مستقبل المجتمع المدني في العراق دراسة قانونية في إطار حركة المجتمع المدني العراقي

 شفقنا :

د . وسام نعمت إبراهيم السعدي :

إن حركة المجتمع المدني في العراق تعد حركة فتية وهي بحاجة إلى الكثير من الجهود التي ينبغي أن تبذل من قبل مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع من اجل التأسيس لمجتمع مدني ناضج قادر على تحمل الأعباء المختلفة التي تلقى على عاتقه ، وتصطدم مؤسسات المجتمع المدني بالعديد من المعوقات الأساسية التي تشل أحياناً من قدرة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المتخصصة في العمل بميادين مختلفة تمس حياة الانسان العراقي من أن تواكب المسيرة وان تتغلب على التحديات ويمكن أن نحدد ابرز تلك المعوقات بما يأتي :

1. غياب الفهم الحقيقي لطبيعة عمل مؤسسات المجتمع المدني سواءً من قبل المجتمع أو من قبل المؤسسات الحكومية ، فلا يزال المجتمع يعتبر ظاهرة العمل غير الحكومي ظاهرة جديدة وغير واضحة أمامه بسبب عدم وجود مثل هذا النشاط في السابق وهناك فهم آخر ينطوي على النظر إلى أن مؤسسات المجتمع المدني هي مؤسسات لتقديم العون المادي أو المعنوي فيقع المواطن البسيط في خلط بين المؤسسات الاغاثية والمؤسسات الحقوقية ، ثم أن المجتمع لا يزال لا يثق كثيراً بأي عمل يتم خارج السياق الرسمي لمؤسسة الحكومية لأنه يعتبر الحكومة هي الطرف الأقوى والأقدر على استحصال الحق ولكن السؤال الجوهري الذي يفاجئ به الكثيرون هو ماذا لو كان الحق قد سلب منه من قبلها وبشكل تعسفي ؟ فهنا يتم إدراك أهمية وجود مثل تلك المؤسسات. أما فيما يخص المؤسسات الحكومية فلا تزال تلك المؤسسات تمارس دوراً سلبياً يحول دون إنجاح عمل مؤسسات المجتمع المدني من خلال عدم إتاحة المجال لفتح أبواب التعاون والتنسيق في العمل بينها وبين تلك المؤسسات وربط العلاقة التي تحكمها بأي مكون من مكونات المجتمع المدني بمجموعة معقدة من الشروط ومن الإجراءات الرسمية التي لا تتناسب وطبيعة عمل تلك المؤسسات والتي تحتاج فيها إلى سرعة التحرك والعمل بعيداً عن التعقيد والإجراءات الرسمية للمؤسسات الحكومية ، إن فتح مجالات التعاون بين القطاعات الحكومية وبين تلك المؤسسات سيساعد كثيراً في زيادة الثقة بعملها وسيعطيها مقداراً اكبر من الاحترام في ظل الظروف الحالية وسيعمل على تغيير النظرة التي ينظر من خلالها الإنسان العراقي إلى العناصر الفاعلة في المجتمع في غياب ترسخ فكرة المجتمع المدني لديه بسبب حداثتها.
2. هناك المعوق القانوني والذي يتمثل في عدم تناسب القوانين النافذة حالياً مع الدور المرتقب لمنظمات المجتمع المدني ، فلا يوجد من التشريعات من يحمي تلك المؤسسات من بطش الحكومة أو أي طرف أخر ولا توجد قوانين تكرس أهمية دخول تلك المنظمات كشريك فاعل وحقيقي في ميادين الحياة العامة للإنسان العراقي ،فضلاً عن عدم إعطاء تلك المنظمات في إطار القوانين النافذة أي دور في التدخل بآي شكل كالتصدي لأحد قضايا حقوق الإنسان كحقوق الطفل وحقوق المرأة والحقوق المدنية والسياسية وغيرها ، وبالتالي تبقى تلك المنظمات وتبقى الجهود التي يبذلها نشطائها متوقفة على حجم المبادرة الفردية وليس على ثقل قانوني تحضى به تلك المنظمات يؤهلها أن تتدخل بقوة وبفاعلية أكثر .
3. المعوقات الفنية والإدارية والتي تتمثل بعدم توفر الكوادر المتخصصة والمسلحة بثقافة العمل في المجتمع المدني وبالتالي فان الكوادر الفاعلة كثيراً ما تعتمد على القراءات السطحية لتجارب بعض الدول التي تختلف في تكوينها وبنائها عن طبيعة تكوين وبناء المجتمع العراقي ، ويمكن أن يكون قلة الاحتكاك وعدم توفر الدورات التثقيفية المتخصصة والمتقدمة لكوادر تلك المنظمات ، في الوقت نفسه تعاني معظم تلك المنظمات من أزمات إدارية ناجمة عن عدم توفر إدارة كفؤة وقادرة على أن تدير مؤسسة لمؤسسات المجتمع المدني وفقاً لمعايير الإدارة الرشيدة المتعارف عليها عالمياً، فتكون مشكلة استحواذ احد الإفراد على عمل المنظمة وعدم تفعيل دور الآخرين وعدم وجود المؤهلات الكافية لدى الجهاز الإداري في تلك المنظمات سبباً في عدم نجاحها في تحقيق أهدافها التي قامت لأجلها .
4. المعوق المالي ، حيث تشكل قضية التمويل عنصراً حاسماً في وجود المنظمة وفي دفعها وتمكينها من تحقيق أهدافها ، وتعاني حركة المجتمع المدني في العراق من هذه المشكلة وبشكل خاص المؤسسات المستقلة حيث لا توجد أحزاب تغدق عليها الأموال ولا توجد مصادر تمويل سوى أن تدير نفسها بإمكانيات محدودة لأعضائها،وقد دفع هذا المعوق الكثير من المنظمات إلى أن تتخلى عن ثوابتها وعملت لحساب بعض الأطراف الحكومية أو المؤسسات المحزبة لغرض التسويق لها مقابل الحصول على تمويل جيد يكفل لها الظهور والبروز في الميدان .
5. والمعوق الأخير هو المعوق العملي والذي يتجسد بوجود تعارض وتباين خطير بين ما تسعى مؤسسات المجتمع المدني لتحقيقيه وبين ما يقع ي الميدان من تطبيقات مغايرة له ونأخذ على سبيل المثال قضايا حقوق الانسان فان الانتهاكات الخطيرة من قبل أطراف مختلفة وعدم قدرة مؤسسة واحدة أو أكثر من أن تستوعب هذا الحجم الكبير من الانتهاكات ، من جهة أخرى تشعر تلك المنظمات بنوع من التناقض حين تبشر بحقوق الإنسان وتدعوا إلى احترامها ، في حين يعكس الواقع هذه الدعوات شكل أخر معاكس تماماً ويتمثل بانتهاكات أكثر الأمر الذي جعل تلك المنظمات تتهم بالعجز عن أداء أي ، ويبدوا أن الوضع الراهن والظروف والملابسات التي تحيط ظهور تلك المنظمات جميعها كانت لا تخدم كثيراً مسيرتها بل ساهمت في رفض مطالب العديد منها حتى من قبل المواطن الذي لا يزال هو الضحية ويبحث عن أي حل عملي يخرجه من دوامة الانتهاكات اليومية التي يعيشها .
د. وسام نعمت إبراهيم السعدي

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …