وسط الاضطرابات المحلية المتصاعدة والمواجهات الدبلوماسية المستمرة مع الدول الإقليمية، كرست إيران موارد متزايدة لترقية برنامجها الوطني للطائرات المسيرة.

وفي 17 مايو/أيار، افتتحت إيران رسميا أول مصنع للطائرات المسيرة في الخارج في دوشانبي بطاجيكستان؛ وذلك لتصنيع طائرات من طراز “أبابيل-2″، وهي طائرات مسيرة متعددة الأغراض مع قدرات على الاستطلاع والقتال وأداء مهمات انتحارية. وتتميز “أبابيل-2” بمدى يبلغ 200 كيلومترًا ويمكن أن تستمر في رحلتها لوقت يصل إلى حوالي 90 دقيقة.

وسيساعد مصنع الطائرات المسيرة الجديد إيران على تحسين العلاقات مع طاجيكستان بعد فترة من التوتر الدبلوماسي.

ووصف رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال “محمد باقري” افتتاح المصنع بأنه نقطة تحول في التعاون العسكري بين البلدين.

وبالفعل، يمثل هذا التطور تحسنا في التعاون الإيراني الطاجيكي بعد البرود الدبلوماسي الذي وصل إليه البلدان قبل عامين، عندما اتهمت حكومة الزعيم الطاجيكي “إيمومالي رحمون” إيران “بتمويل نشاط المعارضة المسلحة في طاجيكستان”.

 

 

مبررات التقارب السريع

يمكن أن يعزى التقارب السريع والمدهش بين البلدين إلى العوامل الجيوسياسية الإقليمية؛ خاصة الانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية المعترف بها دوليا في أغسطس/آب 2021؛ مما أدى إلى فراغ في السلطة على حدود البلدين ومهد الطريق لمصالحة بين الجانبين.

وبالنسبة إلى طاجيكستان، سيسمح مصنع الطائرات المسيرة الإيراني بوصولها إلى التكنولوجيا العسكرية الإيرانية المتقدمة والمعرفة الفنية اللازمة لأغراض عسكرية أخرى.

ومع ذلك لن تكون إيران بديلا لروسيا التي لديها آلاف من القوات المنتشرة داخل طاجيكستان؛ باعتبارها شريك الأمن الأساسي لدوشانبي.

وبالنسبة لإيران، سيساعد مصنع الطائرات المسيرة الجديد في تمكين طهران من إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع طاجيكستان، وهي التدريبات التي من المحتمل أن تستهدف احتواء المنظمات الأصولية مثل “القاعدة”، التي تتمتع حاليا بالأمان في أفغانستان بعد استحواذ “طالبان” على السلطة العام الماضي.

في الوقت نفسه، من المحتمل أن يتم استخدام أسطول الطائرات المسيرة المنتجة في طاجيكستان لأغراض الاستطلاع في أفغانستان، وهو أمر فعلته إيران قبل فترة طويلة.

وجاءت خطوات طهران الأخيرة في قطاع الدفاع في طاجيكستان في وقت انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا. وفي ظل العقوبات الدولية، قد تواجه موسكو قريبًا تحديات جديدة في آسيا الوسطى التي تعتبرها فناءها الجيوسياسي الخلفي.

 

 

تطوير الطائرات المسيرة

من المثير للاهتمام، أن إيران لم تحاول الحفاظ على سرية مصنعها الجديد للطائرات المسيرة في طاجيكستان، بالرغم أن طهران كانت حذرة بشكل خاص بشأن برنامجها الوطني للطائرات المسيرة.

وبالرغم من الاحتياطات الإيرانية، كشفت الاستخبارات الإسرائيلية في عام 2021 أن إيران أحرزت تطورا كبيرًا في البرنامج الوطني للطائرات المسيرة مما ساعدها في الهجمات ضد السفن في خليج عُمان والعمليات العسكرية ضد تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق في عام 2021.

ومع تطور برنامج الطائرات المسيرة الإيرانية، ظهرت في السنوات الأخيرة فئات جديدة مثل “شهيد” و”قاصف” و”مهاجر” و”صمد” و”أبابيل”، ومؤخرا “كامان” المصممة على غرار الطائرة المسيرة الأمريكية “إم كيو-1 بريداتور” و”إم كيو 9 ريبر” المتقدمة.

ولا تحتفظ إيران بهذه الطائرات داخل حدودها فقط؛ حيث أثبتت مجموعة متزايدة من الأدلة أن طهران نقلت بعض الطائرات المسيرة إلى وكلائها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق من خلال “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري.

وبعد عدة سنوات من التطوير المستمر، تسعى طهران لجعل المنطقة بأكملها ضمن نطاق ضرباتها من خلال استخدام برنامج الطائرات بدون طيار.

ومن المحتمل أن يعزز مصنع الطائرات المسيرة الجديد صورة إيران كمصنّع للطائرات المسيرة، ويعطي فرصا لتصدير الطائرات المسيرة.

ومن المعروف أن إيران قامت بتصدير تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى فنزويلا قبل عدة سنوات، ويبدو أنها باعت طائرات مسيرة إلى إثيوبيا خلال حربها ضد التيجراي في عام 2020.

ولكن، نظرا للعقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران وتكنولوجيا الطائرات المسيرة لديها، فمن غير الواضح عدد الدول التي ستكون على استعداد لاستيراد الطائرات المسيرة الإيرانية.

وعلى عكس منافستها الإقليمية تركيا، تستحوذ إيران على حصة صغيرة نسبيا من سوق الطائرات المسيرة العسكرية على مستوى العالم.

 

 

تجاوز لقبضة الموساد؟

ربما يُعزى قرار إيران بفتح مصنعها للطائرات المسيرة في الخارج إلى مخاوفها بشأن العمليات الإسرائيلية الأخيرة ضد المنشآت العسكرية والعلماء البارزين على الأراضي الإيرانية.

ووقع أول هجوم كبير في عام 2022 في 14 فبراير/شباط في مطار عسكري إيراني في كرمانشاه كان يضم أسطول طائرات مسيرة.

وفي حين أن السلطات الإيرانية لم تكشف عن مصدر الانفجار، فقد زعمت مصادر غير رسمية أنها كانت عملية تخريب ناجحة قامت بها الاستخبارات الإسرائيلية.

ويمكن استنتاج الطبيعة الحساسة لقاعدة كرمنشاه من رد فعل إيران -أو غيابه بالأحرى- على الحادث. وعلى عكس الانفجارات السابقة في يونيو/حزيران 2021 ويوليو/تموز 2020 التي استهدفت المرافق النووية في طهران وأصفهان، لم يصدر المسؤولون الإيرانيون أي بيانات بشأن انفجار 14 فبراير.

وهز الانفجار الغامض الثاني موقع بارشين العسكري الحساس للغاية، الذي تستخدمه إيران لتطوير تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة، تبعه بعد ذلك الاغتيال الغامض لمهندس الطيران الإيراني “أيوب انتظاري” الذي كان يعمل في مصنع محلي لإنتاج الطائرات المسيرة.

على هذا النحو، فإن قرار إيران افتتاح مصنعها للطائرات المسيرة في طاجيكستان لا ينبغي أن يكون مفاجأة؛ لأن دوشانبي قد تكون ملاذا آمنا لتصنيع الطائرات بدون طيار الإيرانية.

وتعد طاجيكستان خارج المسرح التقليدي لعمليات المخابرات الإسرائيلية، وقد تمنح أراضي البلاد مساحة آمنة لإيران لتطوير برنامجها للطائرات المسيرة بأمان نسبي.

المصدر | فؤاد شهبازوف/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد