الخليج الجديد :
قبل أيام، استضافت إسرائيل قمة جمعت وزراء خارجية البحرين ومصر والإمارات والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة. وجاء الاجتماع في ظاهره لدعم الولايات المتحدة لكن واشنطن تريد التوصل إلى تفاهم جديد مع إيران بينما تعارض إسرائيل والدول العربية الأربعة، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى، مبادرة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه “ترامب”. وكان وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” موجودا لإقناع هذه الدول لكن لا يبدو أنه نجح في ذلك.
وذكرت صحف إماراتية أنه تم تأسيس جبهة إسرائيلية عربية جديدة. وتكرر السؤال عما إذا كان من الممكن تحقيق الوحدة بين العرب وإسرائيل. ويبدو أن الجواب هو أن الأمر ممكن بسبب المخاوف المشتركة من إيران والرفض الجماعي للخطط الأمريكية تجاه طهران.
ورغم متابعة تطور الملف الإيراني يظل التركيز الأكبر على الصراع بين روسيا وأوكرانيا وآثاره المأساوية. ومن المقرر عقد المزيد من المحادثات هذا الأسبوع في اسطنبول. والمأساة هي أن التسوية التي تتم مناقشتها تعود للأهداف المنطقية السابقة قبل اندلاع الحرب. ويدعي الروس الآن أن نيتهم الوحيدة في الحرب كانت تأمين منطقة دونباس الشرقية، وليس احتلال أوكرانيا.
وقد يبدو خوض الحرب إذن ضربا من العبث لأن معظم منطقة دونباس كانت تحت سيطرة روسية غير رسمية منذ عام 2014. وفي حين أن أوكرانيا لم تكن راضية عن ذلك، إلا أنها لم تكن في وضع يمكنها من تحدي روسيا بجدية.
ومن المحتمل أن تكون مطالب الروس أوسع، لتشمل السيطرة على الأرض الواقعة بين دونباس وشبه جزيرة القرم، والاستيلاء فعليا على جنوب شرق أوكرانيا. لكن يبقى ذلك أقل من الطموحات التي خاضوا الحرب من زجلها وهي احتلال أوكرانيا.
ويبدو أن الأوكرانيين على استعداد لمناقشة التنازل عن دونباس وتقديم وعود بالحياد. وليس من الواضح ما يعنيه الحياد في هذا السياق. وادعت سويسرا الحياد خلال الحرب العالمية الثانية لكن ألمانيا والحلفاء استفادوا من نظامها المصرفي وقاموا بإدارة منظمات تجسس هناك. هذا نوع من الحياد. وهناك نوع آخر يتمثل في نموذج السويد فبالرغم أنها ليست عضوا في “الناتو” ولديها القليل جدا من المعدات العسكرية الغربية، إلا أن الجميع يعرف توجهاتها.
فماذا يعني الحياد في حالة أوكرانيا؟ حسنا، قد لا تنضم أوكرانيا إلى “الناتو”، وقد تتجه أكثر لشراء الأسلحة الصينية، ولكن بعد الأحداث الأخيرة من الصعب تصور أن تثق كييف بنفس القدر في كل من الغرب وروسيا. وربما يكون هناك حياد رسمي خاصة فيما يتعلق بحيازة الأسلحة، لكن من المرجح أن تقوم الاستخبارات الأوكرانية بتبادل المعلومات مع الغرب وليس مع روسيا. فكيف يمكن لأوكرانيا أن تكون محايدة في مثل هذه الحالة؟
وأثبتت تلك الحرب أن روسيا غير قادرة على تنفيذ عمليات واسعة النطاق ومتعددة الجبهات، وبالتالي يجب عليها وقف العمليات. وأظهر الأوكرانيون القدرة على تدريب وتنظيم السكان لمقاومة روسيا وفي بعض الأحيان هزيمتها، لكنهم لا يستطيعون الاستمرار في استيعاب الخسائر التي يمكن أن تلحقها روسيا بهذا الثقل الهائل من القوات، مهما كانت الجهود الحربية الروسية غير كفؤة.
وفي النهاية، يمكن لروسيا استبدال جنرالاتها، وإعادة تدريب ضباط من المستويات الوسطى، وتحفيز مجنديها. لكن هذا الأمر سيسيتغرق أعواما وسيتطلب تطوير ثقافة جديدة حول طبيعة الحرب. في المقابل، لن يتمكن الأوكرانيون من حماية أنفسهم إلا من خلال عمليات إعادة تسليح وتدريب قوة محترفة. ويجعل هذا الحياد صعبا إذا كان يعني الحصول على أسلحة وربما التدريب من الغرب.
وإذا كانت أوكرانيا مستعدة للتعهد بالحياد، فيجب أن تتبنى الحياد السويدي، أي الحياد الرسمي الذي يغطي نواياها الحقيقية، ويعد هذا الأمر صعبا للغاية.
ومن المثير للاهتمام أن تدير تركيا المفاوضات. ولا يخفي التعاون العرضي مع روسيا في الشرق الأوسط الارتياب التاريخي بين البلدين. وتركيا بحاجة إلى روسيا ضعيفة كما أن لها شهية للأراضي الأوكرانية التي كانت تسيطر على أجزاء منها في الماضي. ومع هذا تبقى تركيا هي المحاور المثالي، فلا أحد متأكد مما تريده، وقد يجعل هذا كل جانب حذرا.
لقد بدأت المقال بالحديث عن المفاوضات الإيرانية التي تسببت في ظهور ما كان مستحيلا من قبل، وهو جبهة إسرائيلية عربية تواجه الأمريكيين بشأن انفتاحهم على إيران. فكر قليلا في الماضي وتخيل مدى غرابة ذلك. وتخيل الآن كم هو غريب الوضع الروسي الأوكراني. وعندما نفكر في النظام العالمي الجديد وكيف يتشكل، فلا نحتاج إلا إلى بعض الخيال، فالمستحيلات والغرائب أصبحت ممكنة وتحدث أمام أعيننا.