باكستان : دار العلوم حقانية؛ جامعة المتطرفين

خاص شفقنا :

قد حاولت باكستان عبر سياساتها الخارجية لسنوات وسنوات بان ترفض استغلالها الجماعات المتطرفة لتحقيق مصالحها القومية، على اقل تقدير هذا ما يظهر من المواقف المعلنة لباكستان، إذ جعلت سياستها تتمحور حول مكافحة العنف ومحاربة الأصوليين. يعد تيار عرف بحقاني من التيارات التي يستمد أسسه الفكرية والسياسة من باكستان، جماعة كلما ظهرت طالبان على الأرض، راج اسمها، كما نشاهد بين فينة وأخرى محاولات يجريها البعض بغية تبرئة طالبان منها، وعليه يفصل بين حقاني وطالبان.

دار العلوم حقانية هي مدرسة إسلامية تقع في مدينة أكورة ختك الواقعة ضمن محافظة خيبر بختونخوا في باكستان. أسس الجامعة الشيخ عبد الحق أكوروي سنة 1947 م. مدينة أكورة ختك قد استضافت قبل ما يقارب خمسة قرون أكبر شاه الكوركاني.

قد لا تتمتع مدرسة حقاني بتاريخ طويل على غرار المدارس الدينية الأخرى في جنوب آسيا، لكنها بالتأكيد واحدة من أشهر المؤسسات الدينية في تلك المنطقة وكذلك غرب آسيا. بالطبع هذه المدرسة لا تشتهر بأسسها العلمية والفقهية، ولكن بتأثيرها على التطورات في جنوب آسيا، وخاصة أفغانستان. ان شبكة حقاني، باعتبارها مجموعة سياسية عسكرية الأكثر نشاطا في أفغانستان، تأتي ضمن المجموعات المتأثرة بدار العلوم. فجلال الدين حقاني، مؤسس الجماعة، هو أحد الأشخاص الذين تقلد منصب وزارة في حكومة طالبان قبل عام 2000 خلال نظام طالبان. على الرغم من أنه لم يكن عضوا في اللجان المركزية لجماعة طالبان، لكنه تمكن من الحصول على موطئ قدم في الحكومة، والتي يبدو أن قوته التفاوضية مع إرهابيي القاعدة كانت لها دور كبير في الحصول على هذا المنصب. كما كان تنظيم القاعدة ناشطا في المنطقة التي يسيطر عليها حقاني في شمال وزيرستان.

بعد وفاة جلال الدين حقاني حوالي عام 2014، والتي لم تتوفر معلومات كاملة عنه بعد، أو ربما قبل بضع سنوات، تولى نجله سراج الدين حقاني قيادة الشبكة. أن سراج الدين حقاني كان مسئولا عن عدة هجمات إرهابية وقعت بين عامي 2008 و2011، ولم يتبن سوى القليل منها. حيث أسفر تفجيران انتحاريان في عامي 2008 و2009 ضد السفارة الهندية في كابول عن مقتل 70 شخصا، وكان هجوم 2011 على فندق كونتيننتال في كابول مجرد جانب من أنشطة الجماعة التي كان يقودها حقاني. وهو الآن مثل والده، عضو في حكومة طالبان بعد التطورات الأخيرة في أفغانستان. تعززت علاقات سراج الدين مع طالبان في عام 2016؛ أي عندما أصبح هيبة الله اخوند زادة آخر قائد للجماعة بعد وفاة اختر محمد منصور الذي تولى قيادة طالبان بعد ملا عمر.

لفهم تأثير دار العلوم حقانية على طالبان، علينا ان نعرف أن ملا عمر وأختر محمد منصور كانا من بين المتعلمين في هذه المؤسسة. كما ان خليل الرحمن حقاني وأنس حقاني من الشخصيات الأخرى في الشبكة. وفقا لأعضاء شبكة حقاني وكما يظهر من ألقابهم، فإن هؤلاء الأفراد يستمدون معظم هويتهم الدينية من مدرسة حقاني في باكستان.

كانت الحكومة الأفغانية السابقة ترى أن حقاني مسئول عن التهديدات الموجهة لأفغانستان. قضية أصبحت جزءا من الموقف الرسمي للحكومة الأفغانية إذ قال صديق صديقي المتحدث باسم آخر رئيس لأفغانستان لوكالة فرانس برس ان مدارس مثل دار العلوم حقانية “تربي الجهاديين المتطرفين وتنتج طالبان وتهدد بلادنا”. كما كان الدعم المالي الباكستاني للمجموعة نقطة خلاف بين البلدين في السنوات الأخيرة.

في عام 2016، تبرعت الحكومة الباكستانية رسميا لهذه المدرسة مبلغ قدره 2.8 مليون دولار. وعلى الرغم من انتقاد نشطاء مكافحة الإرهاب، لتقديمها هذه المساعدة، لكن الحكومة الباكستانية اعتبرتها وسيلة للتأثير على المدرسة. وفقا للحكومة المحلية في ولاية خيبر بختونخوا فإن الغرض من تخصيص الأموال للمدرسة هو وضعها تحت مظلة نظام التعليم الرسمي في باكستان. كما تحدث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن غسيل الأموال الذي تقوم به حكومته وقال دفاعا عن المدرسة: “ان طلبة هذه المدرسة سيظلون دائما يمثلون تهديدا إذا عزلوا من الساحة”.

يبدو أن إضافة مادة الرياضيات والكمبيوتر واللغة الإنجليزية ورياضة مثل كرة الريش إلى مناهج المدرسة يمثل جزءا من رؤية الحكومة الباكستانية لدمج حقاني في نظام التعليم الرسمي. لكن تصريحات مديري المدارس لا علاقة لها بأهداف باكستان التي أنفقت لأجلها ملايين الدولارات.

صرح مديرو المدارس مرارا وتكرارا أنهم فخورون بخريجيهم وسعداء بوجود أعضاء من المدرسة في حكومة طالبان وشبكة حقاني. وكما قال يوسف شاه، مدير مدرسة حقاني، قبل حوالي عام من وصول طالبان إلى السلطة: “نحن فخورون بأن قادة طالبان كانوا طلابنا”. انه ابن سميع الحق، مدير المدرسة السابق والمعروف بالأب الروحي لطالبان، وكان أحد منتقدي الحكومة الأفغانية السابقة. كما أعرب رشيد الحق سامي، نائب مدير مدرسة حقاني في باكستان، عن فخره بأن الطلاب هم الحكام الحاليون لأفغانستان.

وانضم خريجو حقاني إلى الجماعة بعدما استعادت طالبان السلطة. إذ تولى عبد الباقي حقاني منصب وزير التعليم العالي في طالبان، وأصبح أمير خان متقي وكيل وزارة الخارجية لطالبان. كما تولى سراج الدين حقاني وزارة الداخلية في الجماعة. ومع ذلك، فإن طالبان لم تشكل حكومة شاملة فحسب، بل استخدمت أكثر الإرهابيين عنفا لإدارة أفغانستان.

أخيرا وليس آخرا، أطلق البعض على هذه المؤسسة التعليمية ألقابا مثل “مصنع الإرهاب وجامعة الجهاد ومولد الطالبان ومدرسة المتطرفين. فمعظم أعضاء المدرسة من البشتون، وتربطهم روابط عائلية وعلاقات بجماعات مثل القاعدة وطالبان الباكستانية. هذه المدرسة هي مؤسسة تعليمية أكثر من كونها مؤسسة علمية وفقهية. مثلما تدرب جامعة هارفارد النخبة السياسية الأمريكية، تدرب دار العلوم حقانية زعماء أصوليين وعنيفين لطالبان. متعلمون مشهورون، كل منهم يعتبر الآن شخصية في تاريخ العنف والأصولية.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …