مع الرفض التركي لعضوية السويد وفنلندا في “الناتو”، يدور النقاش حاليا حول مسائل تتجاوز مجرد توسيع حلف شمال الأطلسي، ويتعلق الأمر بالأهداف السياسية المباشرة للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وتموضع بلاده في النظام العالمي الجديد للقرن الـ 21.

وتسعى أنقرة لوقف الدعم عن المليشيات الكردية التي تعتبرها تهديدا لتركيا وسوريا والعراق، كما تسعى لتضييق الخناق دوليا على أنصار “فتح الله جولن” الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016.

وقد يكون الهدف من الرفض التركي أيضا الضغط من أجل الوصول إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية، لا سيما ترقيات أسطول تركيا القديم من الطائرات المقاتلة “إف-16″، بالإضافة إلى الطرازات الأحدث الأكثر تقدمًا من “إف-16” وطائرات “إف-35”.

وأخيرا، فإن مواجهة المليشيات الكردية يفيد “أردوغان” محليا، في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من حالة ركود مع معدل تضخم يبلغ 70%. ويستفيد الرئيس التركي دائما من الناحية السياسية عندما يواجه “حزب العمال الكردستاني” والجماعات المرتبطة به مثل “وحدات حماية الشعب” في سوريا.

وستؤثر هذه القضايا على تموضع تركيا في عالم يتحرك نحو هيكل ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب. وسيكون الموقف النهائي للسويد وفنلندا انعكاسا لرؤية الولايات المتحدة بشأن تركيا في المرحلة الجديدة.

وأعلن “أردوغان”، هذا الأسبوع، أن تركيا ستشن قريبا عملية عسكرية جديدة ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وقال إن العملية ستوسع مناطق سيطرة القوات المسلحة التركية في سوريا إلى 30 كيلومترا من الأراضي على طول الحدود المشتركة بين البلدين.

وأضاف: “الهدف الرئيسي لهذه العمليات تحويل مناطق تشكل مراكز هجمات على بلادنا إلى مناطق آمنة”.

 

 

وتؤكد تركيا أن “وحدات حماية الشعب” السورية، المدعومة من الولايات المتحدة، هي امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيا داخل تركيا، ومن المثير أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشتركان مع تركيا في هذا التصنيف.

واتهم “أردوغان” السويد وفنلندا بمنح حزب العمال الكردستاني ملاذا، ويطالب البلدين بتسليم عناصر التنظيم. ولم تنشر تركيا رسميا أسماء 33 شخصا تريد من البلدين تسليمهم، لكن تم الإبلاغ عن بعضهم في وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة.

وكان مسؤولون سويديون وفنلنديون في أنقرة هذا الأسبوع؛ لمناقشة اعتراضات تركيا. وأصرت رئيسة الوزراء السويدية “ماجدالينا أندرسون”، أثناء توجه المسؤولين إلى العاصمة التركية، على أن بلادها “لا تقدم أموالا أو أسلحة إلى المنظمات الإرهابية”.

وفي اليوم الذي وصل فيه الوفد السويدي والفنلندي إلى أنقرة، ذكرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أن القوات التركية عثرت على أسلحة سويدية مضادة للدبابات في كهف بشمال العراق، يستخدمه حزب العمال الكردستاني. وكانت تركيا أطلقت مؤخرًا عملية “قفل المخلب” ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في المنطقة.

وستكون العملية العسكرية التي تعتزم أنقرة تنفيذها في شمال سوريا، بمثابة تعقيد إضافي للخلاف حول انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”. وفرضت الدولتان الاسكندنافية حظرا على توريد الأسلحة إلى تركيا بسبب عملية “نبع السلام” في عام 2019. وطالب الزعيم التركي برفع الحظر كجزء من أي اتفاق بشأن عضوية السويد وفنلندا في “الناتو”.

وستؤثر العملية العسكرية المحتملة على مسار تحسن العلاقات بين أنقرة وواشنطن منذ بداية حرب أوكرانيا؛ نتيجة الدعم الذي تقدمه تركيا لأوكرانيا والجهود المبذولة للتوسط في إنهاء الحرب.

وبالفعل، حذرت وزارة الخارجية الأمريكية، هذا الأسبوع، من أن العملية التركية المحتملة في سوريا “ستقوض الاستقرار الإقليمي”.

ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت أمريكا تحريك المياه الراكدة بشأن مبيعاتها العسكرية لتركيا، وتم التقليل فجأة من أهمية استحواذ أنقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400”.

لكن رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” ضغط على الكونجرس الأمريكي مؤخرا ضد المبيعات العسكرية لتركيا. وعلّق “أردوغان” على ذلك بالقول: “ميتسوتاكيس لم يعد موجودا بالنسبة لي. لن أوافق على مقابلته أبدا. ينتهك ما فعله اتفاقا بيننا بعدم إشراك دول ثالثة في قضايانا الثنائية”.

 

 

وسوف تؤثر مبيعات الأسلحة الأمريكية أيضا على العلاقات الروسية التركية، حتى لو استمرت أنقرة في السعي لتحقيق التوازن في علاقاتها وتجنب خلاف مفتوح مع موسكو أو واشنطن.

وقال الباحث التركي “غالب دالاي”: “إن مواقف روسيا الجيوسياسية ستدفع تركيا والغرب إلى التقارب نسبيا في الأمور الجيوسياسية والاستراتيجية، بشرط أن يتم حل قضية عضوية السويد وفنلندا في الناتو قريبا”.

ويبقى موقف تركيا بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو” قرارا شديد الحساسية؛ بالنظر إلى أن روسيا شريك لتركيا بقدر ما تمثل تهديدا.

ويعد “الناتو” الدرع النهائي لتركيا ضد التوسع الروسي. وأدى الدعم الروسي للمناطق الانفصالية في جورجيا في عام 2008، وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، إلى خلق منطقة عازلة بين تركيا وأوكرانيا وترتيبات معقدة بين أنقرة وموسكو في البحر الأسود.

ومع ذلك، يخاطر “أردوغان” بإذكاء الجدل حول عضوية تركيا في “الناتو”، مثلما أثار رفض رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” الحظر الأوروبي على الطاقة الروسية تساؤلات حول مكان المجر في الاتحاد الأوروبي.

وتساءل المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس الأمريكي “جو ليبرمان” والسيناتور السابق “مارك دي والاس”، في افتتاحية في صحيفة “وول ستريت جورنال”: “هل تركيا أردوغان تنتمي إلى الناتو؟”، وزعم الرجلان أن تركيا إذا كانت تتقدم بطلب للعضوية في الحلف اليوم سيتم رفضها بسبب المعايير المتعلقة بالديمقراطية والتي يشترطها “الناتو”.

وقال “ليبرمان” و”والاس”: “تنص المادة 13 من ميثاق الناتو على آلية انسحاب الأعضاء. وربما حان الوقت لتعديل المادة 13 لاستحداث إجراء يسمح بطرد دولة عضو”. وقال الرجلان ضمنيا إن “قلب الطاولة على تركيا في الناتو سيجبرها على العودة إلى الصف”.

ويرى البعض أن “الاستجابة لمطالب أنقرة تعني السماح لها بتصميم الهندسة الأمنية لأوروبا وتشكيل مستقبل النظام الغربي”.

المصدر | جيمس دورسي/ريسبونسيبل ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد