بغداد ـ «القدس العربي»:
عدّ قضاة عراقيون جرائم “الإتجار بالنساء” بأنها “المصدر الثالث” للربح غير المشروع من الجريمة، بعد تجارة المخدرات والسلاح. وفيما أشاروا إلى خطورة تورط موظفين حكوميين يعملون في ملاجئ القاصرات أو في المؤسسات الاجتماعية والتربوية بمثل هكذا جرائم، أكدوا إن أغلب ضحايا الإتجار بالبشر هم من النساء ممن يعانين أوضاعا اقتصادية متدنية، ويفتقرن إلى الموارد المالية ولا يملكن دخلا ثابتا.
ويقول القاضي رائد حسن، لإعلام مجلس القضاء الأعلى، إن “خطورة هذه الجريمة تكمن في كونها أحد أنشطة عصابات الجريمة المنظمة، وهو نشاط يدر ملايين الدولارات على حساب كرامة الإنسان وإيذاء جسده ونفسه ويصل في بعض الأحيان إلى الموت الحقيقي، ونظرا لخطورته فقد أولته الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية والمنظمات الوطنية غير الحكومية والجمعيات الاهلية اهتماما بالغا”.
وأضاف أن “هذه الجريمة تعد المصدر الثالث للتربح غير المشروع أو التربح من الجريمة، وذلك بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح حيث يرتبط الإتجار بالنساء بعدة أسواق هي دول العرض ودول الطلب ودول المعبر والتي تعد حلقات مترابطة ببعضها”، لافتاً إلى أن “دول العرض دورها قائم على تصدير الضحايا وقد تكون دولاً فقيرة وتعاني من أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أما دول الطلب فهي تعد دولاً مستوردة لهؤلاء الضحايا وغالبا ما تكون دولاً غنية وذات مستوى اقتصادي عال، أما دول المعبر فهي تعتبر الوسيط بين الدول المصدرة والدول المستوردة حيث تعد المكان أو مركز تجمع لهؤلاء الضحايا تمهيدا لنقلهم إلى الدول المستوردة”.
وأشار إلى أن “هناك دوافع عدة لقيام النساء ببيع أنفسهن ومنها الفقر والرغبة في الحصول على مستوى معيشي أفضل في مكان آخر، فغالبية ضحايا الإتجار بالنساء ممن يعانين أوضاعا اقتصادية متدنية ويفتقرن إلى الموارد المالية ولا يملكن دخلاً ثابتاً”.
وعن هذه الجريمة في العراق يتحدث القاضي رائد حسن عن “تعدد صورها وأنماطها وتطورها في اتجاه تصاعدي، فيمكن انتقال الضحية من محافظة إلى محافظة أخرى بهدف الابتعاد والتخفي عن أعين الأجهزة الرقابية والظهور بمظهر الإنسان السوي بغية استغلالها في ممارسة أنشطة غير مشروعة في تلك المحافظة أو لغرض ممارسة الجنس بعيدا عن أنظار زوجها وذويها”.
ويسرد تفاصيل إحدى الحوادث قائلاً: “وردتنا شكوى من قبل أحد الاشخاص يدعى (أ) الذي بيّن أثناء تدوين أقواله أن زوجته (ب) خرجت من الدار ولم يتم العثور عليها، وخلال متابعة الموضوع تبين أن أحد الأشخاص المدعو (س) سلم الزوجة (ب) إلى امرأة تقوم بممارسة السمسرة على البنات، ومن خلال المتابعة وتعقب المتهمين في الدعوى القي القبض على الزوجة والمتهمة التي تقوم بدور السمسرة إضافة إلى الشخص الثالث الوسيط في هذه الجريمة والتي اعترفوا فيها بجريمة ممارسة الدعارة لقاء مبالغ مالية”.
ويروي قصة أخرى قامت فيها الأم ببيع ابنتها بعمر (ثمانية أشهر) وبعد تتبع هذه القضية من قبل القاضي المختص والجهات الأمنية تم القبض على المتهمة (الأم) بعد كمين نصب لها على إثر قيامها ببيع ابنتها بمبلغ أربعة ملايين دينار (نحو 2.500 دولار) اذ بررت الأم بيع ابنتها بأنه نتيجة حالتها المعيشية”.
وتابع أن “هذه التجارة تشكل خطورة على مستقبل الأجيال القادمة”، مستعينا بالأرقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي وصلت فيها أعداد الضحايا النساء الذين يتم استغلالهن لأغراض الجنس بنسبة 98 في المئة من مجموع ضحايا الإتجار بالبشر، فضلا عمن يتم الإتجار بهن في داخل بلدانهن لأغراض الدعارة أو العمل القسري، وهذه التجارة بطبيعتها تهدر كرامة الإنسان وتستغل أوضاع الفقر العالمي، وقد أصبحت نوعا من الاسترقاق المعاصر لضحايا أجبروا أو أوقع بهم أو أكرهوا على العمل”.
وأشار القاضي إلى أن “هناك مجموعة من الصور المستحدثة للإتجار بالنساء منها (تجارة الأعضاء البشرية) كبيع (الكلى والكبد والقرنية)، و(إنشاء أو إدارة مواقع إلكترونية بقصد الترويج للإتجار بالنساء) إذ سهلت هذه الشبكة الإلكترونية عمليات تجنيد النساء واستغلالهن جنسيا سواء في الدعارة أو عمل أفلام فيديو أو باستخدام التقنية الرقمية.
فيما بيّن أن “هناك من يستغل وظيفته للإتجار بالنساء مثل موظفة الشؤون الاجتماعية المشرفة على ملاجئ القاصرات أو العاملين في المؤسسات الاجتماعية والتربوية، إذ يستغل الموظف أو المكلف وظيفته في إجبار أو خداع النساء أو استغلال ضعفهن وحاجتهن للعمل أو الحاجة المادية وبأي وسيلة كانت تسهل قصد الإتجار بهن”، موضحا أن ” قانون الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 هو الذي يطبق على جرائم الإتجار بالنساء، اما العقوبات فإنها كما منصوص عليها في المواد 5 و6 و7 و 8 و9 وبحسب نوع الجريمة وجسامتها”.
واضطلع القضاء العراقي بدور هام في تجريم هذه الظاهرة وخصوصا ظاهرة الاعتداء على النساء (الإيزيديات) بعدما كيف الفعل المرتكب وفقا لأحكام المادة “الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب” باعتباره القانون الأشد الذي ينطبق على الواقعة وثبوت انتماء المجرمين فيها لتنظيم “الدولة الإسلامية”.