الخليج الجديد :
تطور لافت ذلك الذي سجلته “ألوية الوعد الحق”، الأربعاء، عندما أعلنت مسؤوليتها عن هجوم بطائرات مسيرة على الإمارات، ما أثار تساؤلات لدى مراقبي الشأن الخليجي حول دلالات الإعلان الصادر عن فصيل “عراقي”، وليس عن الحوثيين في اليمن، كما حدث في الهجمات السابقة.
ورغم إعلان وزارة الدفاع الإماراتية إحباط الهجوم باعتراض دفاعاتها 3 طائرات مسيرة وتدميرها، إلا أن دلالة انطلاق الهجوم الأخير من العراق، حسبما أعلنت “الألوية”، تتجاوز نجاح الاستهداف من عدمه، وفق المراقبين، إذ تقدم تأكيدا على أن إيران لا تزال مصرة على استهداف الإمارات عبر أذرعها، وأن الثمن لوقف هكذا هجمات “لم يُدفع بعد”.
فالفصيل الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم الأخير على الإمارات هو ذاته الذي أعلن استهداف السعودية، الشهر الماضي، ما يحمل رسالة إيرانية صريحة بأن ما هو مطلوب من الإمارات لتفادي الهجمات أكبر من مجرد التخلي عن دعم الفصائل المناوئة للحوثيين في اليمن.
أوسع من اليمن
وفي حين يلقي الحوثيون باللوم على الإمارات في الخسائر الكبيرة الأخيرة في ساحة المعركة داخل اليمن، والتي أنهت فعليًا جهودهم لاستكمال السيطرة على شمال البلاد، ويتطلعون إلى الانتقام بعد تعثر هجومهم الذي كان يهدف إلى الاستيلاء على مدينة مأرب المركزية، لإحكام سيطرتهم على ثروة المحافظة ومنحهم نفوذًا في مفاوضات السلام المستقبلية، فإن أجندة إيران -في المقابل- تبدو أوسع بكثير من اليمن.
هذا ما كشفه إعلان “ألوية الوعد الحق”، باعتبارها فصيلا “غير معروف” على الساحة العراقية، وليس له أي نشاط داخل البلد، أو قيادات معروفة، ولكنه برز في الفترة الأخيرة بتبني هجمات ضد السعودية على طريقة تنظيم “الدولة الإسلامية” وخلافاً للميليشيات العراقية الشيعية الأخرى.
وكانت أول الهجمات التي أعلن عنها الفصيل الجديد استهداف العاصمة السعودية، السبت 23 يناير/كانون الثاني 2021، بصاروخ باليستي، قوبل بإدانات خليجية وعربية ودولية واسعة.
وفي حين اتهمت السلطات السعودية مباشرة ميليشيا الحوثي اليمنية بأنها من نفذت الهجوم، فإن مجموعة “الألوية” تبنته، ونشرت بيانا توعدت فيه بمزيد من الهجمات، ليس فقط على المملكة، بل على الإمارات عموما، وإمارة دبي خصوصا، بما في ذلك أبرز معالمها “برج خليفة”.
ولذا يرى المحلل السياسي العراقي “جاسم الشمري” أن إعلان “الألوية” مسؤوليتها عن الهجوم الأخير على الإمارات يحمل إشارة واضحة إلى أن طهران لاتزال تعطي الضوء الأخضر لاستهداف أبوظبي، وفقا لما نقله موقع “الخليج أونلاين”.
فأذرع إيران في العراق هي من تمتلك القدرة على إرسال طائرات مسيرة إلى بعض دول المنطقة، “خاصة أنه قبل عامين صودرت شحنة من الطائرات المسيرة، وعليه فإن أمكن الإمساك بواحدة من الشاحنات فربما هناك شحنات أخرى وصلت إلى العراق” بحسب “الشمري”.
ووفق معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فإن “ألوية الوعد الحق” هي ميلشيا مرتبطة بكتائب حزب الله العراق، التابعة لفيلق القدس الإيراني، وهي “واجهة لتنفيذ عمليات عسكرية حركية وعمليات خارجية ضد كل من الإمارات والسعودية تحديدا”.
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن محلليها أن رسالة هجمات “الألوية” مفادها أن الحرب، التي استمرت لأكثر من 7 سنوات في زاوية شبه الجزيرة العربية، يمكن أن تتحول إلى خطر إقليمي.
ومن هنا تريد إيران، عبر تهديدات أذرعها العسكرية، إرسال رسالة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم يظهر موقفها بعد بصورة جلية من الوضع في العراق، مفادها: “من يريد ترتيب أوراق المشهد السياسي في العراق فعليه التفاوض معها”، حسبما يرى “الشمري”.
ويعزز من مضمون الرسالة أن التهديد بضرب برج خليفة يهدد سمعة الإمارات الصديقة للأعمال والتي يركز نشاطها الاقتصادي على السياحة.
وبإضافة أن الحوثيين وجهوا رسالة في الاتجاه ذاته عبر الاستيلاء على سفينة إماراتية في البحر الأحمر قبالة ساحل الحديدة، في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الماضي، يمكن قراءة فحوى الإصرار الإيراني على استلام ثمن “أمن الإمارات” كاملا، وغير مجتزأ.
العامل الإسرائيلي
ومن هذه الزاوية تقرأ الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “ريمان الحمداني” تصعيد الحوثيين الأخير، واصفة إياه بأنه “إعادة للإمارات إلى الصراع الذي كانت تحاول الخروج منه”، وفقا لما نقلته “أسوشيتد برس”.
لكن ما هو كامل الثمن المطلوب إيرانيا من الإمارات؟ ثمة ارتباط للإجابة بوتيرة وحدود تطبيع الإمارات مع إسرائيل، حسبما يرى مراقبون، بينهم رئيس مركز أبعاد للدراسات، الباحث اليمني “محمد عبدالسلام”.
ويلفت “عبدالسلام” إلى أن إدخال إيران ذراع “عراقي” في المواجهة مع الإمارات، قد تؤشر إلى “ورقة ضغط” لدفع الاتفاق النووي نحو الإتمام، من جانب، وكبح وتيرة التطبيع مع إسرائيل، بما قد يتجاوز خطوطها الحمراء استراتيجيا وعسكريا من جانب آخر.
فوتيرة التطبيع الإماراتي والبحريني بلغت حدا ذا تأثير عسكري، وهو ما كشفته مصادر موقع “أفريكا إنتليجنس”، المعني بشؤون الاستخبارات، والتي أفادت ببحث وزير الجيش الإسرائيلي إقامة “مركز” لقوات بحرية الاحتلال في الخليج مع المسؤولين في البحرين.
من هنا يمكن قراءة ردود الفعل الإيرانية إزاء زيارة رئيس الاحتلال الإسرائيلي “إسحاق هرتسوج”، خلال اليومين الماضيين، إلى أبوظبي، وإعلان الأخيرة بحث تلقيها “دعم عسكري وأمني من إسرائيل”، عقب الهجمات الحوثية التي وقعت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وسبق أن أفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن وزير الخارجية “حسين أمير عبداللهيان” أكد لنظيره الإماراتي “عبدالله بن زايد”، أثناء زيارة الأخير إلى طهران، إلى أنه “يجب العمل لمنع مصادر الأزمات من اتخاذ موطئ قدم لها بالمنطقة”.
وشدد وزير الخارجية الإيراني على أن “حضور الكيان الإسرائيلي في المنطقة تهديد لكل دولها”.
ومن هذا المنطلق، التقط الزعيم الشيعي العراقي “مقتدى الصدر” الرسالة الإيرانية، الخميس، داعيا، في بيان، إلى “عدم الزج بالعراق في حرب إقليمية خطرة من خلال استهداف دول خليجية بحجة التطبيع مع إسرائيل”.
وأكد “الصدر”، الذي يتبنى خطا لاستقلال العراق عن الهيمنة الإيرانية، أنه يوافق المطالبين “بوقف الحرب ضد اليمن وإيقاف التطبيع مع العدو الصهيوني”، لكنه شدد على أن “ذلك لا يكون بالعنف والاقتتال بل بالحوار والتفاهم مع الدول الإقليمية”.
وأشار إلى أن “العراق بحاجة إلى ألا يكون السلام والهيبة وعدم التبعية لأوامر الخارج منطلقا للاعتداء على دول الجوار والدول الإقليمية”، داعيا الحكومة العراقية إلى التعامل مع منفذي هذه الاعتداءات بجد وحزم.