«فورين بوليسي» : كيف انتزعت الصين الريادة العالمية في غفلة من أمريكا؟ .. كيف يكون مستقبل العلاقات الصينية السعودية

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تحليلًا أعدَّه هوارد دبليو فرينش، أستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، سلَّط فيه الضوء على الخطوات التي اتَّبعتها الصين حتى أصبح بعض دول العالم لا يمكنه الاستغناء عنها، بينما ظلَّت استجابة الولايات المتحدة لهذه الطموحات الصينية دون المستوى.

استهل الكاتب تحليله بالقول إنه أثناء عمله مراسلًا صحافيًّا في منطقة شرق آسيا خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدهشته باستمرار الطرق التي بدت من خلالها تصرفات الصين نموذجًا يحتذي به غيرها من القوى العظمى الحديثة. وأطلقت بكين برنامجًا فضائيًّا، والذي كان يُعد حاضنة للطموح العسكري أكثر من كونه رمزًا حاشدًا للوطنية، أو حاضنة للعلوم البحتة. وبدأت الصين أيضًا في إنشاء ما يسمى بـ«بحرية المياه الزرقاء (قوة بحرية قادرة على العمل دوليًّا عبر المياه العميقة للمحيطات المفتوحة)»؛ مما يمنحها القدرة على استعراض القوة بعيدًا عن شواطئها. كما أنها سرعان ما استحوذت بالتأكيد على حاملة طائرات مستعملة في أوكرانيا، وأعادت تحديثها.

دولي

منذ أسبوع
الجار المزعج.. الصين تنازع جيرانها على مناطق حدودية في البر والبحر

ويوضح الكاتب أنه قد واصلت الصين تنفيذ عدة مشروعات أخرى كانت الولايات المتحدة ودول أخرى قد بدأت في تنفيذها قبل ذلك بكثير، ولم تكن جميع هذه المشروعات تظهر أي نوع من القوة الصارمة. وأنشأت الصين نظامًا وطنيًّا للطرق السريعة، وهو نظام مماثل تمامًا للنظام الذي أنشأته الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين. وأجرت تجاربها الخاصة على مفهوم المؤسسات الفكرية. وبدأت في وضع معاييرها التنظيمية، كما فعلت الولايات المتحدة لدى إنشائها مؤسسات، مثل إدارة الطيران الفيدرالية، وإدارة الغذاء والدواء؛ مما ساعد على توسيع نفوذ الولايات المتحدة على نطاق واسع مع أخذ الدول الأخرى إشارات من المعايير التنظيمية الأمريكية.

نوع جديد من القوى العظمى

يوضح الكاتب أن الصين لم تشن في التاريخ الحديث كثيرًا من الحروب العدوانية (باستثناء غزوها العقابي الفاشل – بحسب وصف الكاتب – لفيتنام عام 1979، والذي صار في طي النسيان)، ولم يساعد أي نظام تحالفات، مثل نظام الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، بكين لتعزيز المسار الذي يُبرز أنها كانت نوعًا جديدًا من القوى العالمية، وهو نوع من القوة لا يسعى مطلقًا إلى فرض الهيمنة أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ويتحدث الكاتب بصفته مديرًا لمكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في الصين، فقد كان منبهرًا بمدى دقة زملائه من الموظفين المحليين الأذكياء المتمرسين في تبني هذه الرؤية. وأخبروه أن «الصين ليست في حاجة لأسطول من حاملات الطائرات». وفي إشارة إلى السفينة الأوكرانية، قالوا للكاتب: «إنك تقرأ كثيرًا من الأخبار عن هذا الأمر، لكنها صفقة عفا عليها الزمن بالفعل»، متسائلين «ماذا لو كان برنامج الفضاء يتعلق فعلًا بالعلوم فحسب»؟ وفي وقت لاحق عندما بدأ الكاتب في البحث عما سيكون كتابه عن علاقات الصين المزدهرة مع أفريقيا، القارة الثانية الأهم للصين، سَخِروا من فكرة أن الصين تسعى وراء تحقيق مصالح قديمة في قارة تبدو لمعظم الصينيين بعيدة عن الاهتمامات اليومية لبلادهم. وكان آخر شيء أراد الكاتب فعله هنا هو السخرية من أصدقائه وزملائه السابقين بسبب سذاجتهم؛ فلم يكونوا وحدهم على هذا النحو.

ويتابع الكاتب قائلًا إنه أثناء تجوالي في عدد من الدول الأفريقية لإجراء بحث في هذا الكتاب، قابلتُ دبلوماسيين أمريكيين اعتقدوا أيضًا أنه من الحماقة أن نبالغ في تقدير النشاط الدبلوماسي والاقتصادي المتنامي لبكين في أفريقيا، تمامًا كما كانت مؤسسة الأمن القومي في واشنطن لديها مشكلة في تصور أن الصين يمكنها أن تصبح منافسًا شاملًا للولايات المتحدة. وقد وصفتُ ما رأيته خلال تلك الرحلة، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في يونيو (حزيران) 2007، موضحًا أن «الدبلوماسية الصينية كانت تندفع بسرعة في جميع أنحاء القارة السمراء مؤخرًا، وألغت الديون، وأعفت الصادرات الأفريقية من الرسوم التجارية، وأقرضت بصورة متزايدة مبالغ ضخمة من المال، وأدت هذه الإجراءات عمومًا إلى أن حدثت الأمور بسرعة وبطريقة متوسِّعة».

ويضيف الكاتب أنه في مقابلة أجراها في ذلك الوقت أخبره السفير الأمريكي في تشاد آنذاك، أنه «من السّخف التفكير في أنه بإمكان الصين تحدي الولايات المتحدة. إن الصين ليست سوى دولة من بين عدة دول ممثَّلة هنا في القارة السمراء، وهناك متسع كبير في أفريقيا للجميع. وهذه ليست منافسة». ويبدو أن عبارة «متسع كبير» تهدف إلى التخلص من الأفكار غير اللازمة. إن هذا حقًا كان بمثابة تبرير للافتقار الكامل لحيوية السياسة الأمريكية في هذا الجزء من العالم بحسب ما يقول الكاتب.

تعامل أمريكا مع أولويات المجتمعات

يلفت الكاتب إلى أنه رأى الظاهرة نفسها خلال إدارة أوباما، قائلًا: كتبتُ مقالات عن إنشاء بكين لجزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وعن المراحل الأولى لما أصبح يُعرف باسم «مبادرة الحزام والطريق»، والتي تُعد جهودًا هائلة ومترامية الأطراف تستهدف بكين من خلالها تقريب آسيا الوسطى وأوروبا من الصين من خلال مشروعات البنية التحتية العملاقة بتمويل من بنوك الدولة الصينية.

ويضيف الكاتب أنه في وقت لاحق عندما انتهى من تأليف كتاب عن هذه المسألة تحت عنوان «كل شيء تحت السماء: كيف يساعد الماضي في تشكيل الصين للدفع من أجل دعم الطاقة العالمية أو Everything Under) the Heavens: How the Past Helps Shape China’s Push for Global Power)»، كان على استعداد أن يتصور أن تُطلق واشنطن في أية لحظة بعض المبادرات الكبيرة استجابة لطموحات الصين المتزايدة التي ستلزمه بإجراء تعديلات كبيرة على كتابه في اللحظة الأخيرة. ومع ذلك ذهبت تلك المخاوف سدى: وكما حدث من قبل لم تولِّد مبادرات بكين الجديدة سوى قليل من الاستجابة الموضوعية من جانب واشنطن.

ويقول الكاتب إن هدفه هنا ليس انتقاد تصرفات الصين. وكما هو الحال مع أية دولة قوية، هناك كثير من الأشياء التي يجب انتقادها، لكن من الأفضل تركها للمقالات القادمة. ووجهة نظره هنا أن أية قوة عظمى، مثل غيرها من القوى العظمى، تفعل ما لم تقله بالضرورة. وقد أمضت الصين عدة عقود منخرطة في تصرفاتٍ مثيرة للإعجاب من قوى عظمى، بينما لم تستفز أي سياسات إبداعية من الولايات المتحدة؛ منافستها الأساسية.

ويتساءل الكاتب: كيف أصبحت الولايات المتحدة، الدولة التي لطالما تصوِّر نفسها زعيمة العالم، تتعامل بهامشية شديدة مع أولويات العديد من المجتمعات الأخرى خارج تحالفاتها التقليدية في أوروبا وشمال شرق آسيا؟ يكمن جزء من الإجابة عن هذا السؤال في أن نضع كثيرًا من الحماسة على الأسطورة الخاصة بنا. وتجاوز الأمريكيون تحديدًا والغربيون عمومًا فكرة أن الحداثة والتقدم ينبعان بصورة طبيعية من غربهم، وأن الترتيب الطبيعي للأشياء هو أن يقودوا العالم، وأن يتبعهم الآخرون، سواء بكل سرور أو على مضض.

أمركيا وعقيدة التدخل العسكري

ينوِّه الكاتب إلى أن العالم بدأ الآن في الخروج للتو من عقود طويلة شبَّه فيها الغربيون المؤثرون شرقَ آسيا بالنمل، وتساءلوا بانتظام: هل بإمكان مجتمعاتهم التي تفتقر إلى الأسس السياسية الليبرالية لأوروبا الغربية والولايات المتحدة أن تتقدم إلى ما وراء الوجود المحاكي وتصبح قادرة على المنافسة في الابتكارات التكنولوجية أم لا؟ وعُدَّت الديمقراطية على النمط الغربي وما يُتوَّهم أنها «أسواق حرة» أمرًا جوهريًّا لتحقيق إنجاز وطني دائم. وحتى الآن يسارع كثيرون من الغرب في إعادة الانتساب إلى هذا النوع من التفكير، مستشهدين بحرب روسيا في أوكرانيا بوصفها دليلًا كافيًا على تفوق النماذج السياسية الغربية. وعلى الرغم من ذلك منح هذا النوع من اليقين العقائدي خلال صعود الصين الممتد والمطَّرد الأمريكيين وغيرهم في الغرب شعورًا بعدم الحاجة إلى تجديد أنفسهم.

وهناك جزء آخر من الإجابة فيما يتعلق بالأمريكيين تحديدًا، يكمن في اعتماد الدولة المفرط المعتاد جدًّا على الحلول العسكرية للتعامل مع مشكلات العالم. إذ حلَّ الجيش الأمريكي منذ وقت طويل محل كل قسم آخر من الحكومة الأمريكية في المشاركة الخارجية، بما فيها وزارة الخارجية المتدهورة، والتي ليس لديها أي نوع من الموارد البشرية اللازمة للتعامل بصورة إيجابية مع كثير من دول العالم، وليس لديها الوسائل المالية لإحداث أثر منهجي كبير.

ويتمثل الجزء الأخير من الإجابة في عدم اهتمام واشنطن بجميع شركائها باستثناء الحلفاء التقليديين: نواة من دول أوروبا الغربية بقيادة بريطانيا، إلى جانب إسرائيل، واليابان، وأستراليا. وأدَّى هذا الجهل الذي فرضته أمريكا على نفسها إلى أن تصبح معظم دول العالم منفتحة على أوجه التقدم التي حققته الدبلوماسية الصينية واقتصادها. من الذي يمكنه أن يلوم هذه الدول التي حاولت ملء الفراغ الناشئ؟ وقد رأيتُ هذا يحدث في أفريقيا طوال مسيرتي المهنية. وفي منتصف التسعينات، وفي الوقت الذي كانت فيه الدول بجميع أنحاء القارة تؤسس لحكومات ديمقراطية، وإنهاء حقبة قاتمة استمرت عقودًا من الديكتاتورية التي تغذت في جزء كبير منها على منافسة القوى العظمى خلال الحرب الباردة، لم تحشد واشنطن سوى قليل من الموارد الإضافية لدعم المشاركة في العمل السياسي، أو الانتعاش الاقتصادي في أفريقيا.

أبعدوا أفريقيا عن دائرة الضوء

يشير الكاتب إلى أنه بينما كان يركب سيارة ليموزين عام 1996 مع جورج موس، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون أفريقيا آنذاك، أثناء زيارته إلى مالي الديمقراطية الحديثة، سألته عن هذا الأمر، فأجابني متجهِّمًا: «الفضيلة هي مكافأة في حد ذاته». وبعبارة أخرى لا ينبغي أن تتوقع الأنظمة الديمقراطية الأفريقية الناشئة شيئًا من الولايات المتحدة من باب عائد السلام بعد الحرب الباردة. وأخبرني موس بعد ذلك أن دوره يتلخص إلى حد كبير في أن يمنع الموضوعات الأفريقية من التفاقم لكي لا تصل إلى مستوى يسترعي انتباه الرئيس الأمريكي.

ويضيف الكاتب أنه لا يعرف مدى معرفة موس بأن التفكير بهذه الطريقة بشأن أفريقيا، وبشأن كثير مما كان يتخيله العالم الثالث، كانت له أصول تضرب بجذورها في القدم. وعلى الأقل منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق، دوايت دي أيزنهاور، كان قادة الولايات المتحدة يرجئون هذه الأمور بفاعلية إلى أوروبا الغربية، ويسندون إليها مهمة الخط الأمامي في التعامل مع أجزاء من العالم، حيث يعيش أشخاص من ذوي البشرة السوداء والبُنية ومعظم المناطق الآسيوية. وكان المنطق في ذلك أن هذا النهج سيسمح لواشنطن بتركيز اهتمامها على الأطراف ذات القيمة الكبيرة، مثل الأشخاص والمناطق المهمة، أو بمعنى أدق الدول الأساسية المذكورة آنفًا.

ويسترسل الكاتب أنه قد تخلت إدارة جون كينيدي جزئيًّا عن هذا النهج، ولم تنجح تمامًا (بالتفكير في غزو خليج الخنازير في كوبا، وحرب فيتنام). ولكن إدارة كينيدي كرَّست لبعض الوقت اهتمامًا جادًا لأفريقيا وأمريكا اللاتينية، من بين مناطق أخرى جرت العادة في السابق أن تتجاهلها النخب الأمريكية ومؤسسة السياسة الخارجية. إلا أن إدارة ليندون جونسون عادت إلى النهج السابق سريعًا. وكما كتب فيليب مولينبيك في كتابه «الرهان على الأفارقة: مغازلة جون كينيدي لقادة أفريقيا القوميين أو Betting on the Africans: John F.) Kennedy’s Courting of African Nationalist Leaders)»، قائلًا: «أنهت إدارة جونسون فعليًّا حقبة التمويل الأمريكي الكبير للتنمية الأفريقية، تاركةً القارة من جديد طريدة في ذيل اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية، وهي مكانة لم تبرحها حتى الآن».

تقليل الموارد الموجَّهة إلى أفريقيا

ألمح الكاتب إلى أن جونسون أطاح الزعماء الأفارقة في عهده، حتى أنه عاد إلى سياسة أيزنهاور بدعم نظام أنطونيو دي أوليفيرا سالازار الديكتاتوري في البرتغال، والذي احتفظ بالسيطرة الاستعمارية على موزمبيق وأنجولا وغيرها من الأراضي الأفريقية، وساند دولة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا في العمل على مواجهة القومية في القارة السمراء. وفي عام 1965 ذكرت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأمريكية بشأن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى «أن هناك نقصًا حادًا في جميع أنواع المهارات التقنية والإدارية تقريبًا. وبالفعل، فإن المؤسسات الأساسية والموظفين العاملين في التنمية الاقتصادية غالبًا ما تكون غير كافية أو ناقصة. والأكثر من ذلك أنه لا يُرجَّح أن تحصل معظم الدول الأفريقية على دعم خارجي أو استثمار في أي شيء يقترب من النطاق المطلوب للتنمية الاقتصادية المستدامة».

ويضيف التقرير: إن دور تقديرات الاستخبارات الوطنية لا يتمثل في تقديم مقترحات بشأن السياسات، ولكن من الواضح أنه في ظل حكم جونسون فقدت مشاركة الولايات المتحدة مع أفريقيا معظم الزخم الذي كانت تتمتع به خلال سنوات حكم كينيدي الوجيزة. وفي حقيقة الأمر، وكما كتب أحد الدبلوماسيين الأمريكيين البارزين المتقاعدين مؤخرًا عام 1967، فإن «الدول الصغيرة في أفريقيا ضئيلة جدًّا لدرجة أنها لا تستحق أن تفتح الولايات المتحدة فيها قنصلية». وبعد بضع سنوات، وكما كتبت بريندا جايل بلامر في كتابها «البحث عن القوة: الأمريكيون الأفارقة في عهد إنهاء الاستعمار (1956-1974) أو In Search of Power: African) Americans in the Era of Decolonization, 1956-1974)»، أن مستشارة مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون كتبت عن أفريقيا تقول: «إننا نهدف إلى تقليل الاهتمام والموارد التي يجب توجيهها إليها».

ويؤكد الكاتب أنه ليس مجرد تاريخ غابر، ولا يقتصر على أفريقيا فحسب. ولننظر إلى المشاركة الدبلوماسية الأخيرة السريعة والمتأخرة لواشنطن مع الدول الجزرية الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ. إذ بدت الولايات المتحدة متفاجئة من التوقيع على اتفاق أمني الشهر الماضي بين جزر سليمان والصين. وإذا كانت واشنطن متفاجئة، فهذا يعزى فقط إلى المشكلة القديمة المتمثلة في أن المناطق ذات القيمة الصغيرة لم ترقَ إلى مستوى جدير باهتمامها. واكتفت الولايات المتحدة بمتابعة كتاب قواعد اللعبة لموظفة نيكسون، ولم تحافظ على سفارة لها في الدولة الجزرية التي كانت موقعًا لمعركة بحرية شهيرة في الحرب العالمية الثانية في جوادالكانال. بينما كانت الصين، على النقيض من ذلك، تشق طريقها تدريجيًّا للعمل لصالح تلك الدولة من خلال بناء البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، وتمويل مشروعات التنمية الأخرى التي يبدو أنها تتوافق مع احتياجات جزر سليمان.

الصين: مجالات جديدة للمنافسة بين القوى العظمى

يخلُص الكاتب إلى دروس مهمة من هذا كله، قائلًا: دعونا نأمل ألا تعتمد المنافسة الأمريكية مع الصين بصورة متزايدة على مجموعة الأدوات الافتراضية الخاصة بالولايات المتحدة: القوات المسلحة، ويعزو الكاتب ذلك لأسباب ليس أقلها أن الحروب التي اندلعت مباشرةً بين القوى المسلحة نوويًّا مدمرة جدًّا لدرجة أنه لا يمكن تحقيق النصر فيها في حقيقة الأمر، ولكن أيضًا بسبب شيء يسمى «استبداد بُعْد المسافة». إن العصر الذي يمكن للولايات المتحدة أن تبسط فيه نفوذها وتحافظ على ما يكفي من قوتها في منطقة الصين لجعل أية مواجهة تقليدية، أي غير نووية، جذابة، يقترب من نهايته بسرعة.

ولذلك يتساءل الكاتب: إلى أين يأخذنا هذا؟ ويجيب أنه في عصر أصبحت فيه رموز القوة الوطنية باهظة الثمن، مثل حاملة الطائرات المعرَّضة بصورة متزايدة للدفاعات الصينية الرابضة في البحر قبالة آسيا، ينبغي أن يُفسح الأسلوب المعتاد لمنافسة القوى العظمى، ولكنه قديم، المجالَ لشيءٍ آخر. إن المنافسة الكبرى في المستقبل ستكون حيث يعيش معظم الناس في العالم، وهذا يعني أنها بعيدة تمامًا عن المجالات الأساسية التقليدية للتركيز الدبلوماسي في أمريكا: العالم الثالث السابق.

دولي

منذ شهر
مترجم: خبراء يحذِّرون.. هكذا تستعد الصين لمحاربة أمريكا

ويختم الكاتب تحليله بالتأكيد على أنه بغض النظر عن رأي أي شخص في سياسات الصين أو أساليبها، يبدو أنها استوعبت ذلك بقدر أكبر من الأهمية أكثر مما فعلته الولايات المتحدة. وبينما تغُط أمريكا في نومٍ عميق، أصبحت الصين المورد الأجنبي الثنائي الرائد للسلع العامة في أفريقيا، وآسيا الوسطى، وأجزاء أخرى كثيرة من العالم، مع إقراض مشروعات التنمية في تلك الدول، بما يتجاوز أيضًا قروض البنك الدولي. وسيكون هذا بدرجة لا يفهمها سوى قلة في الغرب بمثابة المجال الأكثر أهمية لمنافسة القوى العظمى في العقود المقبلة: التقاء الناس في أماكن إقامتهم، ومعالجة مشكلاتهم الفعلية التي تهيمن على جوانب حياتهم، وهي أمور مثل المساعدة في ربط الناس من خلال البنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة، وتوسيع الرخاء، وحماية البيئة. وصحيحٌ أن المواقف الخطابية القديمة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مهمة، لكن من الصعب تخيل ازدهارها دون هذه الأسس.

ساسة بوست 

تستهل الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية دعت الرئيس الصيني شي جين بينج لزيارة الرياض في مايو (أيار) 2022، وفقًا لمقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» نُشر في 14 مارس (آذار) 2022.

الصين والسعودية: تحالف جيوسياسي محتمل

وتلفت الكاتبة إلى أن خبراء في علاقات الشرق الأوسط يتوقعون أن تمثل هذه الزيارة خطوة إستراتيجية للمملكة نحو تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع شريكها التجاري القديم في الشرق. وستُشكِّل هذه الزيارة، في سياق الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا والتوترات المتنامية في العلاقات السعودية الأمريكية، تمهيدًا للتحالفات الجيوسياسية بين البلدين.

دولي

منذ أسبوع
الجار المزعج.. الصين تنازع جيرانها على مناطق حدودية في البر والبحر

بدأت علاقات السعودية مع الصين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي عندما رتبت المملكة سرًّا صفقة أسلحة مع الصين لدعم الأولى بأسلحة يمكن استخدامها للدفاع أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وتبادلت الصين صواريخ متوسطة المدى مع السعودية، في وقت لم تكن أي دولة غربية على استعداد للقيام بذلك. ومنذ إبرام صفقة الأسلحة هذه، حافظت الصين والسعودية على علاقات تجارية إيجابية.

ومع ذلك، فقد تحولت العلاقات بين الدولتين إلى حدٍّ كبير بعيدًا عن الأسلحة والأمن الإستراتيجي، واتجهت نحو التركيز على مجالي الطاقة والتجارة. وتُعد الصين حاليًا أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، والشريك التجاري الأكثر حيوية للسعودية، والتي تعد بدورها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وفقًا لمعهد بروكينجز.

توتر العلاقات مع أمريكا

وأوضحت الكاتبة أن زيارة شي جين بينج المحتملة للسعودية قد لا تبدو غريبة في ظل الظروف العادية، وذلك في ضوء العلاقات التاريخية بين البلدين. ومع ذلك، جذبت التوترات العالمية الأخيرة مزيدًا من الاهتمام إلى اجتماع الرئيس الصيني مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وعلى وجه التحديد، قد يكون لدور السعودية بوصفها وسيطًا محتملًا في الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا بحسب الكاتبة، جنبًا إلى جنب مع علاقات المملكة المتقلصة مع الولايات المتحدة، تأثيرات كبيرة على ما سينجم عن زيارة شي.

وكانت الولايات المتحدة طوال التاريخ الحديث الحليف السياسي الإستراتيجي الرئيس للسعودية. وقد استمر ذلك طوال فترة رئاسة دونالد ترامب، الذي دعم المملكة علنًا وحافظ على علاقة ودية مع ولي العهد محمد بن سلمان. ومع ذلك، خلال فترة رئاسة ترامب، ازداد ضغط منظمات حقوق الإنسان الغربية على الحكومة الأمريكية لممارسة ضغوط على النظام السعودي، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها المملكة. ففي ظل حكم الملك سلمان ونجله، الزعيم الفعلي، أطلقت السعودية تدخلًا عسكريًّا «كارثيًّا» في الحرب الأهلية اليمنية، والتي كان لها «خسائر مروعة في صفوف المدنيين ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة»، بحسب صحيفة «لوس أنجلوس تايمز».

تضيف الكاتبة: من المعروف أن القيادة السعودية تضطهد وتعاقب المعارضين السياسيين الذين يتحدثون علانية ضد نظامهم. ولعل المثال الأساسي والأكثر أهمية من الناحية السياسية على تلك الممارسة هو الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي، الصحفي الذي انتقد الحكومة السعودية علانية في مقالاته لصحيفة «واشنطن بوست». وردًّا على ذلك، تحدث الرئيس جو بايدن طوال حملته الانتخابية والانتخابات اللاحقة ضد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية، وخاصة ضد ولي العهد. وعندما سُئل بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عن مستقبل علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، بالنظر إلى الإجراءات الموضحة أعلاه، قال بايدن: «أوَدُّ أن أوضِح أنَّنا، في الواقع، لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم، بل سنجعلهم يدفعون الثمن، وسنجعلهم منبوذين».

وقد وفَّت إدارة بايدن بهذه الوعود السياسة. وكان المثال الأول على ذلك هو نشر إدارة بايدن لتقرير استخباراتي في عام 2021، والذي ربط ولي العهد بوفاة خاشقجي. وكذلك رفض بايدن التحدث مع ولي العهد وحاول فقط تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الملك سلمان. وبالإضافة إلى ذلك، وفقًا لتقرير صادر عن مركز ويلسون، أزال بايدن المتمردين الحوثيين في اليمن من قائمة المنظمات الإرهابية وعلَّق بيع الأسلحة «الهجومية» للحكومة السعودية. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة المشاركة في مبيعات الأسلحة للدولة السعودية.

ما وراء الاتجاه نحو الصين

ونوهَّت الكاتبة إلى أن تداعيات تدهور العلاقات بين واشنطون والرياض لم تتضح بعد، ومع ذلك، وفقًا لستيفن كالين، كبير مراسلي الشرق الأوسط لصحيفة «وول ستريت جورنال»، الذي يتابع العلاقات الأمريكية السعودية عن كثب، فقد يكون هذا الاتجاه هو دافع السعودية للتطلع إستراتيجيًّا نحو الصين.

وقال كالين، في ظهوره ضيفًا في بودكاست الأحداث الجارية الذي تبثه «وول ستريت جورنال»: «يشعر السعوديون بأن السياسة الأمريكية لا يمكن التنبؤ بها ومستقطبة لدرجة أنهم لا يستطيعون التأكد حقًّا مما إذا كانت الإدارة القادمة ستكون صديقة أو معادية لهم». وبالإضافة إلى ذلك، يقول كالين إن القيادة الصينية، التي تظل كما هي لفترات أطول من الزمن، تقدم خيارًا أكثر قابلية للتنبؤ للحكومة السعودية. ويرى كالين أنه وفي حين أن السعودية لن تتجاهل بالضرورة علاقتها الرئيسة مع الولايات المتحدة، فسيكون هناك دفعة متزايدة من أجل «تنويع» العلاقات الدبلوماسية.

وقد يكون هذا «التنويع» في العلاقات الخارجية مصدر قلق متزايد للمجتمع الدولي، لا سيما بالنظر إلى الأزمة الحالية في أوكرانيا. ووفقًا لمقال آخر نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، رفضت السعودية بالفعل الاصطفاف مع الولايات المتحدة، التي «أرادت حشد الدعم الدولي لأوكرانيا واحتواء الارتفاعات في أسعار النفط». وتُعد السعودية دولة محورية للمجتمع الدولي في هذه الأزمة، والأهم من ذلك أنها أكبر مصدر للنفط. ومع تعرض العالم لنقص كبير في الطاقة، وارتفاع أسعار الغاز، وتحديدًا في الولايات المتحدة، هناك ضغط متزايد من الدول الغربية على المملكة لإنتاج المزيد من النفط الخام، ذلك أن الدولة قادرة حاليًا على إنتاج أكثر من مستوياتها الحالية.

ومع ذلك، رفضت السعودية القيام بذلك، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة ريعية أخرى. والسبب الرئيس لذلك هو أن السعودية ترغب في الالتزام بالمبادئ التوجيهية التي حددتها منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك). وأقامت أوبك تحالفات في مجال الطاقة مع روسيا، مما دفع السعوديين لبناء علاقات أوثق مع الحكومة الروسية. وامتنعت كل من الصين والسعودية عن التوقيع على خطاب الأمم المتحدة الذي ينتقد الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن المحتمل جدًّا أنه إلى جانب التعاون الاقتصادي المتزايد بين هذه الدول، قد تبدأ التحالفات الإستراتيجية في التطور – والتي، إذا حدثت، ستكون تهديدًا متزايدًا للنفوذ الغربي في جميع أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك، رفض كلا جانبي التحالف السعودي الصيني إدانة كل منهما الآخر لانتهاكات حقوق الإنسان؛ ففي حين ارتكبت السعودية الفظائع الموضحة آنفًا، واصلت الصين الإبادة الجماعية لمسلمي الإيجور. ولم تتطرق الصين للانتهاكات في السعودية ولم تعاقبها عليها، وفعلت المملكة الشيء نفسه فيما يتعلق بالإبادة الجماعية المستمرة التي تمارسها الصين بحق مسلمي الإيجور. وقد تؤدي القوة الاقتصادية والسياسية المتزايدة لهذه البلدان، ولا سيما مع استمرار صفقات الأسلحة بين البلدين، إلى زيادة تفاقم هذه الأزمات.

دور أمريكا في المنطقة

وأشارت الكاتبة إلى أن الولايات المتحدة تعيد حاليًا تركيز تحالفاتها الإستراتيجية لتكون أكثر تركيزًا نحو آسيا، وتحديدًا مع الصين. وفرضت إدارة بايدن بالفعل عقوبات على الصين بسبب معاملتها لمسلمي الإيجور. وفي حين أن هذه الجهود، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على السعودية، هي خطوات في الاتجاه الصحيح بحسب تعبير الكاتبة، إلا أن هناك مسألة أكبر تؤثر في النتيجة. فطوال هذه الفترة من العقوبات والسياسة ضد السعودية، انتقد عديد من السعوديين الدور التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعلى وجه التحديد، ألقى السعوديون باللوم على التدخل الغربي في عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الكبير داخل المنطقة.

تاريخ

منذ شهر
الدولة السعودية الثانية.. حين أطاحت «الحرب الأهلية» بعرش آل سعود

وتضيف الكاتبة: بعد انسحاب القوات الأمريكية من كابول في عام 2021، هناك شعور متزايد لدى أولئك الذين يعيشون في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة قد تخلت عن المنطقة بوصفها شريكًا إستراتيجيًّا. وقد يكون هذا سببًا آخر لقيام دول مثل السعودية بالانتقام من الولايات المتحدة عبر التحالفات الجيوسياسية.

وتختم الكاتبة تقريرها فتقول: بعد زيارة شي المرتقبة للسعودية، سيكون لدى إدارة بايدن نظرة ثاقبة على مستقبل التحالفات الجيوسياسية بين الدول الشرقية. ومن الضروري أن تواصل الولايات المتحدة معاقبة تلك الحكومات على الجرائم الإنسانية التي ترتكبها، ولكن من الضروري كذلك أن تصون العلاقات الدبلوماسية للحفاظ على الانخراط طويل الأمد في كل من منطقتي الشرق الأوسط وآسيا. وهذا يمثل أهمية كبيرة على وجه التحديد فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وذلك لأن بناء علاقات أفضل مع السعودية قد يمنع المزيد من التحالفات الجيوسياسية للمملكة مع روسيا، وذلك لمنع المزيد من الدعم الاقتصادي لغزوها.

ساسة بوست 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …