"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الباحث الإيراني عظيم طهماسبي : «ألف ليلة وليلة» لا تخص العرب وحدهم وهي نتاج التعددية الثقافية في الفترة العباسية

القدس العربي :

شكّل الإسلام منذ بداية انطلاقه في القرن السابع الميلادي، خاصة بعد فتح المسلمين لبلاد فارس، وإسقاط الإمبراطورية الساسانية، أحد أهم وأبرز التحولات في تحديد شكل ونوع العلاقة بين العرب والإيرانيين، وكان تباين وجهات النظر بين الطرفين، إزاء ملفات إسلامية معقدة، غاية في الحساسية، من أكثر القضايا الإشكالية التي تحكم العلاقة بين الطرفين، وتؤثر فيها بشكل مباشر. وبطبيعة الحال، أدت مجمل هذه التأثيرات لخلق صورة نمطية مسبقة، غير قابلة للمراجعة في كثير من الأحيان لكلا الجانبين عن الآخر، ويبرز ذلك جليا في ميادين الأدب والفكر والثقافة.
في هذا الحوار، مع المترجم والباحث العلمي في دائرة معارف العالم الإسلامي في طهران، عظيم طهماسبي نسلط الضوء على أبرز معضلات المثاقفة الإيرانية العربية، وعن الصورة النمطية للإنسان العربي في الأدب الفارسي، وعن ظاهرة الشعوبية في العصر العباسي وأسبابها من وجهة نظر الثقافة الإيرانية.

□ يُقسمُ الإمام الخميني العالم الإسلامي في وقتنا الحالي إلى قسمين، الأول من يتبنى الإسلام المحمدي، ويقصد بذلك إيران، والثاني ما سماه بـ (الإسلام الأمريكي المنحرف) ويقصد به إسلام أهل السنة والجماعة وعموم العالم العربي، هل تعتقد أن إيران تمتلك المقومات الكافية لتصدير نفسها على أنها وريثة العالم الإسلامي وفق قراءة شيعية صرفة؟
■ لا أريد التطرق إلى مثل هذه القضايا، بما أنني لستُ ناطقا ومتحدثا باسم أي جهة، أما سؤالك عن الإسلام المحمدي والإسلام الأمريكي، فهو يدل على السياسات التي تبنتها الحكومات تجاه القضايا الإنسانية والدينية. الإمام الخميني فقيه، وعالم متخصص في الدين، تبنى قواعد الحكم مستمدا من علوم الفقه، وكان همّه الأول تطبیق أحکام الشرع في المجتمع، وتأسيس حكومة تحظى بدعم الجمهور، وتنبني على أسس الإسلام، فمن الطبيعي أن ينظر العالِم الديني ـ وهو يتولى قيادة الحكم ـ إلى القضايا السياسية من منظار مختلف، حسبما أفهم أن كلمات الإمام الخميني عن الإسلام الأمريكي لا ترتبط بالسنة والشيعة، وإنما ترتبط بشيء آخر، وهو توجيه اللوم إلى الحكام، الذين تخلوا عن قضية فلسطين، وهم غارقون في الحياة المليئة بالترف والرفاهية، فاعتبر هؤلاء الحكام طواغيت؛ اتخذوا الدين لهوا ولعبا نتيجة بعدهم عن مبادئه وقواعده، ولذلك يصف مثل هذا الدين بالإسلام الأمريكي.
من جانب آخر المذهب الشيعي غير الحكومة، التي تم تكوينها باسم مذهب الشيعة.
الإسلام كما يعتقد علماء الشيعة الكبار عندنا، لا يمكن حصره في سياسة الدولة، فهناك بعض العلماء يؤكدون اليقظة النفسية والإنسانية من الداخل، ويؤكدون ضرورة الانفتاح على الحقائق، ولم يؤكدوا على ضرورة الثورات الاجتماعية والسياسية لتعتنق الشعوب الإسلام الحقيقي، لأن الإسلام الحقيقي ينبع من الداخل والضمير، ولا يمكن فرضه من خلال الحكومات السياسية. الإسلام ليس ظاهرة بإمكان الحكومات أن تفرضه، وفي الإسلام كما هو معروف «لا إكراه في الدين».

□ لكن بالنظر إلى واقع المنطقة العربية في الوقت الحالي، من المرجح أن هناك تفاهمات عميقة بين إيران والغرب، ومن الواضح أنها أفضت إلى تبادل الهيمنة على المنطقة، وأخذت إيران دور اللاعب الأهم والمحوري إقليمياً، على حساب انحسار الدور العربي، ما رأيك؟
■ أنت تشير إلى التفاهمات بين الغرب وإيران، كل ما يلمسه الشعب الإيراني هو سلسلة غير متناهية من أنواع سوء التفاهمات والتوترات القائمة بين الغرب وإيران؛ العقوبات المفروضة على البلد، التي قد لا نجد نظيرها في أي بلد آخر، كيف يمكن لنا أن نفسرها؟ هذه الكلمات لا يقبلها أي إنسان عاقل حينما يطلع على ميزان المبادلات التجارية بين بعض البلدان العربية والبلدان الغربية، ومن ثم يُقارن الوضع مع إيران وتلك البلدان.

□ ولماذا يبدي العرب موقفاً سلبياً من تماهي إيران مع إرثها الساساني؟ وما هي أسباب ذلك؟
■ دائما كانت إيران بلدا كبيرا في تاريخها العريق، حتى في فترات متأخرة من تاريخها في العهد الصفوي والأفشاري والزندية والقاجاري، كانت بلدا مهما على المستوى الإقليمي، رغم أن مساحة البلد تقلصت شيئا فشيئا، وكانت أفغانستان قبل قرنين جزءا من إيران، وكذلك أذربيجان والبحرين. وفي الفترة البهلوية، كانت علاقات إيران وأمريكا وأوروبا قد توطدت، شهد البلد ازدهارا كبيرا في مختلف المجالات، وبعد الثورة الإسلامية شهد البلد تطورات أخرى، رغم أن هذه التطورات جلبت للشعب الإيراني مصائب ومعيقات، وحدثت أزمات متعددة، بدءا من حرب العراق المفروضة ضد إيران، وصولا إلى محاولة إيران الحصول على الطاقة النووية، وتبعتها العقوبات التي فُرضت على البلاد. إيران بسبب قوتها وتاريخها لها دور أساسي في المنطقة، والمنافسات الموجودة بين السعودية وإيران من جهة، وتحالفات جديدة بين إسرائيل والعديد من البلدان العربية، زادت الطين بلة، وللأسف، في ظل هذه النزاعات تناسى الناس قضية فلسطين، متجاهلين مخاطر التغلغل الصهيوني، وفي مثل هذه الأجواء تنقلب الأمور رأسا على عقب. هنالك قنوات فضائية عربية تنادي بسياسة رؤساء البلدان، الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ تلك الفضائيات تقدم صورة سلبية عن إيران كعدو للعرب، كما تعرض صورة كاذبة عن إسرائيل كشقيق للعرب.

□ يا ترى لولا المظلومية والمأساة التي حاقت بالحسين وآل بيته، هل تستطيع إيران أن تجد لها موطئ قدم في العالم الإسلامي؟ أم أنها ستفتش عن مظلومية أخرى تتبناها وتحاول التماهي معها؟
■ لا أظن أن إيران وجدت موطئ قدم بسبب مظلومية الإمام الحسين، فقد كانت في فترة الشاه الراحل لها اليد العليا في المنطقة، في حين أن تركيا آنذاك كانت تعاني من الفقر والتخلف. إيران موجودة قبل الثورة الإسلامية بمئات القرون، ومن يقرأ التاريخ يرى أن هذا البلد له دورٌ كبيرٌ في تاريخ البشر في كل فتراته قبل الإسلام وبعده.

□ ذكرت في أحد تصريحاتك الصحافية «أن العرب لا يقرأون ثقافات الشعوب المحيطة بهم» كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
■ هذا مجرد رأي شخصي لا ألح على صحته، وما ذكرته آنفا عن العرب، أذكره هنا عن الشعب الإيراني أيضا. إننا أكثر انفتاحا على الآداب الأوروبية والأمريكية، وهذا ما أراه من خلال عدد طبعات الكتب المترجمة، بينما تُطبع رواية لكاتب أوروبي سبعين مرة، لم نجد أي عمل لكاتب عربي في إيران طبع لعشرين مرة. من جانب آخر، هل يمكن أن تدلني على رواية لكاتب إيراني تُرجمت إلى العربية، وتم طبعها عشرين مرة، وزاد عدد النسخ عن ألف نسخة؟

□ رغم محاولات الحركة الشعوبية في العصر العباسي للحط من شأن العرب والإسلام، إلا أن المثقفين العرب لم يردوا بالمثل، بل حللوا هذه الظاهرة وناقشوها سياسيا وفكريا ونفسيا، كما عند الجاحظ في «البيان والتبيين» كيف ترى دلالات ذلك؟
■ أرى بداية أن سؤالك تنقصه الموضوعية والشمولية، وهذا يعود إلى افتراضك المسبق حول قضية الشعوبية كظاهرة سلبية، تبنى على كراهية بعض الناس ذوي الأصول الإيرانية تجاه العرب والإسلام. هذا يعني أن ننغلق على ذواتنا ونصدر أحکاما نهائية، دون التقصي عن الحقائق. الشعوبية، حسبما أعرف، كانت ردة فعل ضد ممارسات غير عادلة داخل المجتمع الإسلامي، لم يراع فيه مبادئ الإسلام كما يجب. وهذه الظاهرة الاجتماعية هي احتجاج ضد هؤلاء الذين لم يكونوا من أصول عربية، وهم نهضوا للدفاع عن أنفسهم من خلال اللجوء إلى الإثنية، والعودة إلى ماضيهم ومفاخرهم كوسيلة للاحتفاظ بالهوية، والدفاع عن الذات. ولا أظن أن الشعوبية في أساسها نهضة قائمة لمواجهة الإسلام، بل كان همها الأول هو مجابهة المركزية العربية ورفضها بطريق مضاد. فالإسلام يدعو إلى العدالة والإخاء، لكن هل حُقق هذا في صدر الإسلام، أو في القرنين الثاني والثالث؟ الجواب لا، ومن هنا تتكون بذرة الشعوبية الأولى.

□ من الصور النمطية للشخصية العربية في الأدب الفارسي الحديث، أن العربي هو شخص متخلف، جلف، لا يمتلك فنا، بعيدٌ عن التحضر. إلى أي مدى تستطيع الترجمة أن تزيل غشاوة التنميط السلبية عن شخصية الآخر؟
■ لا أظن أن العرب تم تمثيلهم في الأدب الفارسي وفق ما ذكرته، ربما هنالك نماذج من هذا النوع ضمن بعض القصص لصادق هدايت، أو عدد قليل من الكتّاب، وهذه الصورة النمطية لم ترد في تضاعيف الحجم الهائل من الأعمال الأدبية أو النقدية، ففي فترة الشاه هناك موجة كانت تأتي لدعم الهوية القومية، وربما في ظل تلك الفترة نلتقي ببعض الأدباء الذين انتقصوا من شأن العرب، وحاولوا إعلاء شأن الثقافة الإيرانية القديمة، لكن هذه الموجة سرعان ما تراجعت. من جهة أخرى، نحن علينا أن نتعلم الحوار لنتجاوز هذه الأفكار السلبية والبالية، ونتعلم ضرورة المعرفة بالآخر، لأجل تبادل الثقافة والتواصل، وما دام أننا نسير على هذه الدروب، سنبقى أسرى داخل فلك سوء الفهم والعداوة، ولا نجني أي ثمرة من هذه القضايا.

□ هناك رأي لدى بعض المثقفين العرب أن «ألف ليلة وليلة» ما هي إلا تشويه للطبقة السياسية في العصر العباسي، فكيف يقرأها ويحللها المثقف الإيراني المعاصر؟
■ ألف ليلة وليلة لا تختص بثقافة دون الأخرى، بل هي نتاج التلاحم والتلاقح الثقافي في مختلف المناطق كالهند، إيران، العراق، مصر، ومنطقة الشام. هذه القصة العالمية وليدة التعددية الثقافية في الفترة العباسية، والحياة المدنية التي كانت تعج بروح المرح وحب الفن والفانتازيا، كما ينعكس فيها التاريخ الشعبي والاجتماعي لمختلف الفئات. فضلا عن ذلك، أنا أعتبر ألف ليلة وليلة إحدى أهم الأعمال العالمية في مجال تهذيب النفس وتوطيد مباني الأخلاق، من خلال الحكايات التي توحي إلينا بضرورة التمسك بالأخلاق الراقية، وكل ذلك جاء بطريقة فنية غير مباشرة.

□ ما هي أبرز معضلات المثاقفة العربية الإيرانية؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
■ على المثقفين الإيرانيين والعرب التمسك برسالتهم الثقافية الخاصة، ويتجنبوا الوقوع في فخ النزاعات والخلافات السياسية، وعليهم أن يعوا ويعرفوا مكانتهم في المجتمع، وأن يكون همهم الأول وسعيهم الدؤوب لفهم القضايا المتعلقة بالمنطقة، بعيدا عن الضوضاء وأبواق الميديا. لكن، كل ذلك يتطلب من أصحاب الأمر جهودا كبيرة لإقامة سلسلة من المؤتمرات والندوات والتخطيط، لتأسيس جمعيات أدبية وفكرية وفنية مشتركة على مستوى المنطقة.