DW :
أسعار قنينة الغاز والخبز في ارتفاع مذهل بسبب الحرب في أوكرانيا
تعدت آثار الحرب الروسية الأوكرانية الأبعاد العسكرية المباشرة، لتطال أسواق المال والطاقة. تونس، مهد “الربيع العربي”، تواجه حاليا أزمة حادة في توفير الغذاء للجميع. فهل ستتسبب الأزمة في موجدة جديدة من الهجرة؟
عبر التاريخ، لعب القمح دورا محوريا في عدد من الصراعات والثورات حول العالم، وكان من شأنه أن يقلب أنظمة حكم ويغير معادلات سياسية بأكملها.
ومن التاريخ الحديث، فقد كان لارتفاع أسعار الخبز دورا مهما باندلاع ثورات “الربيع العربي”، التي بدأت من تونس في 2011 وامتدت إلى عدة دول عربية أطاحت بأنظمة الحكم فيها.
فهل يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه الآن مع مواجهة النقص الحاد المتوقع بالقمح، وبالتالي بالغذاء، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية؟
سلة الغذاء العالمية
تستحوذ كل من روسيا وأوكرانيا على 32.83% من صادرات القمح السنوية في العالم. لكن مع اندلاع الحرب، باتت هذه النسبة معرضة لخطر كبير مع توقف الزراعة في أوكرانيا وإغلاق موانئ التصدير على البحر الأسود. ما سبق سيؤدي بالضرورة إلى ندرة القمح والمنتجات الزراعية الأخرى القادمة من تلك المنطقة.
في المقابل، وفي وقت تعتبر روسيا فيه من أهم مصدري الأسمدة الزراعية في العالم، بحصة تقارب 12,6% من حجم التبادل العالمي، فإن العقوبات التي فرضت عليها بسبب تلك الحرب أدت إلى وقف صادراتها من تلك المواد، وبالتالي ارتفاع أسعارها عالميا ما سيرفع بالضرورة أسعار المنتجات الزراعية.
أزمة غذاء عالمية
وفي 4 من آذار\مارس الحالي، حذر برنامج الأغذية العالمي من أزمة غذائية تلوح في الأفق في المناطق المتضررة من الحرب في أوكرانيا، ومخاطر تفاقم المجاعة في جميع أنحاء العالم بسبب توقف إنتاج وتصدير منتجات مثل الحبوب.
رئيس البرنامج ديفيد بيسلي، حذر من أن الحرب في أوكرانيايمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، ما سينعكس بشكل فادح على سكان الدول النامية.
المسؤول الأممي أعرب عن خشيته من أن ذلك سيعرض المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم لخطر المجاعة.
وقال بيسلي في تصريح لقناة “بي بي سي” البريطانية إن أعداد الأشخاص الذين يواجهون مجاعة محتملة في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بالفعل من 80 مليونا إلى 276 مليونا في أربع سنوات، بسبب الحرب والتغير المناخي وفيروس كورونا.
وأورد أن هناك دول ستتأثر بشكل خاص بالأزمة الحالية، بسبب اعتمادها بشكل كبير استيراد الحبوب من منطقة البحر الأسود.
بلدان شمال أفريقيا أكبر المتضررين
من جهته، يقول خبير الاقتصاد الجنوب أفريقي وانديل سيهلوبو، بشأن العواقب المحتملة على الدول المستوردة للحبوب في أفريقيا وخارجها، إنه بينما يمثل الارتفاع الحاد في الأسعار مشكلة على المدى القصير، فقد يتبع ذلك نقص في المحاصيل الأساسية.
وقال “بمرور الوقت، واعتمادا على طول الحرب وشدتها، يمكن أن تبدأ في رؤية نقص في الشحنات التي تصل إلى القارة الأفريقية، وقد يتسبب ذلك في شح في الأغذية، ولا سيما في بلدان شمال أفريقيا، وإلى حد ما في شرق أفريقيا”.
تونس كمثال
هنا نأتي على ذكر تونس، التي تستورد 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا وروسيا. السلطات أعلنت أن لديها مخزونا يكفي حتى حزيران\يونيو المقبل، لكن هل هذا كاف؟
يبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3,4 مليون طن، 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين ومليون طن من الشعير، وفقا لديوان الحبوب التابع للحكومة.
بحسب خبراء، تونس معرضة بشكل كبير لأضرار مباشرة نتيجة هذا الوضع، مع اقتصادها الهش الذي تضرر في السنوات الأخيرة بسبب التضخم والبطالة المرتفعة وارتفاع نسبة الدين العام.
وزارة الزراعة التونسية أكدت أن البلاد لن تتأثر بالحرب. حامد الدالي، المدير العام للمرصد الوطني الفلاحين بوزارة الزراعة وفي تصريح لرويترز في وقت سابق، قال إن “تونس أتمت طلبياتها الضرورية حتى الصيف من شراءات القمح قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولن تواجه أي نقص حتى موسم جني المحصول في الصيف، وأنه بهذه الشراءات سيكون مخزون تونس من الحبوب كافياً حتى شهر جوان (حزيران) 2022″.
لكن في الواقع تعاني تونس من مشاكل مرتبطة بالتزود بالحبوب منذ الخريف الماضي، بسبب عدم قدرة السلطات على توفير السيولة اللازمة لسداد أثمان وارداتها من القمح بالعملة الصعبة. وكان عدد من البواخر المحملة بالقمح قد رست بموانئ صفاقس وسوسة من دون تفريغ شحناتها في أكثر من مناسبة.
أربعة ملايين فقير
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أصدر دراسة خاصة حول اتساع نسب الفقر في البلاد وتآكل الطبقة المتوسطة (العجلة الرئيسية للحراك الاقتصادي)، وتداعيات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا على التركيبة الاقتصادية الاجتماعية.
الدراسة أبرزت درجات التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بين طبقات المجتمع، فضلا عن التفاوت في مستويات التعليم وفرص العمل والوصول للخدمات الصحية…
وبينت أن نحو 63% من التونسيين يعتقدون أن الهوة اتسعت أكثر بين الفئات المجتمعية، ما يفسر سخط المواطنين المتصاعد مؤخرا وارتفاع مستويات الحراكات الاجتماعية والاحتجاجية.
عضو الهيئة الإدارية للمنتدى منير حسين، وفي تصريحات صحفية سابقة (لإذاعة موزاييك أف أم بتاريخ 10 آذار\مارس الجاري)، تحدث عن اتساع رقعة الفقر في البلاد لتشمل حاليا أربعة ملايين تونسي (من أصل نحو 11 مليونا).
ولفت حسين إلى وجود أكثر من 950 ألف عائلة في تونس تعيش تحت خط الفقر (نحو دولار واحد يوميا)، وهو رقم مرعب إذا ما تمت مقارنته بالنسب التي تم تسجيلها في السنوات التي سبقت الثورة.
ومع ارتفاع نسب الفقر، سترتفع أيضا نسب انعدام العدالة الاجتماعية، كالحق في التعليم والطبابة (في المستشفيات العمومية بتونس العاصمة هناك 61 سريرا لكل مئة ألف مواطن) وغيرها، التي ستصبح نسبيا بعيدة المنال عن من لا يتحملون نفقاتها.
عضو الهيئة الإدارية للمنتدى أكد أن “الوضع في تونس أصبح مهددا بالانفجار، خاصة في ظل النقص المسجل في المواد الغذائية الأساسية، وهو ما قد ينبئ بالدخول في مرحلة مجاعة”، مشيرا إلى أن ميزانية الدولة لسنة 2022 ستزيد من “تعميق الصعوبات التي تواجهها الفئات الفقيرة، لأنها اعتمدت منهجا تقشفيا وقلصت في قيمة الإعانات الاجتماعية”.
“انفجار اجتماعي”
ليس الخبز وحده الذي بات مهددا في السلة الغذائية للعائلات الفقيرة التونسية، هناك السكر والمعكرونة والأرز والزيت وغيرها من المنتجات الغذائية الضرورية، باتت تشهد تناقصا ملحوظا في الأسواق.
خميس بوعناني، 45 عاما، قال لمهاجر نيوز “هناك متاجر في العاصمة علقت لافتات على أبوابها تدعو الزبائن لأن يشتروا المواد الغذائية الضرورية بكميات محدودة… كما بتنا نشهد منذ بعض الوقت طوابير أمام أفران بيع الخبز”.
رب الأسرة تحدث عن الغلاء المعيشي الفاحش والذي انعكس على جيوب المواطنين عموما، والفقراء خصوصا، “هناك غليان شعبي حقيقي يمكن لأي متابع للشأن التونسي أن يلمسه. الظروف الحالية إن لم تحل، ستؤدي بالضرورة إلى انفجار اجتماعي كبير”.
وأضاف “من هنا أتفهم رغبة الشبان بالهجرة، فما عاد من شيء هنا لهم. أخذوا منهم حلم التغيير والرغبة بالمشاركة في القرار السياسي. وأضف إلى ذلك تجويعهم وتفقيرهم وانتزاع حتى الأمل منهم”.
شريف بيبي- مهاجر نيوز 2022