في ظلّ هكذا أجواء إرهابيّة ضد مذهب التشيّع من قبل السلطات الحاكمة، نشأت فئات متلبسة بالعلم لا تريد للتشيّع إلاّ الوقيعة والشرّ، ولاتريد للشيعة إلاّ الوهن والضعف، فغمست أقلامها في دواة الأوهام والآثام، ثمّ بادرت في كتاباتها إلي حملة تشويهيّة ضد مذهب التشيّع من أجل النيل من عقائده والتشكيك بصحّته وعرضه بصورة مزيّفة والصاق التهم والافتراءات به وطمس محاسنه والتشهير به وتصويره كأنّه المعول الهادم لكيان الإسلام!ولم يستحي هؤلاء من باطلهم، فكذّبوا باسم البحث المحايد، واختلقوا ولفّقوا من أجل أغراضهم الدنيئة، وحاولوا عبر تخطيطهم المدروس والمُبَرمج أن يخرجوا التشيّع من حظيرة الإسلام وأن يعطوه صفة لا تلتقي مع الإسلام.
ويقول مروان خليفات حول إحدي الطرق التي استخدمها هؤلاء للإطاحة بالكيان الشيعي:
[179]
” من العوامل التي ساعدت علي تكوين هذه الصورة المشوّهة عن الشيعة، هو خلط كثير من المؤرّخين والكتّاب بين الجعفريّة وغيرها من الفرق…
[و] يقول علي عبد الواحد وافي من علماء أهل السنّة [في كتابه بين الشيعة وأهل السنّة: 11]: (انّ كثيراً من مؤلّفينا، بل من كبارهم، أنفسهم قد خلط بين الشيعة الجعفريّة وغيرها من فِرق الشيعة، فنسب إلي الجعفريّة عقائد وآراء ليست من عقائدهم ولا من آرائهم في شيء، وإنّما ذهبت اليها فرق أخري من فرق الشيعة)”(1).
ويقول أسعد وحيد القاسم في هذا الخصوص:
” ما اندرج تحت اسم الشيعة من طوائف تقول بألوهيّة عليّ أو نبوّته أو غير ذلك من الطوائف. فإنّ الشيعة منها براء.
فلماذا يصرّ البعض علي اعتبار هذه الطوائف من الشيعة؟
ولماذا يقومون بإشاعة هذه الترهات وغيرها مضلّلين بها عوام المسلمين وجهّالهم؟
ولماذا هذا التزوير الشائن في تاريخ المسلمين ودينهم الحنيف؟ “(2).
وكان أثر هذا التحريف القديم علي الأجيال التي جاءت بعدها أنّها ورثت هذه الأفكار الخاطئة والمشوّهة حول عقائد وحقيقة الشيعة والتشيّع من أسلافها مع حسن الظن بهم، وقبلتها من غير تحقيق ولا تمحيص ولاتبصّر.
وساعدت الأجواء السياسيّة والتعصّبات الدينيّة علي بقاء هذه المفاهيم، فتغلغلت هذه المفاهيم المغلوطة التي تكوّنت في عصور التخلّف الفكري والصراع الطائفي في نفوس الكثير من أبناء المجتمع.
ولهذا يقول عبد المحسن السراوي:
” إنّ كثيراً من كتّاب عصرنا لا يزالون يعيشون بعقليّة عصور الظلمة، تلك التي
[180]
استغلّ ظروفها المُندَسّون في صفوف المسلمين لنشر المفتريات وخلق الأكاذيب “(1).
ويقول هذا المستبصر حول بعض الكتّاب المعاصرين الذين كتبوا حول الشيعة والتشيّع:
” اولئك الكتّاب قد جمدوا علي عبارات سلف عاشوا في عصور الظلمة عصور التطاحن والتشاجر، فقلّدوهم بدون تفكير أو تمييز حتي أصبحت القضيّة خارجة عن نطاق الأبحاث العلميّة، وهي إلي المهاترات أقرب من المناقشات المنطقيّة “(2).
ثمّ وقعت هذه الشبهات والافتراءات والهجمات الفكريّة ضدّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بيد فئات تُحرّكهم العواطف الآنيّة وتستفزّهم الانفعالات النفسيّة وتهيّجهم الشعارات المزيّفة وتتحكّم بهم الغوغائيّة، فاعترتهم حالة ردود أفعال عشوائيّة، فنفخوا في هذه الشبهات والافتراءات، و زادوا فيها ما شاء لهم هواهم أن يزيدوا، وحمّلوها أكثر ممّا تحمل، وأضافوا عليها من الأكاذيب ما يندي لها الجبين، بحيث يقول أسعد وحيد القاسم في هذا المجال:
” استنكرتُ هذه الحملة نظراً للطريقة البعيدة عن الأدب والموضوعيّة التي يصفون بها حقيقة الشيعة، والتي كنت ألاحظ أنّها تتّسم بالمبالغة والتهويل في أغلب الأحيان “(3).
ويصف عبد المنعم حسن مشاعره وموقفه قبل الاستبصار بعد استماعه إلي مجموعة من هذه الشبهات حول الشيعة من قبل أحد المشايخ الذين التقي بهم:
” أحسستُ بغثيان بسبب كذب هؤلاء القوم.
لقد قرأت بعض كتب الشيعة التي ألّفها كبار علمائهم ورأيت بعض الأخوة الشيعة، لم أقرأ أو أسمع ما قاله هذا الوهابي، ولا أدري كيف يدّعون نصرة الحقّ وهم يكذبون
[181]
بل يبالغون فيه إلي حدّ يؤسف له.
صرخت في وجهه بلا وعي منّي: ألا يمكنك أن تنصر الحق الذي تدّعيه بدون أن تكذب وتفتري علي القوم.
فارتبك متلعثماً: كيف تقول لي مثل هذا الكلام؟!
قلت: أنت الذي أجبرتني علي ذلك، أنا قرأت للشيعة وجلست معهم، وأعرف جيّداً ما يقولون وما ذكرته لي بعيد عنهم كلّ البعد “(1).
ثم قال عبد المنعم حسن له:
” إنّ مثل هذه التهم صارت قديمة لا يصدّقها أحد، والنّاس أكبر وعياً من أن تنطلي عليهم هذه الأكاذيب.
قال: يبدو أنّك منهم!
قلت: لست شيعيّاً ولو كنت فلا شيء يمنعني من التّصريح بذلك، لكنّني الآن فقط عرفتكم، أنتم لا تستطيعون الدفاع عن باطلكم إلاّ عن طريق الكذب “(2).
ويذكر هشام آل قطيط حول بعض هذه التهم الرخيصة قائلاً:
” إنّ أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً إيّاك ومجالسة الشيعي، وإيّاك ومحاورة الشيعي (لا تحاور الشيعي ولو كان الجدال عن حقّ).
هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين(رضي الله عنه)، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم نَدَماً وخوفاً عسي الله أن يغفر لهم.
هؤلاء الشيعة يعتقدون بأنّ الرّسالة نزلت علي علي (كرّم الله وجهه) وتاه الوحي جبرائيل ونزل علي محمّد (صلي الله عليه وآله)وغير ذلك.
يسجدون للحجر، ويسبّون الصحابة، ويعملون بالتقيّة بينهم سرّاً لايظهرونها لأحد
[182]
وذبيحتهم محرّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها “(1).
ويقول هذا المستبصر أيضاً حول هذه الإشاعات:
” من الإشاعات التي كانت تؤثّر في نفسي وتقع حاجزاً بيني وبين قراءة كتب الشيعة هو أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة تاه الوحي جبرائيل ثلاث مرّات، وحتي سألت أكثر من عالم عندنا، فقال لي: إحذر هؤلاء الشيعة، فإنّهم يقولون في آخر الصلاة هذه العبارة المذكورة وأنّ الرسالة نزلت علي عليّ (عليه السلام)وتاه الوحي ونزل بها علي محمّد (صلي الله عليه وآله).
فعند البحث والتحقيق وجدت أنّ الشيعة بريئون من هذه الإشاعات والدعايات بحقّهم فوجدت أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة ثلاث مرّات: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر “(2).
ويقول معتصم سيّد أحمد حول نشاط بعض المؤلّفين والكتّاب أنّهم:
” بذلوا قصاري جهدهم لتزييف الحقائق وتشويه مذهب أهل البيت، بشتي أساليب الدعاية ونشر الأكاذيب.
وقد نجح هؤلاء الكتّاب نجاحاً كبيراً في تعميق الجهل في نفوس أهل مذهبهم وتوسيع الفجوة بينهم وبين معرفة الحقيقة.
فصوّروا التشيّع بأبشع وأقبح ما يكون من الصور، من جراء ما نسجوه من خرافات وأوهام.
ولا أقول هذا مجرد افتراض، إنّما عايشت هذا الجهل مدّة من الزمن، وأحسست به أكثر عندما تفتّحت بصيرتي وأنار الله قلبي بنور أهل البيت، فوجدت مجتمعي يركد في ركام من الجهل والافتراءات علي الشيعة، فكلّما أسأل عن الشيعة سواء كان المسؤول عالماً او مثقّفاً كان يجيبني بسلسلة من الأكاذيب علي الشيعة فيقول مثلا:إنّ الشيعة تدّعي أنّ الإمام علي (عليه السلام) هو الرّسول ولكن جبرائيل أخطأ وأنزل الرسالة علي محمّد، أو أنّهم
[183]
يعبدون الإمام عليّاً… وغيرها من الأكاذيب التي لا تمت إلي الواقع بصلة “(1).
ويضيف معتصم سيّد أحمد:
” إنّ هذا الجهل بالتشيّع، الذي تعيشه مجموعة كبيرة من الأمّة الإسلاميّة، كان نتاجاً طبيعيّاً لمجهود هؤلاء الكتّاب، لفرض الجهل المطبق علي أبناء هذه الأمة لكي لا يتعرّفوا علي مذهب التشيّع.
وهذا هو المخطّط الذي بدأ قديماً ليتمّ مسيرته إلي اليوم، فتجد مئات من الكتب المسمومة ضدّ الشيعة في متناول يد الجميع، هذا إذا لم تكن توّزع مجّاناً من قبل الوهّابيّة، ويفترض في هذا الجو المشحون ضدّ الشيعة أن يسمح للكتاب الشيعي بالانتشار، حتي تكون المعادلة متكافئة، وهذا ما لم يحصل، فهذه هي المكتبات الإسلاميّة يكاد يندر فيها الكتاب الشيعي بخلاف المكتبات الشيعيّة سواء كانت تجاريّة أو في المعاهد العلميّة فهي لاتخلوا من كتب ومصادر السنّة بجميع خطوطها و اتّجاهاتها.
… وقد لاحظت اختلاف المنهجيّة بين النوعين من الكتب، فتجد كتب الشيعة تهدف إلي تأصيل وإثبات صحّة مذهبها بالأدلّة والبراهين اعتماداً علي مصادر ومراجع اهل السنّة، من غير أن تتهجّم علي المذاهب الأخري.
أمّا الكتب التي تحاول الردّ علي الشيعة فإنّها تهدف من الأساس ضرب المذهب الشيعي بأي طريقة كانت حتي ولو كانت بالتهم والافتراءات “(2).
ويقول إدريس الحسيني حول تجربته في هذا المجال:
” وكنّا دائماً نعتقد أنّ المسلمين، مهما اختلفت طرائقهم، لا يكذبون، وربّما حملنا جهالاتهم علي الاشتباه، وربّما حملناها علي سبعين محمل وإن كانوا يحملون أفكاراً
[184]
إلاّ علي محمل واحد.. فإنّنا بذلك سنحافظ علي آدابنا الإسلاميّة وموضوعيّة النقد. وليكن ما يكون عليه هذا الطرف أو ذاك فكلّ إناء ينضح بما فيه.
غير أنّ الواقع الذي انتيهت إليه، يعاكسني ذلك الاعتقاد، فكثير منهم كان تحامله فيه تساهل مع الأكاذيب التي تحاك ضد الإماميّة، حتي وإنّهم ليعلمون أنّها محض أراجيف، منسوبة إلي تلك الطائفة ظلماً وعدواناً.
لقد كتب كثير منهم في الاتّجاه نفسه، والمعطيات نفسها، وتكاثرت كتبهم التي هي إحياء مكرور لتراث النصب والتحامل علي طائفة طالما استضعفوها ولفّقوا حولها أجود الأكاذيب.
ويستنتج من حركتهم هذه، أنّهم علي جانب كبير من الجهل بالتاريخ الإسلامي وبمذهب الإماميّة، ذلك الجهل الناتج عن سرعتهم في إصدار الأحكام، وفي نواياهم القبيحة في قراءة التراث الإمامي، قراءة تهدف إلي تجميع عناصر لخلق صورةً ملفقة من أجل التعريض بهم لااستيعاب أفكارهم.
وهذا المنهج يختلف اختلافاً جذريّاً، عمّن تواضع للحقيقة، واتّقي الله في البحث عنها.
ومن دون أن نزكّي أنفسنا علي أحد يجدر بنا القول:
أنّنا نحن الذين اطّلعنا علي هذه المدرسة، اطلاعاً كبيراً، وتربّعنا أمام علمائها لنستمع اليهم، جنباً إلي جنب مع أبناء الطائفة ونهلنا من علومهم، لم نشعر بتلك الخلفيّات التي ذكرها رواد اتّجاه التفريق.
لقد اطّلعنا علي تراث الجماعة والتزمنا مبادئه فترة ليست بالقصيرة، واستنشقنا الكيمياء السنّي، استنشاقاً حسناً، وبتنا نعلم خفايا المذهبين “(1).
ويقول إدريس الحسيني حول إحدي الافتراءات التي الصقت بالشيعة:
” خلال فترة طويلة، ارتبط التشيّع بالعنف والإرهاب، وما شابه ذلك من النعوت
[185]
التي تحجب الوجه الآخر المشرق له وهو وجه السلام والحوار والتعايش.
لقد ارتبط عنوان التشيّع بالعنف في الحقب التاريخيّة السابقة، وفي إطار زمني معيّن، فلقد سلك الكثير من الخلفاء في حقّ هذه الطائفة نهجاً ظالماً، مع أنّ الوجه الحضاري المشرق للإسلام، لايكاد يذكر دون ان يرتبط بوجوه شيعيّة علي شتي المستويات، في الفكر والأدب والعلوم “(1).
ويضيف هذا المستبصر:
” ولو تأمّلنا التاريخ علي نحو أعمق من المألوف، لرأينا حقّاً أنّ الشيعة أكثر الفرق الإسلاميّة حبّاً للحوار والسلام والتعايش، إذ من المفترض من المظلوم إذا تمكّن من أسباب القوّة أن يعيث فساداً في الأرض، وأن يقيم مجازر ضد العدوّ والصديق لايفرّق في ذلك بين ناقة وجمل، فشأن المظلوم إذا تمكّن من أسباب الانتقام أن لايرحم.
وهذا مالم يفعله الشيعة في مختلف الأطوار التاريخيّة، حيث تمكّنوا من إقامة دول و وجدوا فرصاً وإغراءات جمّة، لكنّهم ثبتوا علي المبدأ “(2).
ثمّ يقول إدريس الحسيني:
” وقد أصبح شعاراً مقروءاً ومحفوظاً لدي كلّ الشيعة، بأنّ الإنسان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وهو من كلام الإمام علي (عليه السلام) لليهودي الذي صاحبه في طريقه إلي الكوفة.
إنّ سيرة الأئمّة وتعاليمهم لشيعتهم، تعتبر تراثاً أخلاقيّاً نادراً في تاريخ البشر، و وسيلة للتعايش والحوار مع كلّ الملل والأديان “(3).
ثم يؤكّد هذا المستبصر قائلاً:
” لم يكن التشيّع يوماً نهجاً في الإرهاب، ولا مأوي للتآمر، ولا فكراً مغذّياً
[186]
للمراهقة السياسيّة وعنف المجرمين وعبث العابثين “(1).
ويقول ياسين المعيوف البدراني حول هذا الأمر:
” نحن في مواجهة مشكلة كبري يقف التاريخ أمامها ملجماً وتختفي فيها الحقيقة خلف ركام من الأتربة والأحجار وسيل من الادّعاءات الكاذبة والأقوال الفارغة فتلتوي الطرق الموصولة اليها ولا تعالج قضيّتها بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحاً ولتظهر الحقيقة كما هي للعيان.
واحدةٌ من كبريّات المشاكل التي عملت علي هدم وحدة المسلمين، وهي أنّ الكثير من المؤرّخين أولعوا بذمّ الشيعة ونسبوا اليهم الكثير من الأشياء الباطلة دون تثبّت وتمحيص ودون أيّ وازع ديني أو رادع وجداني “(2).
ويقول التيجاني السماوي حول الأثر الذي يتركه الأسلوب غير الموضوعي في مواجهة التشيّع:
” ولكنّ الباحث المنصف عندما يقف علي شيء من هذا التحريف والتزييف يزداد عنهم بعداً ويعرف بلا شك أنّهم لا حجّة لديهم غير التضليل والدسّ وتقليب الحقائق بأي ثمن.
ولقد استأجروا كتّاباً كثيرين وأغدقوا عليهم الأموال كما أغدقوا عليهم الألقاب والشهادات الجامعيّة المزيّفة ليكتبوا لهم ما يريدون من الكتب والمقالات التي تشتم الشيعة وتكفّرهم… “(3).
وعموماً فمن هنا تبلورت حول معتقدات الإماميّة صور كالحة ليس لها أساس من الصحّة حتي فقد الكثير وضوحَ الرؤية إلي مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والتبست عليهم السبل، واضطربت عندهم الموازين، وأصبح أمر تمييز الحقّ عن الباطل يتطلّب الكثير
[187]
من الجهد والعناء.
وفي هكذا أجواء، وفي ظلّ هكذا افتراءات أصبح التشيّع نبزاً و وصمة عار لمن ينتمي إليه في معتقده ومسلكه، وأصبح ديدن عامّة الناس أنّها لا تمرّ علي ذكر التشيّع إلاّ وتلصق به أوصاف الذم والألقاب المستكرهة.
وبلغ الأمر إلي درجة بحيث غدي الكثير من أهل السنّة لا يرغبون في سماع كلام الشيعة نتيجة تأثّرهم بدعاة السوء.
ولهذا يقول التيجاني السماوي حول حواره مع الأستاذ منعم أحد الأساتذة العراقيّين عندما التقي به قبل استبصاره في الباخرة المصريّة التي كانت تذهب من الإسكندريّة إلي بيروت:
” وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم ويقول لي: أنّه هو الآخر شيعي. فاضطربت لهذا النبأ وقلت غير مبال: لو كنت أعلم أنّك شيعي لما تكلّمت معك.
قال: ولماذا؟
قلت: لأنّكم غير مسلمين، فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون منكم يعبدون الله، ولكنّهم لا يؤمنون برسالة النبي محمّد (صلي الله عليه وآله)، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنّه خان الأمانة، فبدلاً من أداء الرسالة إلي علي أدّاها إلي محمّد.
واسترسلت في مثل هذه الأحاديث بينما كان مرافقي يبتسم حيناً ويُحوقل أحياناً.
ولمّا أنهيت كلامي سألني من جديد:
أنت أستاذ تدرّس الطلاّب؟
قلت: نعم.
قال: إذا كان تفكير الأستاذ بهذا الشكل فلا لوم علي عامّة الناس الذين لاثقافة لهم “(1).
وأشار إدريس الحسيني إلي هذه الحقيقة قائلاً:
[188]
” إنّ الرّافضة ظلّت ولا زالت هي عنوان كل معتصم بولاية الأئمّة الطاهرين من أهل البيت، وكان التشيّع ولا يزال تهمة مسقطة للسمعة.
ففي الماضي المتخلّف كانت تهمة التشيّع تعني الجريمة التي لاحدّ فيها غير الإعدام في دولة خلفاء بني أميّة والعبّاس “(1).
ويقول هذا المستبصر أيضاً:
” فأنا السنّي المنشأ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرف بالشيعة، تعريفاً حقيقا، وكل مذهب من مذاهب الدنيا، نستطيع الإحاطة به في بيئتنا سوي (الشيعة) فإنّ حصار الوهّابيّة عليهم أقوي من (جدار برلين).
نعم، قد كنّا نعلم أنّ الشيعة أصحاب طريقة غريبة عن كلّ البشر، وأنّ إشكالهم ربما لها أيضاً بعض الخصوصيّات، وأن يكون تصوّر الناس للشيعة علي أنّهم أصحاب أذناب البقر – كما أشار آل كاشف الغطاء – ليس مبالغة منه، وحال الأمّة كذلك، لقد تعجب الشامي، وهو يسمع أنّ عليّاً (عليه السلام) قُتل بالمحراب، فقال: (أَوَ عليٌ يُصلّي)؟!
وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:
أخبرني رجل من رؤساء التجّار قال: كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق، طويل الإطراق، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب وأربد وجهه وروي من حاجبيه.
فقلت له يوماً: يرحمك الله، ماالذي تكرهه من الشيعة، فإنّي رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟
قال: ما أكره منهم إلاّ هذه الشين في أوّل اسمهم، فإنّي لم اجدها قط إلاّ في كلّ شرّ وشؤم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرر وشَين وشوك وشكوي وشهوة وشتم وشحّ.
قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعي بعدها قائمة.
[189]
هكذا كان يفهم اعداء الشيعةِ الشيعةَ. وذلك لأنّهم يجهلون حقيقتهم. وقديماً قال الإمام علي (عليه السلام) (الإنسان عدو ماجهل)!
وإذا كرّسنا واقع التجهيل والتغييب، فلربّما لاسامح الله ورد من يري في (السين) السنّية: سوء وسم وسؤر وسحاق وسقم وسخط وسبّ وسقط وسخب وسرقة و… و…
وهذا التجهيل امتدّ اليوم ليأخذ أشكالاً مختلفة، كلّها تنظر إلي المسألة الشيعيّة بمنظار أسود! “(1).
ويصف أحمد حسين يعقوب مشاعر صديقه صاحب العقليّة المنفتحة بالنسبة إلي التشيّع:
” قال صديقي: إنّك تعلم إنّني رجل من أهل السنّة، وقد ورثت هذا التصنيف وراثة.
وتعلم أيضاً أنّني رجل منفتح الذهن والعقل، وقد اطّلعت علي الخطوط العريضة للفكرين: الرأسمالي التحريري والاشتراكي الشيوعي، وأحطت بنظرية الحكم في الإسلام حسب رأي أهل السنّة.
وتعلم كذلك انّني متسامح وديمقراطي أؤمن بالرأي والرأي المعارض، ويتّسع صدري لتعدّد الآراء، وتعدّد الرّسالات، فيمكنني التعايش مع المسلمين واليهود والنّصاري والمجوس وأتباع الأحزاب الدينيّة والقوميّة وحتي الشيوعيّة، ولا أشعر بالغرابة لهذا التعدّد الهائل في المجتمع نفسه، ولا ينتابني أيّ إحساس بالتعصّب.
وبالرّغم من سعة صدري وديمقراطيّتي وتسامحي إلاّ أنّ مجرّد ذكر كلمة (شيعة) كاف لإثارة استغرابي وحنقي ونفوري، حتي لكأنّني مسكون في (لا شعوري) بكراهيّة الشيعة والتشيّع! “(2).
ويقول إدريس الحسيني حول مشاعره بالنسبة للشيعة عندما كان سنّيّاً:
[190]
” ما كنت أتصوّر انّ الشيعة مسلمون! فكانت تختلط عندي المسألة الشيعيّة بالمسألة البوذيّة أوالسيخيّة.
والوضع (السنّي) لا يجد حرجاً في أن يملي علينا ذلك، ولا يستحي من الله ولا من التاريخ ليغذّي نزعة التجهيل والتمويه.
انّه كان يكرّس هذه النظرة لدي الأفراد ولا يصحح مغالطاتهم “(1).
ويقول التيجاني السماوي حول هذا الأمر:
” فلا غرابة أن يشتموا كل من تشيّع له ويرموه بكل عار وشنار حتي وصل الأمر بهم أن يقال لأحد يهودي أحبّ إليه من أن يقال له شيعي.
ودأب أتباعهم علي ذلك في كل عصر ومصر وأصبح الشيعي مسبّة عند أهل السنّة والجماعة لأنّه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن الجماعة، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكلّ التهم وينبزونه بشتي الألقاب، ويخالفونه في كلّ أقواله وأفعاله “(2).
ويقول التيجاني السماوي حول الأسباب الأساسيّة لإنكار أهل السنّة للشيعة:
” فإذا أنكر هؤلاء السنّة علي معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين:
أوّلاً: العداء الذي أجّج ناره حكّام بني أميّة بالأكاذيب والدعايات واختلاق الروايات المزوّرة.
وثانياً: لأنّ معتقدات الشيعة تتنافي وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاءوتصحيح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصاً حكّام بني اميّة وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان.
ومن هنا يجد الباحث المتتبّع أنّ الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة نشأ يوم السّقيفة، وتفاقم، وكل خلاف جاء بعده فهو عيالٌ عليه، وأكبر دليل علي ذلك أنّ العقائد التي يشنّع أهل السنّة علي إخوانهم من الشيعة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة
[191]
وتتفرّع منه، كعدد الأئمّة والنّص علي الإمام، والعصمة، وعلم الأئمة، والبداء والتقيّة والمهدي المنتظر وغير ذلك.
ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجرّدين عن العاطفة، فسوف لانجد بُعداً شاسعاً بين معتقداتهم، ولا نجد مبرّراً لهذا التهويل وهذا التشنيع، لأنّك عندما تقرأ كتب السنّة الذين يشتمون الشيعة يخيّل اليك بأنّ الشيعة ناقضوا الإسلام وخالفوه في مبادئه وتشريعه، وابتدعوا ديناً آخر.
بينما يجد الباحث المنصف في كلّ عقائد الشيعة أصلاً ثابتاً في القرآن والسنّة وحتي في كتب من يخالفهم في تلك العقائد ويشنّع بها عليهم “(1).
ولهذا يقول ياسين المعيوف البدراني:
” انّ مهمّة من يكتب عن الشيعة وحقيقتها الشرعيّة هي أشد صعوبةً من مهمة الذي يكتب عن أيّ طائفة أخري من طوائف المسلمين، وذلك لوجود عوامل وعقبات تحتاج إلي دقّة في المعرفة ثمّ إلي إحاطة بالظروف التي أفرزتها تلك العوامل..
إنّ موقف الشيعة وأتباع أهل البيت موقفاً دينيّاً صحيحاً صلباً أمام السلطان ومؤازريه منذ صدر الإسلام إلي يومنا هذا، وهو الدافع الوحيد إلي إلصاق التهم المختلفة بهم، فقالوا فيهم عيوباً أو شبهات هم منها براء “(2).
ويضيف هذا المستبصر قائلاً:
” وقد سمعنا من العلماء الكبار عند إخواننا السنّة أنّ الشيعة أهل خرافات وخلافات وبدع وتعصّب؛ وهذا ما غرسوه باطلاً في عقول الأجيال المسلمة متّخذين من الشيعة موقفاً معادياً بغير الحقّ، وانّ إيضاح هذه القضيّة يحتاج إلي نظرة شاملة مرنة تتحرّك مع الضمير الوجداني وتتحري الحقيقة “(3).
[192]
1- مروان خليفات/ وركبت السفينّة: 615.2- أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشريّة: 17.1- عبد المحسن السراوي/ القطوف الدانية في المسائل الثمانية: 16.2- المصدر السابق.3- أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشريّة: 8.1- عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: 190191.2- المصدر السابق: 191.1- هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: 2223.2- المصدر السابق: 255.1- معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: 199.2- المصدر السابق: 200201.1- إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: 8.1- المصدر السابق: 209.2- المصدر السابق: 211.3- المصدر السابق: 216.1- المصدر السابق: 217.2- ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمونَ: 76.3- محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 149.1- محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 29.1- إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: 12.1- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 2324.2- أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: 7.1- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 58.2- محمّد التيجاني السماوي/ مع الصادقين: 159.1- المصدر السابق: 162163.2- ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: 95.3- المصدر السابق.