ويمتد الصراع بين إيران ودول المنطقة الأخرى، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية، على مدى 4 عقود. وبدأت معركة الهيمنة في الشرق الأوسط عام 1979 مع الثورة الإسلامية في إيران. وأعلن المرشد الأعلى السابق لإيران، آية الله “روح الله الخميني”، أن إيران هي الوصي الشرعي على الإسلام، وبدأ حملة لتصدير الثورة، حيث كان يعتقد أنه يجب استخدامها كنموذج للدول الأخرى في المنطقة.

وكان يعتقد أنه من خلال الحشد الجماهيري، ستنتصر القيم الإسلامية على الفساد والقمع والنفوذ الغربي. واعتقدت الجمهورية الإسلامية أن بإمكانها زعزعة استقرار المنطقة وإعادة بنائها على صورتها. وقال “أبو الحسن بني صدر”، أول رئيس للجمهورية الإسلامية: “ثورتنا لن تنتصر ما لم يتم تصديرها”. وأضاف: “سننشئ نظاما جديدا لا يُحرم فيه الأشخاص المحرومون دائما”، في إشارة إلى الشيعة المسلمين.

 

 

واستخدم النظام الجديد هذه القضية كقشرة خارجية لجهوده لتعزيز طموحاته الأيديولوجية والجيوسياسية والاقتصادية.

وردا على التوسع الإيراني، قامت 6 دول من الخليج العربي، هي السعودية والإمارات والكويت وعمان والبحرين وقطر، بتشكيل مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. ودعمت السعودية والكويت، إلى جانب دول الخليج الأخرى، العراق أيام “صدام حسين” في غزو واسع النطاق لإيران في أواخر عام 1980، مما أدى إلى مزيد من التباعد بين الدول العربية وإيران.

ونجحت إيران في الحفاظ على هذا الصراع الإقليمي المتنامي خارج حدودها من خلال إنشاء وكلاء في الدول الأضعف الواقعة بينها وبين منافسيها. وتم اتهام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وسوريا والعراق واليمن ومساعدة الجهات المؤيدة لإيران على الفوز بالسلطة أو البقاء في السلطة.

وكانت النتيجة تقويض النظام الإقليمي، وأصبح الشرق الأوسط الآن موطنا للعديد من الدول الفاشلة، والحروب الأهلية، والأزمات الإنسانية الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، دفع التوسع العدواني للجمهورية الإسلامية الدول العربية وإسرائيل إلى الاقتراب من بعضها البعض، ببطء في البداية ولكن بسرعة أكبر في الأعوام الأخيرة.

وتمثل إيران تهديدا عسكريا كبيرا؛ حيث تتجاوز قدرات طهران الصاروخية والطائرات بدون طيار قدرات جميع خصومها الإقليميين تقريبا، وقد احتضنت تقنية الطائرات بدون طيار، مما عزز تفوقها الجوي بشكل كبير.

 

 

وحذر القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية الجنرال “كينيث ماكنزي جونيور” من أنه بفضل برنامج الطائرات بدون طيار الإيراني، فإن الولايات المتحدة “تعمل بدون تفوق جوي كامل” للمرة الأولى منذ الحرب الكورية.

ويشارك الحرس الثوري الإسلامي هذه القدرات مع الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس وقوات الحشد الشعبي والحوثيين، لاستخدامها جميعا في حروب بالوكالة أو في هجمات داخل حدود إسرائيل والسعودية والإمارات.

وفي الأعوام الأخيرة، وخاصة منذ توقيع “اتفاقيات إبراهيم” في أواخر عام 2020، أثبتت إسرائيل أنها حليف قابل للحياة للدول العربية التي تواجه التهديد الإيراني. وفي منتصف فبراير/شباط 2022، نفذت القوات الإسرائيلية هجوما مدمرا على قاعدة جوية في غرب إيران، ودمرت مئات الطائرات الإيرانية بدون طيار.

وذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن إسرائيل تتعاون مع حلفاء في الشرق الأوسط لبناء “نظام دفاع مشترك” لمواجهة الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية. ومثل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط “ميسا” الذي اقترحته إدارة “ترامب”، سيتم تشكيل التحالف المقترح على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وسيركز التحالف الاستراتيجي على الدفاعات الجوية المشتركة ويمهد الطريق لتبادل المعلومات الاستخباراتية والخطط العملياتية العسكرية لمنع الهجمات.

وتخضع المعلومات التي تأتي من طهران لرقابة صارمة. ومع ذلك، هناك مصادر أخرى يمكننا من خلالها التعرف على رد إيران على هذا التحالف الجديد. وفي عام 2018، اتهم آية الله “علي خامنئي” القادة السعوديين بالخيانة للعالم الإسلامي لتعاونهم مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

 

وبالرغم من أن إيران لم تعلن الحرب على السعودية أبدا، إلا أن المئات من هجمات الحوثيين استهدفت المملكة، واستهدفت منشآت نفطية ومناطق مدنية. وأدانت وزارة الطاقة السعودية إيران لتمكينها وتسليحها للحوثيين. وبينما تحاول إيران إخفاء أفعالها ضد الدول الإسلامية الأخرى، فإنها لا تتردد في توضيح نواياها ضد إسرائيل، فقد ادعى “خامنئي” أن إسرائيل لن تصبح موجودة منذ 25 عاما.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي ارتباط بإسرائيل يضع الدولة المرتبطة في مأزق مع الحرس الثوري الإيراني. ويرى “حسين سلامي”، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، أن التحالف العربي الإسرائيلي الجديد يمثل تهديدا مباشرا لأمن الحرس الثوري الإيراني، لأنه يهدف إلى إنشاء نظام إقليمي جديد.

كما أنه، وللمرة الأولى، سيعطي إسرائيل موطئ قدم في الخليج العربي. وطالب “سلامي” دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة النظر في تحالفها وحذرها من أن التعاون مع إسرائيل سيؤدي إلى عواقب وخيمة. وشدد على الاستعداد القتالي لقوات الحرس الثوري الإيراني في مواقع استراتيجية مختلفة في الخليج العربي.

ودفعت وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مثل “تسنيم” و”فارس”، برواية مماثلة. وأضاف البعض أن التحالف العربي الإسرائيلي على غرار حلف “الناتو” هو استمرار لسياسة الرئيس السابق “دونالد ترامب” تجاه إيران.

 

 

ودعم “حسين داليريان”، المحرر السابق لـ”فارس” الذي تحول إلى مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، مرارا هجمات الحوثيين المدعومة من إيران في السعودية واليمن، بل سخر من عجز الجيش الإسرائيلي عن منع مقتل 5 مستوطنين إسرائيليين في هجوم أخير.

أما بالنسبة لوجهات نظر الأكاديميين الإيرانيين، فقد أعرب الأستاذ بجامعة آزاد الإسلامية “مهدي مطارنة” أن تشكيل التحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران هو رد على الهجمات الأخيرة التي نفذها وكلاء إيران في السعودية والإمارات.

بالإضافة إلى ذلك، يقول إن احتمال قيام إدارة “بايدن” برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية قد أعطى زخما لإنشاء “حلف الناتو العربي الإسرائيلي”.

وكتب “مهدي” أن “إسرائيل تحاول إعادة تعريف البنية الأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية وحتى الاجتماعية للمنطقة، للتعايش مع العالم العربي ومواجهة إيران”.

وبالرغم من أن التحالف العربي الإسرائيلي يشكل تهديدا وجوديا للنظام الإيراني، فمن غير المرجح أن يتخلى النظام عن أيديولوجياته التأسيسية، لأن القيام بذلك من شأنه نزع الشرعية عن قضيته.

علاوة على ذلك، فإن أجندة “خامنئي” والأجندة التوسعية للحرس الثوري الإيراني تلقي بظلالها على وجهات النظر الأخرى داخل إيران، بما في ذلك منظور وزارة الخارجية.

 

 

وفي عام 2019، كشف الرئيس الإيراني آنذاك “حسن روحاني” عن خطة لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتقدم في الخليج العربي، واصفا إياها بـ”تحالف الأمل”. وكانت آخر محاولة لتوحيد إيران ومجلس التعاون الخليجي. ولسوء الحظ، فشل التحالف في كسب الزخم بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعمق انعدام الثقة بين الجانبين. ومنذ ذلك الحين، لم تفعل الجمهورية الإسلامية الكثير لاستعادة الثقة، وبدلا من ذلك ضاعفت من سياساتها العدائية.

وتشير نبرة “خامنئي” و”سلامي” إلى أن السياسة الخارجية المستقبلية لإيران ستكون متشابهة. وإذا استمر “خامنئي” والحرس الثوري الإيراني والميليشيات المرتبطة بهما في تقويض جهود وزارة الخارجية لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة، ستظل إيران معزولة ومحاطة بالأعداء. ومن المفارقات أن السياسة الخارجية القوية لإيران ستغذي التحالف بين الخصوم الإقليميين الذي يهدد أمنها بشكل أكبر.

ولقد دفع خطاب إيران التحريضي والتدخل العنيف في شؤون الدول المجاورة زواج المصلحة بين إسرائيل والدول العربية، الذي ربما لم يكن ليحدث لولا ذلك.

المصدر | غزال فايزي – معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد