DW :
تسلط زيارة الرئيس الإسرائيلي التاريخية إلى دولة الإمارات الضوء على ازدهار العلاقات الثنائية. كما تشير التوقعات إلى رغبة البلدين في تعزيز التعاون في مواجهة إيران خصوصا أنها تزامنت مع استهداف الحوثيين للإمارات.
لم تنتظر بعثة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ طويلا حتى ترى أنها استطاعت تحقيق شيء هام وذلك بعد أقل من 48 ساعة من وصول طائرة هرتزوغ إلى أبوظبي في زيارة تاريخية لدولة الإمارات.
وتحمل رحلة هرتزوغ الرمزية إشارات هامة؛ فهي أول زيارة يقوم بها رئيس إسرائيلي إلى دولة الإمارات منذ التطبيع بينهما ما يوحي بدفء العلاقات بين البلدين خاصة مع رفع العلم الإسرائيلي في الدولة الخليجية.
لكن القضايا الجيوسياسية خاصة التنافس على زعامة المنطقة، دائما ما تدفع إلى استمرارية الوضع الراهن. فبعد وقت قصير من وصول هرتزوغ إلى الإمارات الأحد الماضي تصدر خبر إطلاق الحوثيين في اليمن صاروخا باليستيا تجاه الإمارات ورد الأخيرة عليه صدارة اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية.
ويرى المراقبون أن الهجوم الصاروخي بالتزامن مع زيارة هرتزوغ لم يكن مصادفة بالنظر إلى المعطيات على أرض الواقع إذ أن الحوثيين مدعومون من إيران وهي بمثابة العدو اللدود المشترك للإمارات وإسرائيل.
وقد انضمت الإمارات عام 2015 إلى التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين ما جعل اليمن البلد الفقير يئن تحت وطأة صراع واقتتال وأزمة إنسانية متفاقمة حتى اليوم.
ورغم محاولة الحوثيين الصاروخية، إلا أن ذلك لم يعكر صفو زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى الإمارات إذ لم يخيب هرتزوغ آمال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إذ قال: “أود أن أؤكد أننا نؤيد تماما متطلباتكم الأمنية. نحن هنا معا لإيجاد السبل والوسائل لتحقيق الأمن الكامل للأشخاص الذين يسعون إلى السلام في منطقتنا”.
يشار إلى أنه وقبل 16 شهرا، تحولت إسرائيل ودولة الإمارات من العداوة الشكلية إلى التحالف الرسمي.
وتم ذلك عقب توقيع وزراء خارجية الإمارات والبحرين ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو على اتفاقيات أبراهام برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الخليجيتين وإسرائيل وهو الأمر الذي اعتبره ترامب “إنجازا كبيرا” في ولايته.
لعلم الإماراتي بجوار علم إسرائيل فيما كان هرتزوغ يلقي كلمة في معرض إكسبو 2020 في دبي
ورغم تزايد وتيرة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات وتطورها بشكل ملفت، إلا أن ذلك لا يحدث على مسار العلاقات بين إسرائيل والبحرين والمغرب والسودان بالسرعة نفسها. فهي تتحرك بوتيرة أبطأ مقارنة بالعلاقات الإماراتية-الإسرائيلية.
زخم التجارة والسفر
قد يكون التشابه بين إسرائيل والإمارات في حجم الاقتصاد والتنمية هو الدافع للمسار السريع في تعزيز العلاقات الثنائية.
وفي ذلك، قالت شركة تأمين الائتمان التجاري “أتراديوس” إن إجمالي الناتج المحلي في كلا البلدين يبلغ “حوالي 400 مليار دولار أي ما يعادل 356 مليار يورو بالإضافة إلى تمتع تعداد سكان البلدين الصغير نسبيا بمستوى معيشي مرتفع على صعيد الفرد”.
وقد بدا ذلك جليا في تصريحات هرتزوغ خلال تفقده الجناح الإسرائيلي في معرض أكسبو 2020 في دبي إذ ذكر: “بعد وقت قصير منذ الإعلان عن اتفاقات (إبراهام) تجاوزت التجارة البينية عتبة المليار شيكل (قرابة 315 مليون دولار أو 280 مليون يورو) فيما أبرم البلدان أكثر من 120 اتفاقية”.
تزامن هذا مع ما كشف عنه مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل من زيادة بنسبة 30٪ في استيراد وتصدير البضائع باستثناء الماس بين إسرائيل والإمارات مقارنة بعام 2020.
كذلك شدد هرتزوغ أثناء وجوده في دبي على أن “الإسرائيليين والإماراتيين باتوا يدرسون معا ويتبادلون تعلم ثقافات ولغات بعضهم البعض”.
ويبدو أن تحسن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل لم يتوقف عند المستوى التجاري بل امتد الأمر إلى قطاع السفر والسياحة. فقد زار حوالي 250 ألف إسرائيلي الإمارات حتى الآن فيما أثرت الإجراءات الصارمة التي فرضتها إسرائيل على السفر إليها لمكافحة تفشي كورونا على سفر مواطني دولة الإمارات إليها.
ورغم ذلك، أكد هرتزوغ ترحيب بلاده بمواطني البلد الذي استضافه قائلا: “ننتظر قدوم العديد من مواطني الإمارات إلى إسرائيل بعد الجائحة”.
كذلك شملت مجالات التعاون بين البلدين قطاعات عديدة منها التنمية المستدامة والبحث والتطوير والزراعة والطب وأيضا مجال التكنولوجيا المالية.
وفي ذلك، قال سيباستيان سونز- الخبير في قضايا الشرق الأوسط في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا ويعرف اختصار بـ “كاربو” – إن ظاهرة التغير المناخي “تمثل تحديا لجميع دول المنطقة فيما يعد تعزيز التعاون المشترك الطريق الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة”.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، أضاف أن “إسرائيل تعتبر اللاعب الأكثر تطورا في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط لذا فهي تعد بمثابة شريك جيد للتعاون”.
وأشار سونز إلى أن الدول العربية الأخرى التي لم تبرم اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل مثل سلطنة عمان والسعودية، ستستفيد من التعاون مع الدولة العبرية في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، مضيفا “هذه الدول في حاجة إلى إسرائيل في إطار التكنولوجيا لعدم قدرتها على مواجهة هذه التحديات بمفردها”.
السعودية.. حالة خاصة
ورغم رغبة إسرائيل وسعيها إلى تطبيع العلاقات مع كافة الدول العربية، إلا أن هذه الرغبة تزداد عندما يتطرق الحديث إلى السعودية حيث تطلب تل أبيب ود الرياض بشكل قوي، بيد أن الأمر يثير الكثير من الجدل.
“السعودية ستكون الجائزة الكبرى لإسرائيل”، بهذه العبارة وصف يوئيل غوزانسكي – الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب – احتمالية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، أضاف “يرغب الإسرائيليون في إعطاء السعودية (طابع كوشير) لأهميتها كزعيمة للعالم السني وتضم الأماكن الإسلامية المقدسة”.
يشار إلى أنه لسنوات عديدة كانت هناك علاقات غير مباشرة بين السعودية إسرائيل وإن لم تصل إلى الطابع الرسمي في ظل وجود قضايا ذات حساسية لا سيما القضية الفلسطينية وحل الدولتين.
ورغم ذلك، يرى غوزانسكي أن هناك أوجه تشابه بين السعودية وإسرائيل مثل مواجهة إيران والصراع في اليمن، مضيفا “سيكون من الذكاء تقديم المساعدة (للسعودية) في هذا التوقيت لأنها سوف تتذكر ذلك. إن السعودية في حاجة إلى طرف إقليمي وربما تكون إسرائيل هذا الطرف”.
الطريق صعب
بدوره، يرى سونز أن التطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل لن يكون بالأمر السهل، مضيفا ” من غير المرجح التطبيع مع السعودية لأنها تضم دوائر تعادي إسرائيل بما في ذلك الملك سلمان”.
ويقول إن أي محاولة للاعتراف بإسرائيل ستكون ضد سبب قيام الدولة السعوديـة، على حد قوله.
ورغم ذلك، فقد أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بإجراء ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو محادثات غير رسمية خلال السنوات الأخيرة وهو ما دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن المستقبل ربما يحمل تعاونا عسكريا أو اقتصاديا أو في مجال الطاقة بين إسرائيل والسعودية.
ويرى خبراء أن التوافق غير الرسمي بين إسرائيل والسعودية كان حاسما في زيارة أول رئيس إسرائيلي إلى الإمارات إذ سمحت الرياض بعبور طائرة هرتزوغ وزوجته الأجواء السعودية.
—-
جينيفر هوليس وكيرستن كنيب/ م ع