الخليج الجديد :
على الرغم من الحفاوة الدولية التي قوبلت بها مبادرة مجلس التعاون الخليجي؛ لإنهاء الحرب في اليمن، فإن أجواء من الشكوك تحيط بمستقبل تلك المبادرة، وقدرتها على نزع فتيل الأزمة المشتعلة منذ سنوات.
وتتوالى التساؤلات حول قدرة المجلس، على إدارة المفاوضات بين أطراف الأزمة، وتمهيد الطريق لإنجاح مخرجات المشاورات الهادفة لوقف الصراع الذي سيدخل عامه الثامن على التوالي، خلال أيام.
وعلى مدار نحو 7 سنوات، جرى إطلاق مبادرات خليجية وعربية ودولية لإنهاء الحرب بين التحالف العربي بقيادة السعودية، وجماعة “أنصار الله (الحوثي)، المدعومة من إيران، دون جدوى.
مبادرة الحجرف
وفق الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي “نايف الحجرف”، فإن المجلس سيستضيف مفاوضات يمنية-يمنية في الرياض هذا الشهر، خلال الفترة بين 29 مارس/آذار الجاري وحتى 7 أبريل/نيسان المقبل.
ويشارك في المشاورات المبعوثان الأممي والأمريكي إلى اليمن، وسفراء مجلس التعاون الخليجي، والدول الـ19 الفاعلة في الملف اليمني.
ومن المقرر توجيه دعوة لجماعة “الحوثي”؛ للمشاركة في المشاورات مع تقديم ضمانات بتسهيل وصول وفدها، وتأمين أفراده، لا سيما أن العاصمة السعودية الرياض هي مقر المجلس المستضيف للمفاوضات المرتقبة.
وتبحث المشاورات 6 محاور، بينها عسكرية وسياسية، وتهدف لفتح الممرات الإنسانية وتحقيق الاستقرار، في ضوء المرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
ومن المخطط له، وفق صحيفة “العرب” (مستقلة تصدر من لندن)، أن تنبثق عن المشاورات لجان متخصصة لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوارات السياسية والعسكرية والاقتصادية المختلفة، كما سيضع مجلس التعاون الخليجي آلية لضمان تنفيذ القرارات التي سيخرج بها المشاركون في المشاورات.
الموقف السعودي
يمكن القول، إن طرح المبادرة من قبل مجلس التعاون الخليجي، يرفع الحرج عن السعودية، حتى لا تظهر بصورة المبادر للتهدئة والحوار، في وقت تتعرض فيه أراضيها لهجمات حوثية بصواريخ وطائرات مسيرة.
ويعطي الطرح الخليجي للمبادرة، ثقلا إقليميا قد يعزز فرص نجاحها من جانب، ويقيم الحجة من جانب آخر على الطرف الرافض للحوار والحل السلمي للأزمة.
ومن المؤكد أن “الحجرف” (كويتي الجنسية)، حصل على ضوء أخضر من الرياض، يمكن بموجبه أن يتحرك مجلس التعاون الخليجي للعب دور مستقل بعيدا عن تأثير دوله الأعضاء.
وتتمهل الرياض في إبداء الترحيب بالمبادرة أو التهليل لها، ربما ترقبا لموقف جماعة “الحوثي” من المشاركة فيها، أو تحسبا لفشلها قبل أن تبدأ، على غرار مصير مبادرتها السابقة للحل السياسي، العام الماضي.
وتأتي المبادرة الجديدة بعد عام واحد من المبادرة السعودية التي طرحتها المملكة في مارس/آذار الماضي، وقوبلت برفض من قبل جماعة “الحوثي”، التي قالت إنها تضع اليمن تحت الوصاية الدولية ولا تتضمن سحب دول التحالف قواتها من البلاد.
وتضمنت بنود المبادرة السابقة “وقف إطلاق نار شاملا، تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، برعاية الأمم المتحدة، بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل”.
ترحيب ورفض
توالى الترحيب بالمبادرة الخليجية، بداية من المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة “ستيفان دوجاريك”، الذي صرح بأن المنظمة الدولية “تقدر جميع المبادرات الرامية إلى تسوية سياسية تفاوضية شاملة للصراع في اليمن”.
ورحبت منظمة التعاون الإسلامي بالمبادرة، داعية جميع الأطراف اليمنية إلى الانخراط فيها لوقف نزيف الدم اليمني والتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع في اليمن إعلاء.
وأبدت الرئاسة اليمنية، في بيان، دعمها ومساندتها كافة الجهود الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السلام في اليمن استناداً للثوابت الوطنية ووفقاً للمرجعيات الثلاث.
في مقابل ذلك الترحيب، أعلنت جماعة “الحوثي” رفضها الذهاب إلى الرياض للتحاور، معتبرة السعودية والدول المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده المملكة “أرض عدوان”.
وقال القيادي الحوثي “محمد علي الحوثي” عبر “تويتر”، إن “الرياض طرف في الحرب وليست وسيطا”، مشيرا إلى أن سلطنة عمان، عضو مجلس التعاون الخليجي والتي يقيم بها بعض المسؤولين الحوثيين، والكويت، التي استضافت محادثات سلام سابقة في عام 2015، أرضا أكثر حيادا لمثل تلك المشاورات.
ولم يتوقف رد الفعل الحوثي عند ذلك، بل امتد إلى تنفيذ هجمات متتالية، بداية من ليل السبت-الأحد، استهدفت منشآت حيوية ونفطية سعودية، وتسببت في أضرار فادحة، وهو ما اعتبر رفضا للمبادرة الخليجية.
لكن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، رد بالقول إنه سيمارس ضبط النفس لإنجاح الحوار اليمني، داعيا الحوثيين إلى عدم تكرار أخطائهم في تفسير جهود التحالف لإنهاء الأزمة.
خسائر متفاقمة
الملفت للانتباه أن طرح المبادرة الجديدة يتزامن مع مرور 7 أعوام على تورط السعودية في المستنقع اليمني، متكبدة فاتورة خسائر باهظة، أرهقت محفظتها المالية.
ويعلق الخبير بشؤون الشرق الأوسط “جيدو شتاينبرج”، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن في برلين، قائلا: “خسرت السعودية الحرب في اليمن”.
وتفيد تقديرات بأن السعودية قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريا على الضربات الجوية، بينما تقدر مجلة “التايمز” البريطانية تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميا، أي 72 مليار دولار سنويا.
بينما تذهب تقديرات سعودية، إلى أن تكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريا، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة، وفق “الجزيرة”.
ويزيد من الورطة السعودية، استهداف منشآت المملكة النفطية بصواريخ وطائرات مسيرة، دون أن تتمكن منظوماتها الدفاعية من صواريخ “باتريوت” و”ثاد” من التصدي لها، الأمر الذي قد يعرقل إنتاج النفط مستقبلا، ويرفع كلفة الخسائر الاقتصادية للمملكة.
ومع تزايد الضغوط الاقتصادية بسبب جائحة “كورونا”، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتراجع الدعم الأمريكي للرياض، يبدو أن المملكة بصدد التفكير جديا في البحث عن طوق نجاة، والخروج من الأزمة اليمنية، بطريقة ما تحفظ ماء وجهها.
وتروج دوائر خليجية ودولية لـ”هدنة رمضان”، في محاولة لوقف إطلاق النار خلال الشهر الكريم، وتعزيز فرص نجاح المبادرة الخليجية، شريطة ممارسة ضغوط على جماعة “الحوثي” للمشاركة، بضمانات أممية، أو عبر وسطاء إقليميين مثل عمان والكويت، مقابل تقديم تنازلات من قبل السعودية.
ومن المؤكد أن غياب الحوثيين سيجعل من فرصة نجاح المفاوضات ضئيلة، وقد يلحق الفشل بها على غرار ما سبقها من مبادرات، الأمر الذي ييثر ظلالا قاتمة اللون حول مستقبل تلك المبادرة، التي تستدعي عمليا، إحداث تحركات ميدانية على الأرض، لوقف نزيف الدماء في البلد الذي يعاني حربا بالوكالة بين السعودية وإيران.