"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

فورين أفيرز : على بايدن تجنب إغراء تغيير النظام والتحاور مع بوتين

لندن-“القدس العربي”:

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لصمويل شارات المحلل في مؤسسة راند تحدث فيه عن اللعبة المحفوفة بالمخاطر في أوكرانيا ومقترحا أن التنازلات مع بوتين هي الخيار الأفضل المتوفر لأمريكا.

وقال فيه إن هدف الولايات المتحدة قبل 24 شباط/فبراير عندما أعلن الرئيس الروسي عن قراره المصيري للهجوم على أوكرانيا كان ردعه عن الغزو من خلال زيادة كلفته على أي عملية سيقوم بوتين بشنها وإصدار تهديدات بالعقوبات حالة مضى الرئيس الروسي في خطته. لكن قواته  اجتازت الحدود الأوكرانية وقتلت منذ ذلك الوقت ألافا من المدنيين وأحدثت دمارا في عدد من المدن. وردت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية ومالية واسعة بما فيها تجميد احتياطات البنك المركزي، وفي الوقت نفسه دعم أوكرانيا بأسلحة قيمتها ملايين الدولارات.

لكن الحاجة الماسة لمواجهة بوتين غطت على السؤال المتعلق بأهداف أمريكا وكيفية تحقيقها. إلا أن الدمار الواسع لمدن مثل خاركيف وماريوبول وتشريد الملايين وقتل المدنيين أثار المشاعر الغاضبة وجعل قادة مثل بايدن الذي دعا في تعليق خارج عن النص في وارسو يوم السبت إلى التخلص من بوتين، جعل من أولوية معاقبة الهدف الأكبر.

تشير تجارب الولايات المتحدة الأخيرة في العراق وليبيا ومناطق أخرى أن تغيير الأنظمة لا ينتج النتائج المرغوبة

وتشير تجارب الولايات المتحدة الأخيرة في العراق وليبيا ومناطق أخرى أن تغيير الأنظمة لا ينتج النتائج المرغوبة. وخلافا لتغيير النظام فعلى صناع السياسة في واشنطن التعامل مع نوعين واضحين من الأهداف.

فعلى المدى القصير، يجب أن تكون أولوية الولايات المتحدة هي حرمان بوتين من النصر. وتجنب التصعيد والحد من تداعيات الحرب الإنسانية والاقتصادية. أما على المدى البعيد، تريد الولايات المتحدة تشكيل سلوك روسيا بطريقة تخفف من المخاطر على مصالح الولايات المتحدة الجيوسياسية والاستقرار الدولي وتخفيف احتمال ظهور نزاع إقليمي بالمستقبل.

والتحدي الأكبر هو أن المقاومة الأوكرانية الشجاعة والضغط الغربي الكبير لن يؤديا إلى حرمان روسيا من تميزها في ساحة المعركة ولا حتى الإطاحة ببوتين. واستمرار النزاع الحالي لن يؤدي إلا إلى زيادة مستويات العداء بين روسيا والغرب ويضعف مصلحة الولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي والدولي.

ولن تكون واشنطن قادرة على تحقيق أهدافها القصيرة وطويلة المدى لو استمرت الحرب. وربما  لم يكن محبذا التعامل مع بوتين بعد المذبحة التي أطلق لها العنان، إلا أن هناك ضرورة للتوصل معه بطريقة دبلوماسية، عاجلا أم آجلا. ولم يحقق بوتين أهدافه العسكرية بالانتصار السريع، فقد كان هدفه الأول تغيير النظام باستخدام أدنى حد من القوة، فقط صدمة وترويع تدفع حكومة فولوديمير زيلنسكي على الفرار واستسلام الجيش الأوكراني وفرض أمر واقع أمام الغرب. وافترض بوتين أن الغرب سيتردد في قطع العلاقات مع روسيا وظهور صدع في العلاقات الأطلنطية يمكنه استغلاله.

استمرار النزاع الحالي لن يؤدي إلا إلى زيادة مستويات العداء بين روسيا والغرب ويضعف مصلحة الولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي والدولي.

وفشل بوتين بشكل ذريع والسبب مرتبط بالمقاومة الأوكرانية الشجاعة وكذا الدعم العسكري الأمريكي وفرض العقوبات القاسية بالإضافة إلى تعبئة الدعم الدولي. لكن معاناة روسيا الأولية لا تعني أنها خسرت الحرب، ويبدو أنه حرف استراتيجيته من تغيير النظام لفرض “ثمن باهظ”، فهو يريد إجبار زيلينسكي على القبول بشروطه والاعتراف بمناطق الشرق والقرم كمناطق مستقلة. وربما تمكنت روسيا من انتزاع نصر من بين أنياب الهزيمة، لو كانت هذه هي الأهداف، وربما في الأسابيع والأشهر المقبلة. وستكون المعركة بلا شك دموية ووحشية ورقصة حرب فارغة في النهاية. إلا أن الجيش الروسي وبعد تكبده خسائر كبيرة قادر على تحقيق النصر.

وإذا حقق بوتين السلام بشروطه وبعد حملة طويلة وشاقة فسيكون هذا بمثابة نكسة استراتيجية للولايات المتحدة. كما أن حربا طويلة تؤدي إلى انتصاره تعني مزيدا من القتلى والدمار في أوكرانيا، بالإضافة لزيادة معدلات النزوح بشكل يغرق الدول الجارة والتسبب بأزمة إنسانية ويحفز أزمة سياسية في أوروبا. والمخاطر في أن تتحول الحرب الروسية – الأوكرانية إلى مواجهة شاملة بين روسيا وأمريكا وحلفائها، وهذه تملك نسبة 90% من السلاح النووي في العالم، وسيزيد الخطر النووي كلما استمرت الحرب. كما وستتزداد التداعيات الاقتصادية العالمية والإقليمية للنزاع. وإزاء كل هذا فحل تفاوضي للأزمة ضروري جدا، وقد حققت المفاوضات الثنائية بين طرفي النزاع تقدما، وتحديدا رغبة فولوديمير زيلينسكي القبول بوضع الدولة المحايدة والتخلي عن أي فرصة للانضمام إلى حلف الناتو.

وستواجه المفاوضات عقبات، فروسيا تصر على توسيع سيطرة الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك لأبعد من مناطقها قبل الحرب والاعتراف باستقلالها، ولن ترضى كييف بهذه الشروط. وتستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا المساعدة في تحقيق تسوية من خلال النفوذ الذي بنته عبر الحرب وإجبار روسيا على التخلي عن مطالبها المستحيلة وعدم تجاوز خطوط أوكرانيا الحمر.

وربما كانت هذه برشامة من الصعب على أمريكا ابتلاعها بعد الضغوط على بوتين، إلا أن البديل سيكون أسوأ، وهو حرب طاحنة وتدمير مدن أوكرانية ونزوح الملايين وتراجع اقتصادي  ومخاطر تصعيد. ورحب بعض المراقبين بحرب مستعصية كوسيلة  لإضعاف روسيا وتقويض سلطة بوتين. ولكن الواقع هو أن بوتين فعل الكثير لتدمير بلاده ومكانتها ومنظورها الاقتصادي. وحرب طويلة في أوكرانيا قد تدفع بعملية التدهور إلى مستويات أبعد بشكل يحول روسيا إلى نسخة جديدة من كوريا الشمالية، مما يعني تقويض ثلاثة أهداف طويلة الأمد لأمريكا.

فهذه مهتمة باستقرار أوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب وتجنب نزاع كهذا في المستقبل. وهناك حاجة لجهود ضخمة لتحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب بأوكرانيا والتشاور مع  كل الأطراف، روسيا، أوكرانيا، دول الجوار، الغرب وأمريكا.  ويجب أن يكون هدف المحادثات هو منع حروب بين روسيا وجيرانها. وستكون هذه عملية طويلة تشبه معاهدة هلسنكي عام 1975. وعرت الحرب في أوكرانيا أن التنافس على التأثير في المنطقة خرج عن السيطرة. وفي المستقبل قد تحدث هذه الحرب في أوكرانيا في بيلاروسيا لو حاول قادة هذا البلد إبعاد أنفسهم عن مجال التأثير الروسي، وكذلك جورجيا. أما الأمر الثاني، فيجب على أمريكا والغرب تجنب تحويل روسيا إلى مخرب على مستوى العالم بسبب العقوبات التي فرضت عليها، وعودتها إلى سنوات التسعينات الفوضوية حيث أيقنت أمريكا أن بلدا فوضويا يملك أسلحة نووية يمثل خطرا على السلام العالمي.  كما أن مواصلة الضغوط على روسيا سيضعف دول آسيا الوسطى التي تعتمد على موسكو ودعمها المالي، مما سيؤدي إلى اضطرابات.

وفي حالة لم تتحول روسيا إلى مثال عن بلد في وضع اقتصادي سيء إلا أن روسيا أظهرت ملامح من الدول المارقة، مثل ضم القرم عام 2014، والدور في التأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية. ولو استمرت روسيا بالتصرف كدولة مارقة فإنها ستأخذ معها كل النظام الدولي الثنائي بما في ذلك عدم انتشار الأسلحة النووية. والأهم من كل هذا فيمكن أن ينجم عن نزاع أوكرانيا تحالف صيني- روسي ونظام عالمي ثنائي القطبية. وكل هذا لا يعني توقف الغرب عن تحميل بوتين ونظامه كلفة الحرب. ويرى أن عددا من المحللين والمسؤولين يضغطون على بايدن لتبني تغيير النظام في روسيا كسياسة أمريكية خارجية. وهذا مفهوم في ضوء ما تسبب به بوتين من  دمار في أوكرانيا، لكن الحرب هذه قوضت الاستقرار النسبي والازدهار الاقتصادي الذي كان عماد شرعية بوتين ونظامه.

ولو أيقن الكرملين أن هدف سياسة بايدن هي تغيير النظام فسيرد بقوة. ومن غير المتوقع أن يغادر بوتين الحكم بدون قتال ضد أعدائه المحليين والخارجيين. ولا تزال روسيا قادرة على العنف والاضطهاد في الداخل والخارج وحتى مزيد من العنف في الخارج وأكثر مما أظهرته في الشهر الماضي. وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب الأوكرانية وتتعمق الأزمة الإنسانية، فلربما قررت إدارة بايدن التركيز على معاقبة بوتين، فلربما انقلب عليها عكسا.

وعلى المدى القصير فقد تؤدي التسوية للحرب منعا لانتصار روسي وعلى المدى البعيد فتريد الولايات المتحدة من تحقيق السلام والاستقرار في أوكرانيا وحولها والتأكد من دفع موسكو الثمن بدون تحويل روسيا إلى دولة منبوذة. فمقامرة بوتين الصارخة أدت إلى غضب واسع، لكن العقول الحكيمة عليها مواصلة الأهداف القصيرة والطويلة الأمد.