بحر الصين الجنوبي : «البيئة الأخطر» للمواجهة وبؤرة الصراع القادم

شفقنا :

شكَّل بحر جنوب الصين أزمة كبرى على مدار السنوات القليلة الماضية، وأصبحت الأوضاع في هذه المنطقة تنذر باحتمال تحولها إلى منطقة نزاع، في ظل عدم التدخل لوقف هذا الخطر المحدق، فهذا المسطح المائي الضخم يمثِّل شريانًا بحريًّا حيويًّا للتجارة العالمية نظرًا لكونه بوابة عبور لما يربو على نصف السفن التجارية في العالم، وتُقدَّر قيمة البضائع التي تُقلُّها تلك السفن بأكثر من 5 تريليونات دولار سنويًّا، وهي قيمة تُعادل ما يزيد على إجمالي الناتج المحلي للهند واتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مجتمعة(1). وتشهد هذه المنطقة عددًا من النزاعات الإقليمية المتقاطعة في ظل السيادة المُتنازع عليها بين العديد من الدول، فبالإضافة إلى المزاعم التوسعية للصين، ثمة دول أخرى لها نفس المزاعم الإقليمية والقضائية في السيادة على هذه المنطقة مثل الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان. ولا تقتصر النزاعات القائمة في بحر جنوب الصين على حق استغلال الموارد فحسب، بل إن هناك قلقًا حقيقيًّا من جانب الولايات المتحدة الأميركية والدول المتنازعة من محاولات الصين تقييد حرية الملاحة في المنطقة دون مراعاة القيود التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

 

وعلى رغم انشغال العالم منذ نحو شهرين بالعواقب المدمرة للحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها لا تزال تعتبر الصين المنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة التي تكرس حالياً الكثير من الوقت والجهد لمنع الكرملين من تحقيق أهدافه.

 

يعتقد المسؤولون الأميركيون أن «الفشل الاستراتيجي» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوروبياً سيؤدي إلى «لجم هيمنة» حليفه الصيني شي جينبينغ آسيوياً… انطلاقاً أولاً من بحر الصين الجنوبي.

 

إذا كان البحر الأبيض المتوسط مساحة استراتيجية لوقوعه بين ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا ولكونه ممراً ملاحياً أساسياً للموارد النفطية والتجارية، فإن بحر الصين الجنوبي يعد أهم منطقة مائية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. يمر من خلاله نحو ثلث التجارة العالمية. وهو أيضاً البحر الأخطر الذي يمكن أن يشهد مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين. تظهر الدلالة الأبرز على هذا الاحتمال في إصرار الولايات المتحدة، ومعها دول أخرى في المنطقة مثل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وفيتنام وغيرها، على اعتبار هذا البحر ممراً ملاحياً دولياً ومفتوحاً، في حين تؤكد الصين باستمرار أنه جزء من أراضيها وبحارها الداخلية، على غرار تعاملها مع تايوان التي تصر على الاستقلال.

 

ويُعد بحر الصين الجنوبي أهم منطقة مائية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، حيث يُشكل أكبر معبر للتجارة، وقد يشهد مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين.

 

وتطالب دول أخرى في المنطقة مثل ماليزيا والفلبين وفيتنام وتايوان وبروناي بأجزاء من بحر الصين الجنوبي، خصوصاً جزر سبارتلي، في حين تؤكد الصين باستمرار أن البحر جزء من أراضيها وبحارها الداخلية. وتحتل كل من الفلبين وفيتنام وتايوان بعض أجزاء جزر سبارتلي، بينما تطالب بروناي بالرصيف المرجاني لويزا ضمن الجزر، لكنها لا تحتل أي موقع.

 

الموقع الجغرافي

– هو بحر متجزئ من المحيط الهادي

 

– يمتد من سنغافورة ومضيق ملقة إلى مضيق تايوان

 

– تبلغ مساحته ثلاثة ملايين ونصف كيلومتر مربع

 

– البحر المتنازع عليه يقع في المناطق التالية:

 

جنوب البر الصيني الرئيسي، متضمنا جزيرة تايوان شرقاً

غرب الفلبين

شرق شبه الجزيرة الماليزية و سوماترا، وصولا إلى مضيق ملقة غرباً

الجهة الشمالية لجزر بانجكا – بليتونج وبورنيو

– تصنع جزر بحر الصين الجنوبي الصغيرة جداً أرخبيلا، ويتضمن المئات من هذه الجزر

 

– تأتي أهمية هذه المنطقة نتيجة لعبور ثلث الشحنات البحرية العالمية بمياهه

 

– يُعتقد انه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت رمال قاعه

 

– نهر اللؤلؤ، والنهر الأحمر، وميكونغ، ونهر تشاو فرايا هم أطول الأنهار التي تصبّ في بحر جنوب الصين

 

قد يهمك: شركة غوغل تغضب الصينيين بعد تغيير اسم شعاب بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه​

 

اختلاف التسمية

إن اسم “بحر الصين الجنوبي” متداول بالإنجليزية بشكل واسع، ويدل على المعنى ذاته باللغات الأوروبية، لكن بالنسبة للدول المطلة على هذا بالبحر فإن التسمية تختلف وذلك بدلالة على النزاع القديم لفرض السيطرة على هذا البحر.

 

انتشرت هذه التسمية بالإنجليزية وذلك بسبب الاهتمامات الأوروبية بالبحر الذي اعتبرته نقطة تجارية بين القارة العجوز وجنوب آسيا وبين الصين، في القرن السادس عشر أطلق ليه الباحرة البرتغاليون اسم “بحر الصين” لكن التسمية اختلفت للتفريق بينه وبين واجهات مائية أخرى.

 

أيضاً: بكين تشكو مجدداً “استعراض أمريكا عضلاتها” باختراق أجواء متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي

 

تعود بعض التسميات لبعض الصين إلى حضارة زهاو قبل الميلاد، ليتلقى تسميته الأولى “نانفانغ هاي”، وتغير الاسم عبر الأدب الصيني ليتم تداوله أخيراً بحضارة “كينغ” باسك “نان هاي” أي البحر الجنوبي.

 

معظم الدول امتلكت الدلالة ذاتها إلى هذه المياه، لكن الفلبين أسمت الجزء التابع لمياهها ببحر “لوزون”، لكن بعد نزاع حاد حول الجزر الواقعة في مياه البحر عام 2011 بدأت وكالات الانباء التابعة للحكومة الفلبينية باستخدام اسم “بحر الفلبين الغربي”.

 

النزاع الإقليمي

– تسميات الجزر والبحر تدل بشكل كبير على الخلاف القائم بين الدول، وهنا ملخص لمن يطالب بماذا:

 

تدّعي الصين وتايوان بأن الواجهة البحرية هذه بأكملها تتبع لها.

الصين تتنازع مع تايوان وإندونيسيا حول المياه شمال شرق جزر ناتونا.

الفلبين والصين وتايوان تتنازع حول الشعاب “سكاربورو شول..

فيتنام والصين وتايوان تختلف حول المياه الواقعة غربي جزر سبارتلي، كما تتنازع الصين مع فيتنام وتايوان وبروناي وماليزيا والفلبين حول ملكية بعض هذه الجزر أو جميعها.

ملكية جزر باراسيل محل خلاف بين الصين وتايوان وبين فيتنام.

ماليزيا وكمبوديا وتايلند وفيتنام اختلفوا حول مناطق في خليج تايلند.

سنغافورة وماليزيا تختلفان على طول مضيق جوهور ومضيق سنغافورة

 

اندلعت مواجهات عدة في السنوات الأخيرة حول هذه الادعاءات المتباينة والمتقاطعة، كان اخطرها بين الصين وفيتنام. كما اندلعت مواجهات بين الفلبين والصين لم تتدهور اي منها الى اطلاق نار او عنف خطير. وبعض من هذه المواجهات:

 

في عام 1974، استولت الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام في صدامات أسفرت عن مقتل اكثر من 70 من العسكريين الفيتناميين.

في عام 1988، اصطدم الصينيون والفيتناميون مجددا حول سلسلة سبراتلي، وخسر الفيتناميون في هذه المواجهات نحو 60 عسكريا.

اوائل 2012، خاض الجانبان الصيني والفلبيني مواجهة بحرية مطولة اتهما فيها احدهما الآخر بانتهاك السيادة في شعاب سكاربره.

اندلاع احتجاجات واسعة في فيتنام ضد الصين إثر ورود ادعاءات لم تتأكد بأن الصين خربت عمدا منصتي استكشاف فيتناميتين اواخر عام 2012.

في كانون الثاني / يناير 2013، قالت الفلبين إنها قررت رفع دعوى ضد الصين امام محكمة التحكيم الدائمة بموجب ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار تطعن فيها بالادعاءات الصينية.

في أيار / مايو 2014، قامت الصين بقطر منصة استخراج نفط الى منطقة في البحر قريبة من جزر باراسيل مما ادى الى عدة حوادث تصادم بين السفن الفيتنامية والصينية.

تفضل الصين سلوك درب المفاوضات الثنائية المباشرة مع الاطراف الاخرى، ولكن العديد من جيرانها يقولون إن حجم الصين وثقلها الاقتصادي والعسكري يمنحها تفوقا غير عادل في هكذا مفاوضات.

 

وتحاجج بعض الدول بأن على الصين التفاوض مع منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المنظمة الاقليمية التي تضم كلا من تايلاند واندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وبروناي ولاوس وفيتنام وميانمار (بورما) وكمبوديا.

 

ولكن الصين تعارض هذا المنحى، فيما تنقسم منظمة آسيان فيما بينها حول سبيل حل الخلافات.

 

عوضا عن ذلك، سعت الفلبين نحو التحكيم الدولي. ففي عام 2013، اعلنت مانيلا انها ستحيل الصين الى محكمة التحكيم الدائمة لاستصدار حكم حول الخلاف بموجب ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار.

 

وهذه المحكمة هي منظمة دولية تتخذ من العاصمة الهولندية لاهاي مقرا لها. وهي ليست “محكمة” بالمعنى الحرفي، بل جهة تقوم بتنظيم لجان تحكيم تبت بالخلافات بين دولها الاعضاء التي يبلغ عددها 119. ومحكمة التحكيم الدائمة هيئة منفصلة كليا عن محكمة العدل الدولية.و تأسست محكمة التحكيم الدولية عام 1899 بأمر من مؤتمر لاهاي الاول للسلام.

 

ولكن الصين اصرت على مقاطعة جلسات المحكمة، قائلة إنها (اي المحكمة) ليست مخولة بالبت في الخلاف. ودأبت الصين على القول إنها لن تتقيد بما تصدره المحكمة من قرارات.

 

في غضون ذلك، حذر الامريكيون الصين الا “تتغول على” الدول التي تختلف معها حول الجزر.

 

تاريخ النزاع في بحر الصين الجنوبي

خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمت إمبراطورية اليابان الجزر في منطقة بحر الصين الجنوبي لأغراض عسكرية متنوعة وأكدت أن الجزر لم تكن ضمن مطالب أي جهة عندما سيطرت عليها البحرية الإمبراطورية اليابانية. تشير التقارير التاريخية إلى أن فرنسا على الأقل كانت قد سيطرت على بعض تضاريس المنطقة خلال الثلاثينيات. بعد الحرب، اضطرت الإمبراطورية اليابانية إلى التخلي عن سيطرتها على الجزر في بحر الصين الجنوبي وفقًا لمعاهدة سان فرانسيسكو لعام 1951 والتي، بالرغم من ذلك، لم تحدد الوضع الجديد للجزر. قدمت جمهورية الصين الشعبية مطالبات مختلفة بخصوص الجزر خلال مفاوضات معاهدة 1951 وأزمة مضيق تايوان الأولى للعام 1958.

 

تُحدّد المطالبات الصينية في بحر الصين الجنوبي بصورة جزئية بخط التسع شُرَط. كان هذا في الأصل «خط الأحد عشر شَرطة»، كان أول مَن أشار إليه هو حكومة الكومينتانغ لجمهورية الصين في عام 1947 لمطالباتها ببحر الصين الجنوبي. في العام 1949 عندما استولى الحزب الشيوعي الصيني على البر الرئيسي للصين وأسس جمهورية الصين الشعبية، اعتُمد الخط ومراجعته إلى تسع شُرَط، وفقًا لما أيده تشو إن لاي. حدد إعلان الصين لعام 1958 مطالبات الصين بجزر بحر الصين الجنوبي بناءً على خريطة خط التسع شُرَط. يرى بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين في جمهورية الصين الشعبية أن إرث خط التسع شُرَط يقدم دعمًا تاريخيًا لمطالباتهم ببحر الصين الجنوبي.

 

منحت اتفاقيات جنيف لعام 1954، والتي أنهت حرب الهند الصينية الأولى، جنوب فيتنام السيطرة على الأراضي الفيتنامية جنوب خط العرض السابع عشر، والتي تضمنت الجزر في باراسيل وسبارتلي. بعد ذلك بعامين ادعت الحكومة الفيتنامية الشمالية أن جمهورية الصين الشعبية هي صاحبة الحق الشرعي في الجزر، بينما سيطرت فيتنام الجنوبية على جزر باراسيل.

 

في العام 1974، عندما لاح في الأفق انتصار فيتنام الشمالية في حرب فيتنام، استخدمت جمهورية الصين الشعبية القوة العسكرية في جزر باراسيل وانتزعت السيطرة على جزيرة ياجونج والمجموعة الهلالية من الشعاب المرجانية من فيتنام الجنوبية. أرادت حكومة جمهورية الصين الشعبية منع سقوط جزر باراسيل تحت سيطرة فيتنام الشمالية والتي كانت في ذلك الوقت حليفة للاتحاد السوفييتي. خاضت جمهورية الصين الشعبية حرب حدودية قصيرة مع الاتحاد السوفييتي في العام 1969، ولم ترغب في أن يكون بوجود سوفييتي بالقرب من ساحلها، ولهذا لجأت الصين إلى «هجوم مضاد للدفاع عن النفس». خلال فترة الوفاق جمهورية الصين الشعبية، قدمت الولايات المتحدة وعدًا لجمهورية الصين الشعبية بالتزام سياسة الحياد، وهو الأمر الذي مكّن بحرية جيش التحرير الشعبي من السيطرة على جزر فيتنام الجنوبية.

 

في النصف الثاني من السبعينيات، بدأت كلٌّ من الفلبين وماليزيا بالإشارة إلى جزر سبراتلي على أنها مدرجة في أراضيها. في 11 يونيو 1978، أصدر رئيس الفلبين فرديناند ماركوس المرسوم الرئاسي رقم 1596 الذي أعلن الجزء الشمالي الغربي من جزر سبراتلي (المشار إليها في ذلك باسم مجموعة جزيرة كالايان) باعتبارها أراضٍ فلبينية.

 

في العام 1988 خاضت جمهورية الصين الشعبية حربًا ضد فيتنام بالقرب من جونسون ريف. وقد حصلت جمهورية الصين الشعبية على تصريح من الهيئة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو ببناء خمسة مراكز مراقبة لإجراء مسوحات المحيطات، وسُمح ببناء أحد مراكز المراقبة المصرّح بها في منطقة جزر سبراتلي. اختارت جمهورية الصين الشعبية بناء مركز المراقبة الخاص بها في شعب فايري كروس المرجانية، التي كانت معزولة عن الجزر الأخرى في المنطقة ولم تكن محتلة من قبل أي دولة في ذلك الوقت. عندما بدأت جمهورية الصين الشعبية في بناء مركز المراقبة في منطقة التراب الخالية شعب فايري كروس المرجانية، أرسلت فيتنام قواتها البحرية إلى المنطقة لمراقبة الوضع. اشتبكت الدولتان بالقرب من جونسون ريف، ونتج عن هذا الاشتباك احتلال الصين لجونسون ريف.

 

في العام 1994 احتلت جمهورية الصين الشعبية شِعب ميستشيف المرجانية، الواقعة على بعد حوالي 250 ميلًا من الساحل الفلبيني. جرت وقائع الاحتلال في خضمّ المنافسة على موارد الطاقة في سبراتليز، حيث لم يكن للصين وجود، في حين شرعت الدول الأخرى بأعمال التنقيب عن النفط. مثلت حادثة شعب ميستشيف المرجانية المرة الأولى التي تخوض فيها جمهورية الصين الشعبية مواجهة عسكرية مع الفلبين المتحالفة مع الولايات المتحدة.

 

لم يتغير واقع الاحتلال أو السيطرة على معظم أجزاء جزر سبارتلي وباراسيل بشكل ملحوظ منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وتتحكم جمهورية الصين الشعبية في جميع التضاريس الموجودة في جزر سبارتلي وباراسي، في حين تسيطر فيتنام على أكبر عدد من التضاريس (29)، بينما تسيطر الفلبين على ثماني تضاريس، وماليزيا خمسة، وجمهورية الصين الشعبية خمسة، وجمهورية الصين واحدة. تغير ميزان القوى في سبارتلي بشكل كبير منذ العام 2013، عندما بدأت جمهورية الصين الشعبية أنشطتها لبناء الجزيرة في المنطقة.

 

في العام 2012 سيطرت جمهورية الصين الشعبية على منطقة سكاربورو شول ردًا على تصرفات البحرية الفلبينية التي أوقفت قوارب الصيد الصينية في المنطقة.

 

يتزامن التوتر المتصاعد في بحر الصين الجنوبي هذا العام مع إحياء الولايات المتحدة والصين اليوبيل الذهبي لعلاقتهما الحديثة. يستعيد المسؤولون الحاليون التقارب التاريخي الذي حصل بين البلدين عام 1972 حين سافر الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر إلى بكين، حيث اجتمعا مع الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، وأحدثت هذا الزيارة «زلزالاً جيو – سياسياً». أدى «الأسبوع الذي غيّر العالم»، وفقاً لوصف الرئيس نيكسون نفسه، إلى تجاوز عقدين من العداء بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة، علماً بأن جذور العداء بينهما تعود إلى الحرب الأهلية الصينية، بسبب دعم الولايات المتحدة للقوميين المعادين للشيوعية. خسر القوميون الحرب في نهاية المطاف وفرّوا إلى فورموزا (تايوان) عام 1949. ويوضح رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس، أن تايوان «بقيت مثار جدل» بين واشنطن وبكين. بيد أن «الدبلوماسية الإبداعية كانت في أفضل حالاتها»، حين اعترفت الولايات المتحدة بمبدأ «الصين الواحدة» من دون التخلي عن حق تقرير المصير للتايوانيين، وبـ«ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع».

 

وعلى رغم التحسن المطرد للعلاقات خلال العقود الماضية، عاد التوتر ليتجلى بين البلدين، ليس فقط بسبب تايوان، بل أيضاً بعدما أصبحت الصين أكثر حزماً في الخارج، بالإضافة إلى ميلها المتزايد إلى «عسكرة» بحر الصين الجنوبي، الذي «يمكن أن يشكل بؤرة لحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين»، وفقاً لبعض المراقبين الذين يجادلون بأن الجهود لدمج الصين في نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة كان «مجرد خيال غير حكيم».

 

صيد في «المياه العكرة»

 

يُعتقد على نطاق واسع أن بحر الصين الجنوبي يشكل حيزاً مهماً للاصطياد في «المياه العكرة» بين الولايات المتحدة والصين. ينقل الباحث والمؤرخ الأميركي دانيال يارغين عن الدبلوماسي السنغافوري الذي قاد المفاوضات لإنشاء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تومي كوه أن «المواجهة حول بحر الصين الجنوبي لها مستويات عديدة من التعقيد. لا يتعلق الأمر فقط بجسم مائي واحد، أو حدود واحدة» لأن «بحر الصين الجنوبي يتعلق بالقانون، والسلطة، والموارد، والتاريخ». يذكر في كتابه «الخريطة الجديدة» مَن وصفهم بأنهم «أربعة أشباح» لرجال رحلوا منذ زمن طويل، لكن ظلهم بقي في هذا البحر؛ لأنهم من الشخصيات التاريخية التي صارت رمزاً لـ«الخلافات حول السيادة وحرية الملاحة، وتنافس القوات البحرية، وكذلك الحرب وتكاليفها». وهؤلاء ألهموا قائد البحرية الصينية المتقاعد الأميرال وو شينغلي الذي شغل هذا المنصب بين عامي 2006 و2017 بعدما تولى مهمات أخرى بالغة الأهمية وأشرف على تطوير البحرية الصينية لتمكينها من منافسة البحرية الأميركية.

 

المنابع: صحف ومواقع

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً