم يحصل حتى بعد ثلاثة أيام عندما أعطى رئيس الأركان بنفسه ذخيرة إعلامية للنقاش”، طبقًا لأقواله.
عُلاوة على ما ذُكِر آنفًا، أشار المُستشرِق حوغي الخطاب الذي ألقاه رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ، أفيف كوخافي، في لجنة جهوزية الجبهة الداخلية، حيث خصّص عدة دقائق لسياسات الجيش الإسرائيليّ بخصوص مهاجمة أهداف مدنية في الحرب المقبلة، قائلًا: “هو في الحقيقة أطلق رسائله لحزب الله، لكن ربما يسري خطابه أيضًا على ساحات أخرى”.
وأوضح أنه في خطاب حازم جدًا، (بحسب تعبيره) خُصّص لكي يُستخدم كوسيلة تحذير، صرّح كوخافي أنّه في الحرب المقبلة، كل هدف مدني يساعد العدو سيُهاجَم. وأكّد أنّ الجيش الإسرائيلي يجمع معلومات عن هذه الأهداف، وسيوصي سكان مناطق المواجهة في لبنان بمغادرة منازلهم، ليس بعد أنْ تُطلق الطلقة الأولى، إنّما منذ اقتراب بدء المواجهة، بحسب قوله، معتبرًا أن قوة الهجوم ستكون لا نظير لها.
الخبير الإسرائيليّ شدّدّ على أنّ “هذه ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل بنى تحتية مدنية، فخلال معركة (الجرف الصامد) عام 2014 تمّت مهاجمة محطة الطاقة في قطاع غزة، وفي حرب لبنان الثانية قصف سلاح الجو مخازن الوقود التابعة لشركة الكهرباء اللبنانية”، مضيفًا في الوقت نفسه: “لكن هذه الأيام ليست أيام حرب، وتعطيل الملاحة الجوية لدولة جارة هو من دون أدنى شك عمل بعيد المدى، وإسرائيل ارتقت درجة، وربما أيضًا غيّرت سياستها، ومن الآن هي تسمح لنفسها بمهاجمة منشآت بنى تحتية مدنية في أيام الروتين أيضًا، ومطار دمشق الدولي هوجم، لأنّه يُستخدم منذ سنوات نقطة عبور ذخيرة وعتاد عسكري من طهران إلى حزب الله”.
وأردف “هذا الأسبوع أعربتُ عن امتعاضٍ علني أمام أصدقائي الصحافيين لأنهم لم يتعاملوا مع هذه المسألة كما يجب، ليس من أجل السوريين، فمن المهم الإنشغال بذلك من أجلنا، وسأل: “إذا كنا نعطّل المطار المركزي لدولة أخرى في أيام الروتين، ماذا تبقى لنا القيام به في حالة الطوارئ، وكيف سنحطّم معنوياتهم وكيف سنُظهر رباطة جأش؟”.
كما سأل حوغي “هل استخدم الجيش الإسرائيليّ في هذا الهجوم قوة معيارية أوْ ما هو متعارف عليه أسلوب غير تناسبي؟ هل بذلك لم نعرّض مطارنا الدولي مطار بن غوريون لهجوم مشابه؟”.
المستشرق ادعى أنّ طائرات الأعداء ستجد في الحقيقة صعوبة في اختراق أنظمة الدفاع الجويّ للجيش الإسرائيليّ”، مُشيرًا في ذات الوقت إلى أنّهم، أيْ الأعداء، ليسوا بحاجة لذلك، فصلية صواريخ واحدة على مطار بن غوريون قد تهدد الملاحة المدنية من إسرائيل وإليها، مُعتبِرًا أنّ “السؤال الأهم: هل الجيش الإسرائيلي ارتقى درجة من اعتبار عقلائي، أوْ بسبب ضائقة ويأس لأن مساعيه لم تأتِ بثمار الآمال؟”.
وشدد على أن هناك عمليات من الأفضل السكوت عنها فهي لا تستلزم نقاشًا علنيًا، وأكثر من ذلك فإنه يجب إعطاء الجيش الإسرائيليّ الحق بالاستفادة من حرية القرار، لأنّ لديه الصورة الأكبر وفيها أساس التفاصيل. واعتبر أن تعطيل مطار دولي لدولة أخرى لا يُعتبر عملًا عسكريًا فقط، فهذه عملية هدفها تعطيل الحياة المدنية في الدولة المهاجَمة.
وختم المُستشرِق الإسرائيليّ تحليله السؤال: “كيف يمكن لإسرائيل الإدعاء ضد “حماس” على سبيل المثال، أنهم أخذوا سكان غلاف غزة كرهائن وشوّشوا حياتهم، بعد أنْ قامت هي بتشويش حياة عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، وشركات الملاحة، وشركات السفر ومسافرين أجانب؟”.
في السياق عينه، ذكرت المُستشرِقة، سمدار بيري في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أنّها “المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل أكبر مطار مدني في سوريّة، ما يرجح أنّ الأهداف التالية للاستهداف الإسرائيلي ستكون ميناءي طرطوس واللاذقية”.
وأضافت: لم يعد سرًا أننا أمام انتقال نوعي في الضربات الإسرائيلية الموجهة نحو التواجد الإيراني في سوريّة، وصولاً إلى تعطيل أكبر مطار جوي في البلاد، وعدم الردّ السوريّ، شدّدّت، دفعت بالأوساط العسكرية الإسرائيلية للتهديد بتعطيل مزيد من البنى التحتية السورية، وقد تكون الضربات القادمة موجهة نحو الموانئ البحرية، كما قالت.
وفي الوقت ذاته، زعمت المستشرقة بيري أنّ ما تشهده الأراضي السورية من صراع علني بين إيران والاحتلال يحمل دلالات واضحة على غياب الفعل السوري المباشر، وتحول دمشق إلى ساحة اشتباك حقيقية بين طهران وتل أبيب، رغبة من الطرفين بمسارعة الزمن قبيل أي إخلاء متوقع للقوات الروسية من سوريّة، والتحفز لفرض وقائع جديدة لكل منهما داخل سوريّة، الأمر الذي يرشح أنْ تشهد مزيدًا من الهجمات الإسرائيلية فيها، في ظلّ انشغال روسي أمريكي بحرب أوكرانيا، وتراجع أولوية الملف السوري لديهما، على حدّ تعبيرها.