"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

مقتل زعيم «تنظيم الدولة»… و6 أطفال و 4 نساء!

هل ستؤدي عملية عسكرية في بلدة تبعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن واشنطن لـ«حماية الشعب الأمريكي» وحلفاء أمريكا في سوريا والعراق؟

القول إن تلك العملية جعلت «العالم أكثر أمانا» مسالة فيها نظر بالنسبة لستة أطفال وأربع نساء تم التأكيد، من قبل الأمريكيين أنفسهم، على أنهم قتلوا خلال العملية.

على المدى البعيد يتابع مقتل أبوإبراهيم القرشي مسلسل «الحرب على الإرهاب» لكن فصل الإرهاب عن أسبابه الحقيقية العميقة أحد أهمّ عناصر ذلك المسلسل.

الهجوم قامت به طائرات مروحية نفذت أكثر من 4 غارات على المبنى والقوات نفذت إنزالا جويا و6 هجمات بالرشاشات الثقيلة وقامت بتدمير إحدى طائراتها المروحية المهاجمة التي سقطت «بسبب عطب».

*      *      *

تكتنف التصريحات الأمريكية حول مقتل زعيم «الدولة الإسلامية» المسمى (بين أسماء أخرى عديدة) أبوإبراهيم القرشي، ملابسات لا تتناسب مع الأهداف التي أعلنها الرئيس جو بايدن من العملية، وهي «حماية الشعب الأمريكي وحلفاء أمريكا وجعل العالم أكثر أمانا».

يصعب أيضا، لمن يتوقعون من أمريكا النأي عن لغة الأنظمة الدكتاتورية، وأنواع البروباغاندا السياسية التي تميّز تلك الأنظمة، تقبّل العبارات الدعائية التي استخدمها بايدن ووزارة الدفاع الأمريكية عن «مهارة القوات المسلحة الأمريكية وشجاعتها» بما في ذلك الزعم أن «جميع الأمريكيين المشاركين في العملية عادوا بسلام».

وإذا تقبلنا، من حيث المبدأ، فكرة أن عملية عسكرية في بلدة تبعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن واشنطن ستؤدي إلى «حماية الشعب الأمريكي» كما ستؤدي، بالنتيجة، إلى حماية حلفاء أمريكا (في سوريا والعراق خصوصا) فإن القول إن تلك العملية أدت إلى «جعل العالم أكثر أمانا» مسالة فيها نظر، على الأقل بالنسبة لستة أطفال وأربع نساء الذين تم التأكيد، من قبل الأمريكيين أنفسهم، على أنهم قتلوا خلال العملية.

لا يفيد الإدارة الأمريكية كثيرا (وربما يضرّها) التركيز على أن كل هؤلاء قتلوا بسبب سترة مذخّرة كان يرتديها زعيم التنظيم، ويصعب تركيب هذا المقطع من الخبر على التفاصيل الأخرى العديدة التي تم تأكيدها، وبضمنها أن الهجوم قامت به طائرات مروحية نفذت أكثر من 4 غارات على المبنى، وأن الطائرات المغيرة والقوات التي نفذت إنزالا جويا شنت 6 هجمات بالرشاشات الثقيلة، وأنها قامت بتدمير إحدى طائراتها المروحية المهاجمة التي سقطت «بسبب عطب».

لا يتناسب هذا أيضا مع شرائط الفيديو التي بثتها وسائل إعلام متواجدة في منطقة الهجوم شمال غرب سوريا، والتي تظهر تعرض المنزل إلى دمار كبير، ووجود آثار طلقات على الجدران، وكذلك انتشار الدماء في أرجاء عديدة من المبنى المؤلف من طابقين.

يمكن ربط العملية على المستوى الزمني القصير بالأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الحسكة، والتي حاول فيها التنظيم إطلاق سراح الآلاف من السجناء المحسوبين عليه في سجني غويران و«الصناعة» مما أثار مخاوف محلية وإقليمية وعالمية من إمكانية تجميع التنظيم لقدراته ومتابعة هجماته في العراق وسوريا، وما يعني ذلك من احتمال استنهاض أعمال إرهابية في مناطق أخرى من العالم.

أما على المدى البعيد، فإن مقتل أبوإبراهيم القرشي، يتابع مسلسل «الحرب على الإرهاب».

فصل الإرهاب عن أسبابه الحقيقية العميقة أحد أهمّ عناصر ذلك المسلسل.

إضافة إلى فصلها أفاعيل الإرهاب عن مفاعيله، تتجاهل حرب أمريكا أيضا دور الإدارات السياسية المتعاقبة في واشنطن في تعزيز أسباب ذلك الإرهاب، وخاصة في سوريا والعراق، بحيث نصل إلى نتيجة تشابه نظريات المؤامرة، بحيث يتناظر صراع الإدارات الأمريكية (وحلفاؤها المحليون) مع تنظيمات الإرهاب، مع حاجة أمريكا وحلفائها إلى استمرار تلك التنظيمات كتهديد!

يبدو افتراض وجود إمكانية للقضاء عسكريا على التنظيمات الإرهابية من دون علاج الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لظهورها، مناسبا للإدارات السياسية الأمريكية (وحلفائها) لأنه يحجب مسؤوليتها الكبيرة عن خلق أرضية ذلك الإرهاب.

كما أنه يناسب نظام بشار الأسد، الذي تحالف مع «حلفاء أمريكا» ممثلين بحزب العمال الكردستاني ذي القيادة التركية، ليسيطر على مناطق الأكراد السوريين ويمنع تفاعلهم مع الثورة الشعبية ضده، وحكومة نوري المالكي في بغداد، التي ساهمت بسياساتها القمعية والطائفية في تحوّل تنظيم «القاعدة» إلى «الدولة الإسلامية» وصولا إلى المأساة الكبرى، للمنطقة والعالم، والتي لم تنته بعد.

المصدر | القدس العربي