بانوراما ملفات أردنية «معقدة»: العجارمة: «تحريك وعناد»… الشبيلات يلوح بـ«العودة» والإخوان بـ«الفرجة»

 عمان – «القدس العربي» :

يمكن ببساطة ملاحظة الإصرار العنيد عند بعض أقرباء وأتباع وأبناء قبيلة النائب المفصول سابقاً والسجين حالياً أسامة العجارمة، على البقاء في حالة «تحريك» لملف هذا النائب الذي أثار ضجة واسعة النطاق عندما شوهد العشرات من مؤيديه في الشوارع وفي ليلة شتوية عاصفة، مطالبين بالإفراج عنه وسط الإصرار على التعامل مع مسألة سجنه بعيداً عن سياقها الجنائي، وباعتبارها مسألة حريات سياسية.

مجدداً، خرج بعض أبناء قبيلة العجارمة إلى الشارع يوم الجمعة الماضي في محاولة لتذكير السلطات والرأي العام بأن ملف النائب أسامة العجارمة، وبالرغم من كل ما يقال عن مذكرة برلمانية تطالب بالعفو العام لم يقف بعد عند حدود القبول الشعبي أو العشائري والمناطقي بالحكم المغلظ الخشن الذي قررته محكمة أمن الدولة بخصوص النائب المفصول. المحاولة واضحة تماماً لاستبدال عقوبة السجن 12 عاماً، وهي عقوبة كانت قاسية بإجماع المراقبين، بحالة سياسية تنطوي على سياق حراكي قوامها أن النائب الشاب يدفع ثمناً لموقفه السياسي.
وهو أمر يخالف الوقائع الجنائية التي اعتمد قرار المحكمة عليها بالرغم من عدم وجود قبول شعبي عريض بالخطاب الذي تقدم به النائب العجارمة سابقاً. طبعاً، زاد الأمر تعقيداً عند المداخلة المثيرة لاستفزاز الأردنيين، التي ساهمت في نجومية النائب الشاب السجين الآن، والصادرة عن الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي شكر الحكومة الأردنية لأنها تعاقب من يسيء إلى إسرائيل، علماً بأن آلاف الأردنيين يومياً يسيئون إلى إسرائيل وينددون بجرائمها ولا يتعرض لهم أحد في عمان.
مداخلة كوهين دفعت نشطاء الحراك خصوصاً على المنصات الإلكترونية، إلى العودة لتسجيلات وتراث العجارمة عندما كان نائباً في البرلمان يخطب ويداخل ويتحدث خصوصاً في القضية الفلسطينية، علماً بأنه كان صاحب السبق في مبادرة الزحف العشائري لتحرير فلسطين ومناصرة المقاومة الفلسطينية قبل انفلات العبارات. في كل حال، ووسط تعقيدات المشهد السياسي المرتبطة بملف تحديث المنظومة السياسية في البلاد وولادة الكثير من الاجتهادات والمبادرات غير البرامجية حتى الآن على الأقل، يبدو أن ملف العجارمة كشخص وكمواطن سجين الآن ليس بصدد إغلاق الصفحة؛ فالعديد من النشطاء يتعاملون مع القضية باعتبارها محوراً لصدام مع السلطات والحكومة بالرغم من أن تجاوزه لبعض الخطوط الحمراء وميله لمسار كان يمكن أن يؤدي إلى الشعبوية أقل في مناصرته، إلا أن طبيعة التسرع بفصله من البرلمان ثم اعتقاله ومحاكمته، إضافة إلى العقوبة المغلظة بحقه، دفعت في اتجاه إبقاء ملفه على قيد الحياة.
لكن ما يجري من ترتيبات لها علاقة بتعديلات دستورية وتحديث المنظومة السياسية في البلاد أسهم في بروز مؤشرات أخرى قد لا تقل أهمية؛ فالمعارض البارز والقديم الذي أعلن عدة مرات أنه اعتزل الاشتباك السياسي ليث شبيلات، يعود بقوة إلى الواجهة عبر سلسلة من أشرطة الفيديو التي يبدو أنه يسجلها خارج البلاد، حيث غادرها قبل أكثر من عام متسبباً بكثير من الجدل، خصوصاً أنه يطرح جملته المعارضة هذه المرة بتوجيه نداءات خاصة لأسماء سياسيين كبار، من بينهم أحمد عبيدات وعون الخصاونة وعبد الرؤوف الروابدة وغيرهم، كاشفاً مساجلات حوارية مباشرة بينه وبينهم، ورافعاً شعار «ضياع البلد».
في كل حال، لا يجد شبيلات الكثيرين في المساندة في بوصلة الألفاظ والعبارات والخطاب الذي يطرحه، لكن هجمته الشرسة على الإخوان المسلمين تحديداً لفتت كل الأنظار وحيدت بالتالي في سياق مناصرته الجبهة الحزبية العريضة الأهم في البلاد، والمنقول عنه في المداخلة الأخيرة نيته العودة إلى عمان أو التلويح بها مع الإعلان المسبق عن نوايا الاشتباك السياسي. وعودة الأضواء لتلاحق منصات التواصل هي أقرب إلى ردة فعل على مداخلات شبيلات المصورة، التي تثير الضجيج ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ وقلق.
بالتزامن في سياق البانوراما السياسية المحلية نفسها، يبرز التحدي الثالث الأهم، وهو موقف جبهة العمل الإسلامي والحركة الإسلامية، وبالتالي الإخوان المسلمين من مجمل ما يجري بعد اتخاذ خطوتين تكتيكيتين في السياق السياسي لحزب الجبهة سينتج عنهما الكثير من التداعيات لاحقاً. وهما: أولاً، التبرؤ العلني تقريباً من الجزء المتعلق بالتعديلات الدستورية في وثيقة تحديث المنظومة السياسية التي شارك الإسلاميون في حواراتها ونقاشاتها.
وثانياً، إعلان تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية وانتخابات مجالس المحافظات اللامركزية على أساس استمرار قبضة التضييق الأمنية، وفقاً لبيان أصدره الأمين العام للحزب الشيخ مراد العضايلة.
العضايلة يتحدث بوضوح وعبر «القدس العربي» مرتين، عن استعصاء العمل السياسي في البلاد، وعن تعديلات دستورية دفنت أو قتلت مضمون ومنطوق وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد، وعن ضغوط تمارسها قواعد الحركة الإسلامية للعودة إلى «الدعوة» وتجميد العمل السياسي.
وهي ضغوط على الأرجح من الصنف الذي دفع في اتجاه اتخاذ خطوة تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية، مما يعني بأن تيار مقاطعة الانتخابات وبالتالي العمل السياسي بمعادلته المحلية، ينمو ويزحف بعمق في قواعد مؤسسات الحركة الإسلامية.
قرار تعليق المشاركة في انتخابات البلديات واللامركزية يعني الكثير سياسياً، ويفرض تحديات مستجدة، في رأي السياسي مروان فاعوري، على جميع الأطراف؛ لأن تأثيره لا ينحصر فقط بملف الانتخابات، بل أيضاً بسياق تغذية الاحتقان وظاهرة «العزوف» ليس عن الاقتراع فقط لكن عن مجمل عملية التـحويل التي تشهدها الدولة الأردنـية عشية مئـويتها الثانية.
ينسحب الإسلاميون وبنعومة من ورشة العمل الخاصة بـ»هوية الدولة الجديدة»… السلطة مغتاظة منهم، والشارع يراقبهم، لكن تعليق المشاركة يؤسس ويعكس أيضاً «أزمة داخلية» بالرغم من عبارة العضايلة الشهيرة بعنوان «الشعب ليس مأزوماً ولا التيار الإسلامي، بل الدولة هي المأزومة وتحتاج إلى إصلاح».

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً