يمهد تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا الطريق لتعاون مربح في مجال الطاقة. وقد جددت زيارة الرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوج” إلى تركيا في مارس/آذار الماضي المناقشات المتعلقة بمشروع خط أنابيب الغاز بين تركيا وإسرائيل وسط كارثة أمنية هائلة في أوروبا ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبينما تواجه أوروبا تحديات غير مسبوقة في مجال أمن الطاقة وتبحث بشدة عن موردين بديلين وموثوقين، تتطلع الدول الأوروبية إلى خط أنابيب الغاز التركي الإسرائيلي كبديل لإمدادات الطاقة الروسية.

وقال الرئيس “رجب طيب أردوغان” في وقت سابق، إن “التعاون في مجال الغاز هو أحد أهم الخطوات التي يمكن لتركيا وإسرائيل العمل عليها فورا”، وأكد أنه “مستعد لإرسال وزراء كبار إلى إسرائيل لإحياء فكرة خط الأنابيب التي ظلت معلقة لسنوات”.

وناقشت أنقرة وتل أبيب المشروع منذ فترة طويلة وتوصلا سابقًا إلى اتفاق. ومع ذلك، فشل المشروع في اللحظة الأخيرة بسبب خلافات أنقرة العميقة مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “بنيامين نتنياهو”.

نتيجة لذلك، وقعت حكومة “نتنياهو” اتفاقية مع قبرص واليونان في عام 2020 لإنشاء خط أنابيب غاز جديد بطول 1900 كيلومتر شرق البحر المتوسط ​​(إيست ميد). وكان المشروع يهدف إلى زيادة عزلة تركيا في المنطقة. ومع ذلك، ألغت إدارة “بايدن” دعمها للمشروع في عام 2021.

((1))

وبالرغم أن الأسباب الرئيسية لسحب الولايات المتحدة دعمها للخط لا تزال غامضة، فقد صرح “أردوغان” أن “توصيل الغاز إلى أوروبا لا يمكن أن يحدث بدون تركيا”. ويبدو أن “أردوغان” حاول إقناع إسرائيل بأن تركيا هي الطريق الوحيد العملي لصادراتها من الغاز إلى أوروبا.

وبالنظر إلى الطبيعة السياسية لمشروع “إيست ميد” واستبعاد تركيا، من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة قررت عدم تصعيد الاحتكاكات في منطقة ينتشر فيها التوتر بالفعل. وزاد سحب الدعم الأمريكي من فرص تركيا في تحقيق مشروع الطاقة الذي طال انتظاره مع إسرائيل وسط التقارب الأخير بين دول المنطقة الأخرى بما في ذلك تركيا وإسرائيل.

ويستلزم مشروع الغاز بين تركيا وإسرائيل بناء خط أنابيب تحت البحر من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي إلى تركيا ومن ثم ينتقل الغاز إلى دول جنوب أوروبا، مما يعزز قدرة الاتحاد الأوروبي على تنويع واردات الطاقة، والابتعاد عن الاعتماد الكبير على روسيا.

ويمكن أن تكون الشراكة في مجال الطاقة بين تركيا وإسرائيل نقطة تحول في مسار العلاقات بين البلدين بعد الركود الذي أصابها نتيجة الخلافات السياسية المختلفة، بما في ذلك القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، يقدم مشروع الطاقة الجديد فرصة للحزب الحاكم في تركيا لتأمين مكاسب اقتصادية وسياسية، فضلاً عن تخفيف العزلة السياسية لتركيا في منطقة شرق البحر المتوسط.

ومع ذلك، تبرز العديد من الأسئلة المهمة فيما يتعلق بالمشروع، مثل مسار خط الأنابيب. وبحسب وزير الطاقة الإسرائيلي، لم تتم مناقشة التفاصيل. وتشير التقديرات الأولية إلى أن إنشاء خط أنابيب بطول 550 كيلومترًا سيكلف حوالي 1.5 مليار دولار، وهو أرخص من مشروع “إيست ميد” الذي تبلغ تكلفته 8 مليارات دولار تقريبًا.

 

 

ولكن هذا المشروع سيواجه تحديات بسبب استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة المناخ حيث يستهدف خفض استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 25% بحلول عام 2030. وبحلول عام 2050، يأمل الاتحاد الأوروبي في التخلص تمامًا من استخدام الغاز الطبيعي. وفضلا عن التحديات المالية، يحتاج المشروع أيضًا إلى معالجة بعض التحديات السياسية الخطيرة – مثل العلاقات المتوترة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

علاوة على ذلك، سيحتاج المسار الرئيسي لخط الأنابيب إلى عبور مياه قبرص (التي لا تعترف بها تركيا كدولة ذات سيادة) وسوريا، التي قطعت أنقرة العلاقات الدبلوماسية معها منذ سنوات. وعلى هذا النحو، فإن مشاركة الشركات التركية المملوكة للدولة في بناء خط الأنابيب يمكن أن يكون مشكلة.

وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” إن “مشروع خط أنابيب الغاز بين تركيا وإسرائيل غير ممكن على المدى القصير”، ويعد ذلك اعترافا ضمنيا بأن أنقرة لم تتخذ بعد قرارًا نهائيًا بشأن العوائق أمام المشروع.

وحتى الآن، لم يبدأ بناء خط أنابيب الغاز التركي الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن التقارب المستمر بين تركيا وإسرائيل قد يعطي دفعة جديدة للمشروع قريبًا.

المصدر | فؤاد شهبازوف | إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد