رصيف 22 :
هانم الشربيني
برز دور الصحافة المصرية في التمهيد لثورة 1952 من خلال المعالجة النقدية للمشكلات الاجتماعية التي برزت خلال الفترة الممتدة من عام 1945 – وما سبقها من معارك في الثلاثينيات – إلى عام 1952، حتى أصبح النشاط الصحافي مزعجاً للقائمين على الإدارة وأنظمة الحكم، وهو ما أدى إلى إزعاج مقابل مارسته أنظمة الحكم على إدارات الصحف، وكثيراً ما أفضى إلى إنذارات وصلت للأخيرة مرات متتالية ثم مصادرتها في نهاية المطاف.
أسباب المصادرة ووسائلها
في دراسته المهمة “صحف مصادرة في مصر حتى 1952″، يرصد الباحث هشام عبد العزيز مصطلح المصادرة، فيكتب: “دارت معاني المصادرة في كتب التاريخ العربي الإسلامي حول أخذ الممتلكات من بعض المغضوب عليهم من أموال أو خيل أو سلاح، وهي الدلالة التي لم تختف تماماً عن الأدبيات العربية، فما زالت كلمة المصادرة تستخدم حتى الآن بالمعنى نفسه”.
لكن اللافت أن قوانين الصحافة المصرية قبل عام 1952 ومحاضر وزارة الداخلية أو تحقيقات النيابة العائدة لتلك الفترة أو الأدبيات الصحافية، لم تستخدم مصطلح المصادرة بل كان الأكثر وروداً مصطلحا “تعطيل” أو “إلغاء” ومجموعة أخرى من المصطلحات القانونية مثل إنذار أو توقيف مؤقت مدة محددة، وهو ما يشير إلى سوء السمعة المرتبط بمصطلح المصادرة على الرغم من كثرة حدوثه.
وبعدما رصد تطور وسائل المصادرة منذ الثورة العرابية حتى عام 1952، يشير عبد العزيز في دراسته إلى أن أسباب المصادرة وأساليبها متعددة، فتوقف الصحف عن الصدور آنذاك لم يكن بسبب المصادرة في جميع الأحوال، فهناك صحف توقفت بسبب نزاع على الملكية بين الورثة مثلاً، وهو ما حدث مع “جريدة اللواء” الناطقة آنذاك باسم الحزب الوطني، والتي تنازع على ملكيتها ورثة مصطفى كامل.
وهناك صحف توقفت لانتهاء الدور المنوط بها مثل “جريدة الطائف” لعبد الله النديم.
من ناحية أخرى، قد تكون صحيفة ما طرفاً في المصادرة، وهو ما كانت تستغله الحكومات أحياناً لتحقيق مآربها، كما حصل مع “روز اليوسف” وفق ما روته فاطمة اليوسف في كتابها “ذكريات”. وفي الكتاب، تحدثت فاطمة عن الخلاف بين مجلتي “روز اليوسف” و”السياسة” التي رفع على إثرها إبراهيم عبد القادر المازني دعوى جنحة مباشرة أمام محكمة عابدين على “روز اليوسف”، فكان أن أصدر القاضي حكماً بالحبس خمسة أشهر وغرامة 500 جنيه مع النفاذ.
روز اليوسف
ويرى الباحث أن لمصادرة الصحف بشكل عام ظروفاً ترافقها، فأوقات الحروب هي أكثر الحالات التي يتم فيها تقييد الحريات الصحافية، كما أن الثورات الشعبية تعطي السلطة مناخاً مناسباً لفرض الرقابة على الصحف، والفترات التي تشهد تحولات نوعية في المجتمع كحقبة تدشين دستور 1923 أو معاهدة 1936 وما تلاها قبل عام 1952.
صحف مصر عند قیام ثورة یولیو
يرصد المؤرخ رؤوف عباس التطور التنظيمي للصحافة في بحثه المنشور تحت عنوان “تاريخ الصحافة المصرية” في مجلة أحوال “مصرية”. ويقول: “حتى الربع الأول من القرن العشرین (على أقل تقدیر)، كان الأمر لا یحتاج إلا إلى قدر محدود من المال لإصدار صحیفة، رأسمال یكفي لتأجیر مقر للجریدة، ثم تعاقد مع إحدى المطابع التجاریة لطباعتها، والاعتماد على أكبر عدد ممكن من المشتركین یجري إرسالها إلیهم، وطرح جانب منها للبیع من خلال بعض المتعهدین”.
المواقع المحجوبة في مصر… أرقام وقصص عن قمع حرية الصحافة
بعد ثورة عرابي… هكذا انتزع “الأفندية” زعامة الحركة الوطنية من المشايخ
نهضة الصحافة المصرية لم تحدث إلا على يد أهل الشام
عام 1942، صدر العدد الأول من مجلة “الإخوان المسلمون”، وكان لجماعة الإخوان صحفها كما كان للحركة العمالية صحفها، وكانت أبرز المنظمات المعنية بالعمال منظمة “الشرارة الشيوعية”.
هذا الأمر، یفسر وفقاً لعباس هذا العدد الكبیر من الصحف التى حصل أصحابها على تراخیص بإصدارها، إذ تجاوز عدد التراخیص التي صدرت في عهد الاحتلال الثلاثمائة دوریة لم یعمّر بعضها طویلاً، وبلغ عدد الصحف المرخص لها في مصر عند قیام ثورة یولیو ما یزید على المائة صحیفة.
ومع التطور الذي كان يشهده هیكل الصحافة كان ثمة تطور آخر مواز له في تكوین الكوادر الصحافیة وفي النظرة الاجتماعية لمن يحترف العمل الصحافي، فبعدما كان المشتغل في الصحافة (حتى مطلع القرن العشرین) يُعتبر إنساناً عجز عن الحصول على وظیفة محترمة بينما اعتُبرت وقتذاك مهنة “الجُرنالجیة” من المهن الدنیئة (كما جاء في حیثیات حكم المحكمة الشرعیة في قضیة زواج الشیخ علي یوسف من بنت الشیخ السادات)، أصبحت الصحافة تجتذب حملة الشهادات العلیا وكبار المثقفین من أمثال أحمد لطفي السید، ومحمود عزمي، وطه حسین وغیرهم من الأدباء والمبدعین.
الصحافة في عهد الملك فاروق
كانت الصحافة عاملاً مهماً في تحويل وجهة الناس من الماضي إلى الحاضر بإلحاحها الشديد والمستمر والدوري على المشكلات اليومية سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية.
وترسخ هذا الجو بعد معاهدة 1936 ثم تعرض لانتكاسة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1939، لكنه عاد بقوة بعد انتهائها، وكانت الصحافة هي السلاح الماضي في ترسيخ قيم الصعود والتغيير.
يروي الباحث هشام عبد العزيز: “شهدت تلك الفترة، خصوصاً بعد انتهاء الحرب، رواجاً صحافياً دفع بكثيرين للدخول في عالم الصناعة الصحافية، وكان منهم لاعبون قدامى في الملعب الصحافي أمثال بديع خيري الذي بدأ بإصدار جريدة الاستقلال في 17 نيسان/ أبريل 1937، وقد بدأت هذه الصحيفة وفدية الطابع، لكنها ما لبثت أن انقلبت على الوفد في كانون الثاني/ يناير 1938”.
كان الأمر بالمصادرة يتم عبر الهاتف، وهكذا واجهت الحكومات الصحف، لا فرق في ذلك بين حكومات وطنية أو غيرها، ولا فضل لصحيفة موالية للحزب الحاكم أو معادية له، ومن أبرز هذه المضايقات ما فعله “الوفد” مع “روز اليوسف” بعد تشكيل حكومة النحاس
وفي 29 آب/ أغسطس عام 1942، صدر العدد الأول من مجلة “الإخوان المسلمون”، وكان لجماعة الإخوان صحفها كما كان للحركة العمالية أيضاً صحفها، ومأبرز المنظمات المعنية بالعمال منظمة “الشرارة الشيوعية” التي تحدت الإجراءات الحكومية العنيفة في المصادرة.
ومن الصحف التي أصدرتها “الشرارة الشيوعية” كانت “صحيفة الجماهير” التي صودر عددها الأول. كان ذلك في السابع من نيسان/ أبريل عام 1947، ومن التقارير الصحافية التي ساهمت في مصادرة هذا العدد تقرير بعنوان “الصحافة في مصر تختنق”، إذ أورد خبر أن السنة في أواخر 1946 وبداية 1947 شهدت مئة وعشرين تحقيقاً مع ثلاثين صحيفة.
وقتذاك، كان الأمر بالمصادرة يتم عبر الهاتف، وهكذا واجهت الحكومات الصحف، لا فرق في ذلك بين حكومات وطنية أو غيرها، ولا فضل لصحيفة موالية للحزب الحاكم أو معادية له، ومن أبرز هذه المضايقات ما فعله “الوفد” مع “روز اليوسف” بعد تشكيل حكومة النحاس في 10 أيار/ مايو 1936، وقاد هذه المضايقات محمود النقراشي الذي كان وزيراً للمواصلات إذ قرر قطع إعلانات سكك الحديد عن روز اليوسف، فيما كان يوزع هذه الإعلانات على الصحف الأخرى.
وإذا كان ذلك هو تصرف الوفد مع أبرز الصحف الموالية له، فلا غرابة في ما فعله أحمد حسنين معها حينما كان يقف وراء عدم رجوع الوفد إلى الحكم عامي 1941 و1942، على الرغم من كونه حزب أغلبية.
أحمد حسنين
تقول فاطمة اليوسف في مذكراتها إنها كتبت وقتذاك مقالاً تشير فيه إلى خطأ أحمد حسنين وإهداره كرامة القصر والوفد والوطن كله، مشيرة إلى أن “رئيس الديوان وظيفته أن يكون كالمنظار المكبر يرى الحوادث قبل أن تقع، وكانت الرقابة مفروضة على الصحف، فعرض المقال على أحمد حسنين فأمر بعدم نشره”.
أما عام 1945، فقد أقدمت حكومة النقراشي على اعتقال إحسان عبد القدوس بسبب مقال كتبه في “روز اليوسف” ضد اللورد كيلرن، كما صادرت المجلة.
إسماعيل صدقي
وفي 10 تموز/ يوليو عام 1946، وبعد أن تولى إسماعيل صدقي الحكومة بخمسة أشهر وقبل أن يتركها بخمسة أشهر، كانت الحريات العامة في مصر كلها على موعد مع ضربة قاصمة إذ جرى اعتقال مئتي صحافي، وإغلاق صحف “الفجر الجديد” و”الجبهة” و”أم درمان” و”اليراع” و”الضمير” و”الوفد المصري”، وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 1947 أغلقت وزارة النقراشي مجلة الإخوان المسلمون.
أشهر الصحف التي صُودرت
يرصد عبد العزيز في بحثه أهم الصحف التي صُودرت:
جريدة الجبهة
جريدة أسبوعية سياسية اجتماعية عمالية جامعة، كان صاحب امتيازها ورئيس تحريرها محمد زكي أبو الخير الذي اختار شعاراً للصحيفة هو “لسان حال الشباب الحر الجريء”.
وكانت تصدر منذ عام 1944 باسم “العلمين”، بتوجيهات عمالية، ثم ما لبثت أن طلبت الحكومة تغيير اسمها إلى “الجبهة” لدواع أمنية، على ما يبدو، وهو ما عثرنا عليه مصادفة في العدد الأول للصحيفة بعد تغيير اسمها، إذ كتب رئيس مجلس المطبوعات على جانب الصفحة الأولى من العدد الأول: “كانت هذه الجريدة تصدر باسم العلمين وقد حرصت الوزارة تغيير اسمها باسم الجبهة”.
تعرضت جريدة الجبهة لكثير من المضايقات الأمنية في الفترة المتبقية من الحرب العالمية الثانية لتبنيها القضايا العمالية، وهو ما جعلها تعنون عددها في 15 شباط/ فبراير عام 1945 “حسبنا من الضمير رقيباً” الذي يشير فيه أبو الخير إلى اجتماع عقده رئيس الوزراء أحمد ماهر للتخفيف من حدة الرقابة على الصحف.
“استمدت ثورة يوليو مبادئها من المفاهيم التي عكستها الصحافة قبل عام 1952، وهكذا نفهم لماذا كان يتم تفتيش مقارّ بعض الأحزاب واعتقال صحافيين ومصادرة صحف”… لماذا قُمعت الصحف وصودرت في عهد الملكية؟
وفي اجتماع رئيس الوزراء مع رؤساء تحرير الصحف اليومية والأسبوعية العربية والأجنبية ووكيل وزارة الداخلية حسن رفعت باشا، ومدير إدارة الرقابة الدكتور محمد عوض محمد، شدد وكيل وزارة الداخلية حسب ما رصدته الجبهة على أن “تمتنع الصحف عن نشر كل ما من شأنه الضرر بمصالح مصر أو حلفائها، وتجنب إثارة الموظفين أو منعهم من القيام بواجبهم، أو ما من شأنه الحض على كراهية الأنظمة الحكومية أو الدستورية القائمة بمصر، أو الدعاية للآراء والمذاهب الهدامة”.
الجماهير
صحيفة أسبوعية سياسية أصدرها أحد المحامين المهتمين بالحركة السياسية في مصر في الأربعينيات هو محمود النبوي. لم تستمر أكثر من عام، وكانت لهجتها متشددة. وصودر عددها الأول، وهذا كان أمراً نادر الحدوث.
صحيفة الكتلة
كانت تصدر عن حزب الكتلة الذي أسسه وأسس صحيفته مكرم عبيد باشا بعد انفصاله عن حزب الوفد. صدرت عام 1944 لتكون لسان حال الحزب، وتعرضت للمصادرة مرتين في تلك الفترة.
ومن أشهر المرات التي تعرضت فيها هذه الصحف للتضييق والمصادرة، ما حدث في آذار/ مارس 1946 إبان وزارة إسماعيل صدقي الثانية عندما فرض الرقابة على الصحافة الوفدية، وفي عدد 12 آذار/ مارس 1946 نشرت “البلاغ” خبراً صغيراً على صفحتها الثانية تحت عنوان “قضية البلاغ أمام محكمة النقض والإبرام”، جاء فيه: “أصدرت محكمة النقض والإبرام اليوم حكمها في الطعن المقدم ضد حكم محكمة الجنايات القاضي بحبس الأستاذ محمد عبد القادر حمزة والأستاذ إسماعيل عبد المولى ستة أشهر وتعطيل البلاغ لمدة شهر. ويقضي هذا الحكم برفض الطعن”.
بيان نقابة الصحافيين ضد المصادرة
بعدما شمل التضييق جميع العاملين في الصحافة على اختلاف انتماءاتهم، بعثت نقابة الصحافيين برسالة إلى رئيس الوزراء والنائب العام، في تدخل اعتُبر الأبرز من جهتها في سياق الدفاع عن المنتسبين إليها ضد الحكومة، منذ تأسيس النقابة.
وجاء فى الرسالة: “يتشرف مجلس نقابة الصحافيين أن يبلغ دولتكم أنه تلقى شكاوى من إدارات صحف المصري والبلاغ والوفد المصري بأن الحكومة فرضت عليها رقابة أشد وأدهى من الرقابة التي كانت مفروضة على الصحف أثناء الأحكام العرفية، لسبب ظروف الحرب، منها أن الحكومة تبعث بأحد موظفيها إلى الصحف قبل الطبع أو في أثناء الطبع ليطلع على ما سوف ينشر، فإذا ما تم طبع النسخة الأولى ورأى فيها ما يخالف التعليمات المبلغة إليه هو من رؤسائه استعان بالنيابة للمصادرة أو عطل التوزيع بمختلف الأساليب والإجراءات حتى يتلقى التعليمات ثم يصادر النسخ المطبوعة منها، مهما كان عددها، حتى أنه أحرق من نسخ جريدة المصري من أحد الأعداد أكثر من ستة عشر ألف نسخة”.
وتابعت الرسالة: “في بعض الظروف تضطر الصحيفة إلى تغيير الصفحات التى كانت معدة للطبع لتفادي المصادرة. والنتيجة أن هذه الإجراءات عبارة عن رقابة أدهى من الرقابة الرسمية التي كانت مفروضة على الصحف بمقتضى الأحكام العرفية، إلا أن تلك كانت تشرف على مسودات قبل الشروع في الطبع، وهذه تفرض على الجريدة بعد طبعها وإعدادها للتوزيع، فتتأثر بذلك من جهة التوزيع والإعلانات والارتباطات القانونية، فضلاً عن النفقات الفادحة التى تتكلفها الصحيفة أو تضيع عليه من جراء المصادرة”.
خلافات حادة بين الصحافيين ورجال السياسة
يقول أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان عاصم الدسوقي لرصيف22: “حدث تطور نوعي في العمل المهني، وهو الأهم الذي أفرزته هذه المرحلة من تاريخ الممارسة السياسية والصحافية قبل 1952. لذلك كانت الرقابة شديدة على الصحف وكانت بعض الصحف تصدر وبها مساحات بيضاء، لأن الرقيب ألغى بعض موادها ولم يوضع مواد مكانها”، لافتاً إلى أن “صحف اليسار تحديداً كانت تتميّز بالجرأة الشديدة مثل جريدة الأهالي التي كانت تنتقد الوضعين الاجتماعي والسياسي، وكذلك صحيفة الحساب اليسارية”.
إحسان عبد القدوس
ووفقاً للدسوقي، فقد “شهدت تلك الفترة إرباكاً حزبياً، إذ طفت على السطح السياسي بين عامي 1936 و1952 مجموعة كبيرة من الخلافات الحزبية، كان لحزب الوفد النصيب الأكبر منها”.
“كان التقييد العام لكل الصحف من دون تمييز، إذ لم تفرّق الحكومات التي تولت أمور البلاد منذ منتصف الأربعينيات بين جريدة مصر الفتاة وجريدة الوفد المصري أو بين الفجر الجديد اليسارية والإخوان المسلمين”.
ويقول الدسوقي: “هذه الخلافات ظهرت في بداية الأمر متسلحة بالصحافة لإبراز وجهات نظرها، لكنها لاحقاً كشفت عن عداء شديد لحرية إبداء الرأي، وهذا ما ولّد خلافات حادة بين الصحافيين ورجال السياسة، كما حدث مثلاً بين النحاس وقاسم جودة رئيس تحرير مجلة الرأي العام، أو بين النحاس ومكرم عبيد من جهة وروز اليوسف من جهة أخرى، في الخلاف الشهير في منتصف الثلاثينيات، أو بين العقاد والوفد. وهو ما كانت نتيجته انقسامات متكررة في الأحزاب أدت إلى إضعافها جميعها”.
إسماعيل صدقي والعداء للصحافيين
“بقي العيب في الذات الملكية يُعتبر جريمة، وكان التقييد عاماً على كل الصحف من دون تمييز، إذ لم تفرق الحكومات التي تولت أمور البلاد منذ منتصف الأربعينيات بين جريدة مصر الفتاة وجريدة الوفد المصري أو بين الفجر الجديد اليسارية والإخوان المسلمين، وكانت الوزارة التي تتحمل الجزء الأكبر في ترسيخ هذا المفهوم وزارة إسماعيل صدقي الأخيرة التي تشكلت في 17 شباط/ فبراير عام 1946 وبقيت حتى 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه”، يضيف الدسوقي.
مكانة الصحافيين في تلك المرحلة
يلفت أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان علي بركات في حديثه لرصيف22 إلى أن “الصحافيين حظوا بمكانة مهمة في تلك المرحلة واتفقت صحف اليسار والإخوان على الحديث عن العدالة الاجتماعية، فكتبت صحف الإخوان عن العدالة في الإسلام، وركزت الصحف على القضايا الاجتماعية إذ كان التفاوت الطبقي على أشده بعدما تركزت الملكية الزراعية في أيدي كبار الملاك ووصل الأمر إلى أن حمل الفلاحون السلاح ضدهم”، معلقاً “استمدت ثورة يوليو مبادئها من المفاهيم التي عكستها الصحافة قبل عام 1952، وهكذا نفهم لماذا كان يتم تفتيش مقارّ بعض الأحزاب واعتقال صحافيين ومصادرة صحف”.