الخليج الجديد :
تواصل القوات الروسية توغلها في أوكرانيا على محاور متعددة، فيما تركز على العاصمة كييف التي من المرجح أن تظل محاصرة خلال الأيام المقبلة.
وأدلى المسؤولون الروس بتصريحات متضاربة حول تسوية سياسية محتملة مع كييف لإنهاء الصراع، لكن الرئيس “فلاديمير بوتين” ووزير الخارجية “سيرجي لافروف” استمرا في التأكيد على أن الحكومة الأوكرانية الحالية غير شرعية، وأصرا على “نزع سلاح ونازية أوكرانيا”؛ مما يؤكد أن الهدف النهائي لموسكو في البلاد لا يزال تغيير النظام.
وسيكون هناك العديد من المسارات المحتملة التي قد تتخذها روسيا في أوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة، ويحمل كل واحد منها إيجابيات وسلبيات بالنسبة لموسكو، ويمكن تلخيصها في 4 سيناريوهات:
1- أن تنصب روسيا حكومة موالية لموسكو في كييف بينما يحتل جيشها مساحة كبيرة من البلاد.
وفق هذا السيناريو، ستستحوذ روسيا على كييف بالقوة، ثم تنصب سلطة موالية لها (قد تشرك القوى التي فرت من البلاد في عام 2014)، ثم تتجه لتغيير دستور أوكرانيا لضمان الوضع المحايد للبلاد أو نزع تسليحها.
وستوقع هذه الحكومة الجديدة اتفاقية مع موسكو لضمان حق روسيا في إنشاء قواعد عسكرية في أوكرانيا وتأمين النظام العام. وتشمل التغييرات الدستورية المحتملة أيضًا ضمانات تخص اللغة الروسية في البلاد، فضلا عن جعل أوكرانيا فيدرالية لإعطاء المزيد من القوة للحكومات الإقليمية الموجودة تحت نفوذ بموسكو.
وفي هذا السيناريو، من المحتمل ألا يعترف غرب أوكرانيا بالحكومة الجديدة في كييف؛ مما يحفز استمرار المقاومة الوطنية.
ماذا يعزز هذا السيناريو:
هذا السيناريو هو الأكثر قابلية لتحقيق أهداف روسيا الأكثر طموحًا بـ “إزالة النازية والتسليح”، حيث أن تنصيب نظام مؤيد لموسكو جنبًا إلى جنب مع التعديلات الدستورية من شأنه أن يمنع أوكرانيا من مزيد من الاندماج مع الهياكل الأوروبية والأطلسية على المدى الطويل.
القيود:
هذا السيناريو هو الأكثر تكلفة على المدى الطويل؛ لأنه سيجبر روسيا على الحفاظ على وجود عسكري دائم في البلاد وتمويل الحكومة التي لن يتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي. ومن المرجح أن يؤدي ذلك أيضًا إلى حركة مقاومة عنيفة، لا سيما في غرب أوكرانيا المستبعد من الحكومة.
وعلاوة على ذلك، فإن هذا السيناريو سيجعل الغرب يبقي على عقوباته الاقتصادية ضد روسيا لفترة غير محددة. ومن شأن ذلك أن يضعف الاقتصاد الروسي تدريجيًا. وفي حين يمكن الاعتماد على القوة والترهيب للحفاظ على النظام على المدى القصير والمتوسط، فإن التكاليف والمخاطر طويلة الأجل ستكون عالية.
2- أن تجبر روسيا حكومة كييف على توقيع صفقة وتغادر معظم قواتها أوكرانيا.
في هذا السيناريو، ستجبر روسيا حكومة كييف (ربما حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي على شرط أن تستقيل لصالح حكومة انتقالية جديدة)، على توقيع صفقة من شأنها نزع سلاح أوكرانيا دستوريًا، كما ستقيم بعض القواعد العسكرية الروسية في أوكرانيا للمساعدة في ضمان الصفقة، وسيتوجب على أوكرانيا أن تتنازل عن المطالبة بشبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الشرقية.
بموجب هذا السيناريو، ستوافق الحكومة في كييف على فيدرالية الدولة وضمان وضع اللغة الروسية في الدستور، ثم ستخرج القوات الروسية بعد ذلك من البلاد، مما يترك أوكرانيا مدمرة وفي اضطرابات سياسية في أعقاب الغزو.
ما يعزز هذا السيناريو:
سيمكن هذا السيناريو روسيا من تحقيق أهدافها الرئيسية في أوكرانيا دون الحاجة إلى اللجوء إلى احتلال عسكري طويل ومكلف. ويمكن للغرب أيضًا تليين عقوباته ضد روسيا بمرور الوقت، خاصة إذا رأى أن الحكومة الأوكرانية شرعية وأن الوجود العسكري الروسي محدود.
القيود:
لن يكون لدى روسيا الكثير من أوجه النفوذ على الأرض في أوكرانيا لكي تضمن سريان اتفاقيات ما بعد الحرب. كما لن يغير هذا السيناريو أيضًا من موقف الشعب الأوكراني العام المعادي لروسيا، والذي سيتفاقم إذا أجبرت موسكو حكومة البلاد على توقيع اتفاقية بعد غزو أراضيها.
وبمرور الوقت، بإمكان الأوكرانيين المؤيدين للغرب أن ينظموا احتجاجات كبيرة مناهضة للحكومة لإلغاء الصفقات التي وقعتها مع روسيا.
3- أن تقسم روسيا أوكرانيا على طول نهر دنيبر على الأرجح، تاركة الحكومة الأوكرانية الحالية مسيطرة على جزء غير مهم في الغرب مع احتلال النصف الآخر.
في هذا السيناريو، ستعترف روسيا بمساحة كبيرة من شرق أوكرانيا (وهي موطن لفئة عرقية كبيرة من السكان الروس) كدولة مستقلة جديدة، لتقسم فعليا البلاد إلى شرق وغرب أوكرانيا.
وسوف تتحد جمهوريات لوهانسك ودونيتسك في دونباس الانفصالية مع هذه الدولة الشرقية الجديدة المؤيدة لروسيا، والتي من المرجح أن تسمى نوفوروسيا أو مالوروسيا (والتي تترجم إلى “روسيا الجديدة” و”روسيا الصغيرة” على التوالي).
ما يعزز هذا السيناريو:
خلق دولة متجانسة نسبيًا تتعهد بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية الوثيقة مع موسكو سيكون أقل تكلفة بكثير من محاولة احتلال أوكرانيا.
القيود:
المناطق التي تسيطر عليها حكومة مؤيدة للغرب ستبقى مناهضة لروسيا؛ مما يهدد بمواجهات عسكرية إضافية. ولن يعترف معظم المجتمع الدولي أيضًا بالدولة الأوكرانية الشرقية، مما يجبر روسيا على أن تظل راعيتها الرئيسية.
4- أن ترضى روسيا بتقويض الدفاع الأوكراني والقدرات الاقتصادية قبل الانسحاب دون تسوية سلمية.
في هذا السيناريو، ستفلح المقاومة الأوكرانية في إقناع روسيا بأن السيطرة على البلاد ستكون مكلفة للغاية على المدى القريب والمتوسط، وأن التوصل إلى اتفاق سلام مع حكومة غير شرعية وغير شعبية فرضتها روسيا لن يحقق أهداف موسكو.
وكبديل للاحتلال المكلف، ستتراجع روسيا عن إصرارها على تغيير الحكومة، وبدلًا من ذلك ستحدث دمارًا كبيرًا على البنية التحتية المدنية والعسكرية الأوكرانية والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والمصانع ومخازن الأسلحة والقواعد العسكرية قبل سحب جميع القوات البرية.
وبعد قتل الآلاف من الجنود الأوكرانيين وتدمير الكثير من المعدات العسكرية في البلاد، ستنسحب روسيا ثم تهدد بتكرار العملية ضد أوكرانيا الأكثر ضعفًا إذا عادت الحكومة إلى مسارها السابق وسعت لإعادة التسلح.
ما يعزز هذا السيناريو:
سيقلل هذا السيناريو التكاليف العسكرية والاقتصادية بالنسبة لروسيا، وسيترك مساحة للحكومة الأوكرانية لتعتبر نفسها نجت من الهجوم الروسي الساحق دون تعرض أراضيها (بخلاف جمهوريات دونباس الانفصالية) للاحتلال أو التقسيم. وتكمن الفائدة الرئيسية لروسيا في هذا السيناريو في أنه سيمهد ببطء لرفع بعض أقسى عقوبات الغرب.
القيود:
الفشل في تأمين تغييرات في دستور أوكرانيا يعني أن الأهداف الأساسية لروسيا بشأن حياد البلاد ونزع سلاحها ستظل دون تحقيق، وستحتاج روسيا إلى اللجوء لعملية مماثلة مرة أخرى بعد عدة سنوات لتحقيق هذه الأهداف.