في صوفيا ببلغاريا : سوق العرائس «الأوروبي».. حيث يبدأ سعر الفتاة من 2000 دولار!

ساسة بوست :

08 يونيو, 2022

سوق العرائس «الأوروبي».. حيث يبدأ سعر الفتاة من 2000 دولار!
شارك

محمد صلاح عبد الجواد
كل عام، يقام سوق الزواج في صوفيا عاصمة بلغاريا، حيث تذهب العائلات مع بناتها إلى السوق لعرضها للزواج مقابل مجموعة من الأموال قد تصل إلى 20 ألف دولار. هذه العادة منتشرة في مجتمع «الروما» البلغاري، أو ما يعرفون بالـ«غجر الروما» وهو مجتمع منحدر من أصول هندية لكنه يتكون من أكثر من 5 ملايين شخص في الجانب الشرقي بأوروبا، نصفهم في بلغاريا.

سوق العرائس «الأوروبي».. العذراء بـ20 ألف دولار!
كل عام، في اليوم الأول من صوم المسيحيين الأرثوذكس الكبير (قبل 55 يومًا من عيد القيامة)، يمكنك الذهاب إلى مدينة ستارا زاغورا في العاصمة البلغارية صوفيا؛ وستشهد حينها ظاهرة غريبة قد تعتقد أنها انقرضت منذ زمن طويل، لأن في هذا اليوم يعقد سوق للزواج، يمكن أن يحصل فيه أحدهم على عروس «عذراء» بسعر قد يتجاوز 20 ألف دولار أمريكي.

Embed from Getty Images

عروس في انتظار زوجها المستقبلي بسوق العرائس في بلغاريا

هذا الحدث من الأوقات المميزة جدًّا بالنسبة لأهل القرية كل عام، ويحدث في مجتمع صغير من مجتمع الروما ويعرف بإسم «الكاليدجي (Kalaidzhi)» فإذا ذهبت إلى سوق العرائس، سوف ترى بكل وضوح السعادة وهي تغمر الجميع، ولما لا؛ فسوف يحصل كل أب لابنة في نهاية اليوم على زوج مستقبلي، وفي الوقت نفسه سوف يعود إلى منزله ومعه مبلغ كبير من المال.

وفي سوق العرائس، سوف تجد عشرات الفتيات المراهقات اللواتي يضعن المكياج الثقيل في المكان المعروف محليًّا، بمرافقة أمهاتهن اللواتي يرتدين ملابس احتفالية، ابتهاجًا بهذا اليوم، الذي تشعر فيه الأم بفخر لأن ابنتها قد وصلت إلى سن البلوغ، ويمكنها الزواج وتكوين أسرة جديدة.

ولأجل ذلك «العرض»، تفعل الأم ما يمكن فعله لتجعل ابنتها جميلة كما تقول الأعراف المجتمعية، الفساتين والزينة، والحلي الذهبية الثمينة، كل أم في مجتمع الكاليدجي تعمل على ترتيب كل ذلك لمدة سنوات، حتى تجعل ابنتها عروسًا باهظة السعر في سوق العرائس.

أما عن الشباب، فهم يأتون من المجتمع نفسه، إذ لا يسمح بزواج فتاة من خارج مجتمع الكاليدجي، من شاب من مجتمع آخر، حتى وإن كان غجريًّا أيضًا من مجتمعات الروما في أوروبا. ويتعمد العريس المستقبلي أيضًا الظهور بشكل أنيق، ويرتدي بعضهم الذهب، ويستأجر السيارات الفارهة، في محاولة لنيل إعجاب عائلة العروس الجديدة.

 

ولكن كل محاولات الأناقة بالنسبة للشباب ليس عامل الحسم في الحصول على عروس؛ الأهم، كم سيدفع الشاب، بعد نهاية التفاوض مع والد العروس.

تعد «عذرية» الفتيات حتى يوم المعرض ذات أهمية كبيرة بين عائلات مجتمع الكاليدجي، بسبب السعر المرتفع الذي يمكنهم التفاوض عليه، وعادةً ما تجري الموافقة على زواج النساء غير البكر بسعر أقل.

ومن المثير للاهتمام أن تعرف عزيزي القارئ، أن سوق العرائس هي المناسبة الوحيدة التي تسمح فيها العائلات للفتيات بمقابلة الرجال، فالمواعدة ليست خيارًا متاحًا من الأساس، ويُحظر على المراهقين الاجتماع دون وجود شخص بالغ، الذي غالبًا ما يكون الأب أو أخ كبير، وهو الذي يتولى عملية التفاوض مع العريس الجديد على سعر العروس، الذي يبدأ من 2000 دولار وقد يصل إلى أكثر من 20 ألفًا كما أسلفنا.

ولكن يبقى السؤال؟ «ما موقف الاتحاد الأوروبي أو الحكومة البلغارية من سوق العرائس هذا؟»، الإجابة ببساطة أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ موقفًا حاسمًا ضد مراسم بيع البنات في بلغاريا، ولكن يذكر موقع البرلمان الأوروبي، أن في عام 2016؛ حصلت بلغاريا على منحة تقدر بـ143 مليون دولار من أجل تمويل أنشطة دمج المجتمعات المهمشة والتي بينها مجتمع الكاليدجي، لكي يجري القضاء على الظواهر الغريبة والتي من بينها «سوق العرائس». وكما يذكر موقع البرلمان، فإن هذه المنحة كانت من المفترض أن تحقق أهدافها بحلول عام 2020، ولكن نحن الآن في 2022، ولا يزال سوق العرائس يقام في موعده!

من أين أتى مجتمع الروما؟
يعتقد المؤرخون أن أسلاف الغجر أو الروما وصلوا لأول مرة إلى أوروبا من شمال الهند، عبر ما يعرف الآن بدول إيران وأرمينيا وتركيا، وشقوا طريقهم تدريجيًّا عبر أوروبا بأكملها من القرن التاسع فصاعدًا. وهناك أعداد متنوعة من السكان الغجر موجودة في دول مختلفة في جميع أنحاء أوروبا. توجد أكبر التجمعات السكانية في دول وسط وشرق أوروبا مثل بلغاريا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، وسلوفاكيا ورومانيا وصربيا والمجر. في هذه البلدان، يشكل الغجر ما بين 3 إلى 10% من إجمالي السكان، وفي معظم الدول الأوروبية الأخرى؛ يشكل الغجر نحو 1% أو أقل بكثير من السكان.

قديمًا؛ في العديد من المناطق الأوروبية، جرى إجبار الغجر على العبودية، وهي ممارسة استمرت حتى القرن التاسع عشر في رومانيا وأماكن أخرى، كما حُكم على الغجر بالإعدام طوال حقبة القرون الوسطى في إنجلترا وسويسرا والدنمارك.

نما هذا لاحقًا إلى اضطهاد منظم؛ فقد أمرت العديد من الدول، بما في ذلك ألمانيا وبولندا وإيطاليا، بطرد جميع الغجر. في الثلاثينيات من القرن الماضي، كما اعتبر النازيون في ألمانيا أن الغجر «عرق أدنى»، فقتلوا مئات الآلاف منهم خلال الحرب العالمية الثانية.

بعد الحرب، استمر الغجر في التعرض للتمييز والقمع، خاصة في الاتحاد السوفيتي، وبين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، قامت جمهورية التشيك وسلوفاكيا بتعقيم نحو 90 ألف امرأة من طائفة «الروما» ضد إرادتهن.

في البداية قيل إنهم مصريون
عندما جاء الغجر إلى أوروبا لأول مرة، عُرفوا باسم «المصريين» بسبب «أقوالهم» أو القصص التي زعمت أنهم أتوا من مصر الصغيرة حيث كانوا في الأصل عبيدًا للمصريين القدماء، على الرغم من عدم وجود سجلات لإثبات هذه الروايات أو التحقق منها أو غير ذلك.

فعلى سبيل المثال استقبلت عائلة بياميس من أفغانستان عام 855م، ما يصل إلى 27 ألف سجين، قيل إنهم عمال مهرة في جميع أنواع الحرف بالإضافة إلى فناني الأداء والعرافين، فاستخدموهم عبيدًا لحمل الكنوز المسروقة وغنائم الحرب.

في بداية القرن الحادي عشر استخدم السلطان محمود الغزنوي محاربي الغجر من الرقيق في حربه مع جيوش السند والبنجاب في الهند، وبعد معركة كبرى في عام 1192م، أُطلق سراح كل هؤلاء العبيد وبدأ معظمهم هجرة طويلة نحو آسيا وشمال أفريقيا وإسبانيا وفي النهاية إلى القارة الأوروبية.

تاريخ
منذ 10 شهور
محمود الغزنوي.. قصة سلطان أخضع بلاد الهند ودفع أحد حكامها للانتحار!
عمل عبيد الغجر في الأديرة والمناجم إلى جانب أسرى الحرب التتار والعثمانيين والمجرمين والفلاحين الرومانيين، ومع وجود الكثير من السكان الذكور المشاركين في الحرب، كانت الدولة شاكرة لهذا التدفق الجديد لأعمال السخرة، والتي كانت تُستخدم في حصاد المعادن أو جمعها لحروبهم.

جرى بيع العبيد الغجر في ساحات المزاد حيث قام التجار ببيع العبيد في مجموعات تصل إلى 500 عبد وبمجرد شرائهم أصبحوا ملكية شخصية لأصحابها، وكان التزام المالك الوحيد هو كسوة وإطعام العبيد الذين جرى تشغيلهم أو استبدل بهم سلع أو سلع أخرى.

والوصم يلاحقهم أينما ذهبوا!
حتى هذه اللحظة لا يزال اسم مجتمع الروما أو الغجر مرتبطًا بصور نمطية سلبية؛ مثل الأعمال الإجرامية، والأنشطة المنافية للآداب، بجانب تهمة تاريخية لطالما لاحقت مجتمع الغجر الأوروبي؛ وهي سرقة الأطفال الأوروبيين الصغار.

في بلغاريا على سبيل المثال، يقول أعضاء من مجتمع الروما، إنهم لا يشعرون بالاهتمام إلى وقت الانتخابات، عندما يأتي لهم المرشحون محملين بالأموال والمواد الغذائية، فضلًا عن الوعود الكاذبة؛ فقط من أجل الحصول على أصواتهم في الانتخابات.

Embed from Getty Images

لطالما حاول الاتحاد الأوروبي إيجاد حل لإدماج مجتمع الروما؛ ولكن كان التنوع في مجموعات المجتمع دائمًا ما تكون أهم العقبات؛ فمجتمع الروما بداخله مقسم إلى مجتمعات صغيرة، وليست جميعها على ترابط واتصال؛ بل يوجد بين بعضها نزاعات.

وكانت المفوضية الأوروبية قد قسمت مجتمع الروما إلى أربع فئات رئيسية، أولها المجتمعات التي تعيش في مناطق شبه حضرية محرومة من بعض الخدمات، ويكون بعضها قريب من الأقليات العرقية الأخرى.

ثانيًا: المجتمعات التي تعيش في القرى الصغيرة في المناطق الريفية وفي مستوطنات ريفية منفصلة معزولة عن المدن والقرى ذات الأغلبية العرقية الأوروبية. ثالثًا: المجموعات المتنقلة التي تحمل جنسية الدولة أو جنسية دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، ورابعًا وأخيرًا: مجتمعات الروما المتنقلة والمستقرة من رعايا دول ثالثة أو لاجئين أو عديمي الجنسية أو طالبي لجوء. ولكن كل أبناء هذه المجتمعات، على اختلاف تقسيمة الاتحاد الأوروبي؛ فإنها تعاني من التمييز والعنصرية لكونهم ليسوا أوروبيين – وفق الرأي العام السائد- ومن مجتمع «الغجر».

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً