شفقنا :
فيما اعتبرت إن مصداقية الولايات المتحدة الأخلاقية والقانونية باتت في خطر، بعد “الإخفاق المخز” للجيش الأميركي في حماية المدنيين في مناطق النزاعات المختلفة حول العالم، انتقدت مستشارة سابقة لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية في مقال لها بمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، الأخطاء التي شابت العمليات العسكرية بساحات القتال في العراق وسوريا وأفغانستان.
وكتبت سارة ياغر كبيرة مستشاري حقوق الإنسان السابقة بمكتب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة في مقالها، أن الجيش الأميركي كان قد عكف قبل 8 سنوات على اتخاذ إجراءات للتحقيق في سقوط مدنيين بأفغانستان والعراق جراء العمليات العسكرية التي شنها، وتتبع تداعياتها ومن ثم تعويض الضحايا.
وقالت إنها سبق أن اعتبرت -في مقال سابق بالمجلة نفسها بذلك الوقت- تلك الإجراءات ناقصة، “لكنها تمثل تحسنا ملحوظا في إدارة الحرب”، مضيفة أنها رغم إشادتها بما طرأ من تحسن على أداء القوات الأميركية في حماية المدنيين إلا أن القلق كان يساورها من أن تلك المكاسب يمكن أن تكون مؤقتة إن لم تكن راسخة.
تجارب مرتجلة
والمؤلم -وفق سارة ياغر التي تتولى حاليا إدارة مكتب منظمة “هيومن رايتس ووتش” (Human Rights Watch) في واشنطن- أن الدروس المستفادة من تراكم تجارب الجيش الأميركي في الحروب طُبّقت بشكل مرتجل، وأن ما من أحد في وزارة الدفاع (البنتاغون) تولى مسؤولية محددة لرصد الأضرار التي تلحق بالمدنيين أو إيجاد طرق للتحقق بشأنها.
وإزاء ذلك، كان الجيش الأميركي معرضا لاحتمال أن يذهب ذلك التحسن الذي طرأ في جهود حمايته للمدنيين أدراج الرياح.
وانتقلت الكاتبة إلى الحديث بإسهاب عن الأخطاء التي شابت العمليات العسكرية بساحات القتال في سوريا وأفغانستان والعراق. وقالت إن الجيش أنشأ خلية هجومية في غاية السرية عام 2014 لمطاردة تنظيم داعش في سوريا واستهداف العديد من مواقعه خلال 5 سنوات.
إنكار البنتاغون
غير أن تحقيقا أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) كشف أن تلك الخلية قتلت أيضا عددا غير معروف من المدنيين، وأن الوفيات التي حدثت جراء تلك العمليات لم يتم حصرها رسميا ولم تعترف بها وزارة الدفاع الأميركية إلا مؤخرا رضوخا لضغوط من وسائل الإعلام، كما تؤكد سارة ياغر.
وتضيف الكاتبة أن إماطة اللثام عن تلك الضربات في سوريا جاءت بعد أشهر فقط من إقرار الجيش الأميركي أنه شن غارة بطائرة مسيرة في أغسطس/آب الماضي بأفغانستان أودت بحياة 10 مدنيين -من بينهم 7 أطفال- ليس من بينهم “إرهابي” واحد كما ادعى البنتاغون أول الأمر.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشرت نيويورك تايمز مجموعة من وثائق البنتاغون عن عمليات استهداف “طائشة”، ووفيات وسط المدنيين، وقليل من المساءلة في واشنطن.
جرائم حرب محتملة
وتؤكد المستندات في مجملها أن سجل الجيش الأميركي فيما يتعلق بالضرر الذي يلحق بالمدنيين أمر “مخزٍ”. وينطوي الكثير من تلك الضربات التي كُشف النقاب عنها مؤخرا على خروق لقوانين النزاعات المسلحة، وأن غيرها من العمليات تمثل جرائم حرب محتملة، وفق مقال فورين أفيرز.
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد شدد في تشرين الثاني الماضي على ضرورة أن يعمل الجيش الأميركي جاهدا للحد من الخسائر المدنية، وفق كاتبة المقال التي أشارت إلى أن هذا وعد سبق لمسؤولين أميركيين أن قطعوه، لكنه لم يعد كافيا.
ومضت الكاتبة في معرض تعليقها إلى القول إنه لأخذ التزام أوستن على محمل الجد فينبغي على الجيش الأميركي معالجة الأخطاء “الممنهجة” التي يرتكبها، والسماح بمراجعة مستقلة للأضرار التي ألحقتها عملياته بالمدنيين.
مصداقية أميركا في خطر
على أن الأهم من ذلك -برأي سارة ياغر- أن مصداقية الولايات المتحدة كطرف أخلاقي وقانوني في النزاعات المسلحة أضحت في خطر، وأن المدنيين سيعانون في تلك الصراعات وهذا أمر معلوم ويجب أن يكون عنصرا رئيسيا، وعلى راسمي السياسات أن يضعوه في الحسبان عند التفكير في استخدام القوة.
وعلى الرغم من أن الجيش الأميركي يؤكد امتثاله للقوانين الدولية التي تسعى للحد من تلك الأضرار على المدنيين، فإن الشواهد تكشف عن “نمط من التزام مريب بتلك القوانين، وتكرار للأخطاء، وأدلة على استهتار، وانتهاكات صارخة للقوانين”.
وأعاد مقال المجلة الأميركية إلى الأذهان حادثة الضربة الجوية التي وقعت في كابل عاصمة أفغانستان في آب الماضي، ووصفتها الكاتبة بأنها مثال آخر على الأخطاء التي تفضي إلى وفيات يمكن تجنبها وسط المدنيين، “وهي أخطاء معروفة لكل من ظل يولي اهتماما بالخسائر المدنية طيلة العقدين الماضيين”.
وأوردت الكاتبة تفاصيل عن تلك الغارة على كابل، قائلة إن مشغلي الطائرة الأميركية المسيرة كانوا يتعقبون رجلا يدعى زماري أحمدي لمدة 8 ساعات ظنا منهم أنه إرهابي فقتلوه ومدنيين آخرين كانوا بالقرب منه. لكنه كان الهدف الخطأ، فأحمدي كان عامل إغاثة وكان يقوم بعمله المعتاد.
وكان رد فعل وزارة الدفاع الأميركية على الحادثة للوهلة الأولى أن أنكرت قتل مدنيين، وبعد أيام من ذلك وصفت الغارة بأنها كانت خاطئة وفتحت تحقيقا سريا بشأنها، وفي نهاية المطاف لم تجد أي مسؤول أو فرد في الخدمة العسكرية مذنبا، وأعلنت أنها لا تحمل المسؤولية في ذلك لأي شخص.
إخفاق في تحديد الجناة
وأوضحت سارة ياغر في مقالها أن النمط الأكثر شيوعا في الغارات الجوية الأميركية أنه نادرا ما يُحمّل أي شخص مسؤولية مقتل مدنيين، بل إن التحقيقات الداخلية المتكررة لم توقع عقوبة تذكر على الجناة، ربما لأن وحداتهم هي التي تجري التحريات بنفسها في بعض الأحيان.
وتختتم الكاتبة بالقول إن البنتاغون والبيت الأبيض في عهود الإدارات المتعاقبة أظهرا عدم القدرة على إيجاد حلول دائمة لتلك المشاكل، مشيرة إلى أنه ليس ثمة خيار آخر سوى التطلع إلى الكونغرس لتولي هذا الأمر ومحاسبة المسؤولين عن الأخطاء.