مدير مركز أبحاث صيني : العولمة لم تمت كما يزعم البعض ولم تصبح أكثر أمريكية بل أكثر تكيفاً مع الاحتياجات الوطنية

القدس العربي :

نيويورك – د ب أ :

شهد العالم أحداثا مهمة متتالية، بداية من الأزمة المالية العالمية (2008-2011) مروراً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسِت)، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، ثم حرباً تجارية وجائحة لم تغادرنا، وأخيراً الحرب في أوكرانيا.
هذا الأحداث الكبيرة وذات التداعيات واسعة النطاق أثارت سيلاً من الآراء والمزاعم بأن العولمة ماتت.
غير أن الدكتور وانغ هوي ياو، مدير «مركز أبحاث الصين والعولمة»، لا يرى ذلك. ويقول «على الرغم من ان الجميع، ابتداء من كتاب الأعمدة في الصحف إلى نجوم وول ستريت، مثل لورانس فينك رئيس مؤسسة بلاك روك، وهوارد ماركس الشريك المؤسس لمجموعة أوكتري كابيتال، يقولون أن عهد التجارة العالمية والروابط المالية الموسعة قد انتهى، إلا أن مثل هذه المزاعم لا تتوافق مع الواقع العملي الذي يراه الكثير منا، خاصة في آسيا».
ويضيف هوي ياو في مقال رأي نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء «على العكس، يبدو أن عالمنا أصبح أكثر ترابطاً وتواصلاً . ففي العام الماضي، سجلت التجارة العالمية 28.5 تريليون دولار، بزيادة سنوية بلغت 25% وبارتفاع بنسبة 13% عن عام 2019، قبل حدوث الجائحة. ورغم كل ما قيل عن فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين، زاد حجم التجارة بين الدولتين أكثر من 20% العام الماضي، ليبلغ 687 مليار دولار. وحتى رغم الحرب التي تشهدها أوكرانيا، من المتوقع أن تسجل التجارة العالمية ارتفاعا في 2022، رغم أن ذلك سيكون بوتيرة أبطأ».
ويرى هوي ياو أن الاستثمارات عبر الحدود فاقت مستويات ما قبل الجائحة العام الماضي، حيث بلغت 1.65 تريليون دولار. كما أصبحت الصين، بوجه خاص، أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي عن ذي قبل.
ففي عام 2021، ارتفعت تدفقاتها بنسبة الثلث لتسجل 334 مليار دولار، وهو أعلى رقم يتم تسجيله حتى الآن. وفي الربع الأول من هذا العام ، زادت بأكثر من 25% عن الفترة المقابلة في العام السابق.
ومع أن معدل تعافي قطاع السفر كان أبطأ، وأن حجم التجارة الدولية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي العالمي منذ بلوغه ذروته في عام 2008 تعرض لبعض الانخفاض، إلا أن العولمة شهدت تطوراً وازدياداً.
ويقول هوي ياو، الذي يقوم بأدوار استشارية متعددة من بينها منصب مستشار لمجلس الدولة الصيني، أن الحركة العالمية الشهرية لمرور البيانات زادت أثناء الجائحة، ومن المتوقع أن تصل إلى780 إكسابايت بحلول عام 2026.
ويضيف «نحن الآن غارقون في مجال عالمي للصور والأفكار أكثر من أي وقت مضى. وهناك مليارات الأشخاص يشاهدون ما وصفته صحيفة نيويوركر بـ» أول حرب تيك توك» تتم عبر صور الأقمار الاصطناعية والبث المباشر الحي من المدنيين والعسكريين. فقد استفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من تكنولوجيات العولمة الرقمية، واجتذب العالم بمقاطع فيديو السيلفي، وخاطب العديد من برلمانات العالم عن طريق منصة الزوم ، وهو أمر كان من الصعب تصوره قبل الجائحة».
ويتساءل هوي ياو «لماذا إذن ما زال كثير من الخبراء يعتقدون أن العولمة تحتضر؟». ويجيب بالقول «يبدو من ناحية أنهم يركزون على مجموعة معينة من الأفكار الليبرالية الجديدة التي تتركز في الولايات المتحدة بشأن العولمة التي سادت بعد الحرب الباردة. وهناك اعتقاد أساسي هو ما يصفه كاتب العمود في نيويورك تايمز ديفيد بروكس بـ+تقارب العولمة+. والفكرة هي أنه كلما أصبحت الدول أكثر عولمة وتطورا، كلما أصبحت +مثلنا في الغرب+».
ويضيف «الواقع أنه وفقا لما ذكره الباحثون هيثر بيري، وماورو جولين، وارون هيندي في دراسة استشهد بها بروكس فإنه طوال نصف القرن الماضي ، لم تتطور الدول الوطنية في النظام العالمي بشكل كبير لتصبح أقرب (أو أكثر مماثلة) كل منها للأخرى وفق عدد من الأبعاد».
وفي رأيه فإن العولمة لم تؤد إلى إضفاء الطابع الأمريكي على الدول، بل على العكس أصبحت العولمة أقل «أمريكية».
فبينما كانت الولايات المتحدة على رأس التجارة العالمية قبل عام 2000، فإن ثلثي دول العالم تتاجر مع الصين. ومنذ أن أدار ترامب ظهره لاتفاق التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادىء ومنظمة التجارة العالمية، انتقل ثقل التحرر التجاري الدولي إلى الصين.
وبالنسبة للمالية العالمية، فإنه رغم أن الدولار ما زال هو الأعلى منزلة، فإن نصيبه من احتياطي العملات العالمية انخفض من 70% عام 2000 إلى 59% في 2020. كما أن العقوبات تعجل بجهود روسيا وغيرها من الدول لإيجاد بدائل للدولار الأمريكي ونظام «سويفت» المصرفي للتعامل ببين البنوك. وفي المجال الثقافي يرى الباحث الصيني أن ثقافة البوب الأمريكية تواجه منافسة متزايدة من بدائل لها مثل بوليوود (السينما الهندية)، وكيه- بوب، والسلسلات التركية. ويشير إلى أنه في العام الماضي، كان العرض الأكثر شعبية على شبكة نيتفليكس كورياً جنوبياً، بينما كان التطبيق الأكثر تنزيلاً (تيك توك) وأكبرمتاجر الموضة
(شين) صينيين. وهكذا، فإنه رغم أن التدفقات العالمية مستمرة في الزيادة، فإنها أقل نسبيا حاجة للوساطة من جانب واشنطن، وول ستريت، وهوليوود.
ويضيف أنه في أنحاء العالم تهتم الحكومات بكيفية إمكانية تهديد العولمة للأمن القومي، ومصالح المواطنين، والبيئة. ولتخفيف هذه المخاطر وجعل العولمة أكثر قبولا، يتحول الكثيرون الآن من سياسات التحرير الاقتصادي على الطريقة الأمريكية إلى نهج أكثر عملية بالنسبة لـ»العولمة التي يمكن التحكم فيها».
ويعتبر الاتحاد الأوروبي رائداً في هذا الصدد، حيث يتبنى قواعد جديدة بالنسبة للتدفقات عبر الحدود مثل لائحة حماية البيانات العامة والضريبة المقبلة لتعديل الحدود الخاصة بالكربون.
ويمكن القول إنه حتى الولايات المتحدة تدفع الآن لاتخاذ إجراءات أكثر وقائية لإدارة التدفقات عبر الحدود، مثل وضع حد أدنى عالمي لمعدل ضريبة الشركات على الشركات متعددة الجنسيات .
وأخيراً يقول هوي ياو أن هذا يبشر بنهج أكثر تحكماً بالنسبة للعولمة يأخد في اعتباره المرونة طويلة الأمد والحقائق السياسية. ويضيف «لقد دخلنا مرحلة من التكامل العالمي الذي تدفعه قوى جديدة، تكامل سيكون أكثر تنوعا وأكثر قابلية للتحكم فيه مما كان سائدا من قبل».

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …