الناصرة- “القدس العربي”:
أكد المركز الحقوقي الفلسطيني “عدالة” أن توسيع وإقامة مستوطنات إسرائيلية في هضبة الجولان انتهاك صارخ للقانون الدولي كونها منطقة سورية محتلة، واعتبر خطة حكومة الاحتلال لتوسيع مستوطنات الجولان سوف تعمق الاستيلاء على الأراضي الخاصة باللاجئين الذين طُردوا عام 1967 وتفاقم في أزمة التطوير في البلدات السورية الحالية. وتسيطر السلطات المحلية للمستوطنات الإسرائيلية اليوم في الجولان المحتل على 95٪ من مجمل مساحة الجولان المحتل في حين يشكل المستوطنون نصف سكان الجولان.
وتوجه مركز عدالة والمرصد لحقوق الإنسان في الجولان أمس برسالة إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي مندلبليت ورئيسها نفتالي بينت للمطالبة بإلغاء قرار الحكومة 864، والذي أقر في 26/12/2021 “لتشجيع النمو الديموغرافي في المستوطنات داخل الجولان”.
وتؤكد الرسالة التي أرسلت بواسطة المحامية سهاد بشارة من مركز عدالة، والمحامي كرامة أبو صالح من المرصد، أن الخطة الإسرائيلية تناقض تعليمات القانون الدولي الساري على الجولان كونه منطقة محتلة. وتسعى الخطة الحكومية لمضاعفة عدد المستوطنين من خلال إضافة 23000 مستوطن، و7300 وحدة سكنية، ولهذه الغاية يسعى القرار إلى المضي قدمًا في فحص إنشاء مستوطنتين جديدتين وكذلك إنشاء أو نقل مصانع بهدف إتاحة أماكن عمل تستوعب المستوطنين الجدد، وتشمل الخطة كذلك خطوات لتطوير وتعزيز الزراعة فيما يعرف بالمجلس الإقليمي الجولان والترويج لخطة أساسية شاملة لمستوطنة كتسرين، بحيث يكون هدفها السكاني 50000 نسمة بحلول عام 2040 وتقدر ميزانية الخطة بـ1 مليار شيكل (نحو 320 مليون دولار).
كما توضح المنظمتان الحقوقيتان السورية والفلسطينية أن هذه الخطة الإسرائيلية ستفاقم سلب واستيلاء الأراضي الخاصة من السوريين في الجولان واللاجئين الذين طردوا منه، والذين يقدر عددهم اليوم بنحو نصف مليون مواطن. ومن بين 1،154 كيلومترًا مربعًا من هضبة الجولان، يقع حوالي 1100 كيلومتر مربع أي 95٪ من هضبة الجولان – ضمن مناطق نفوذ السلطات المحلية للاستيطان، والتي يشكل سكانها المستوطنون حاليًا ما يقارب 50٪ من مجمل سكان الجولان.
وقد أدى هذا التقسيم على مر السنين، إلى نقص في الأراضي وأزمة في التنمية والإسكان في البلدات العربية السورية الخمس التي نجت من الحرب، حيث يعيش حاليًا حوالي 28 ألف سوري، والتي تقتصر مناطق نفوذها على حوالي 5٪ فقط من مساحة الجولان (أي حوالي 56 كيلومترًا مربعًا). إضافة إلى ذلك، تخضع مناطق النفوذ المذكورة للعديد من القيود التي نتجت عن إعلان حوالي 11 كيلومترًا مربعًا كمحميات طبيعية ونتيجة لمخطط مراوح الطاقة في شمال هضبة الجولان. وتسيطر السلطات المحلية للمستوطنات على أراضي 120 قرية سورية مدمرة طُرد سكانها عام 1967. وسيؤدي تنفيذ خطة حكومة الاحتلال إلى استخدام المستوطنين لهذه الأراضي الخاصة بسكان الجولان الأصليين وبالتالي إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وينوه مركز عدالة والمرصد السوري لحقوق الإنسان في الرسالة، أن الضم الأحادي الجانب لهضبة الجولان من قبل إسرائيل وتفعيل القانون الإسرائيلي عليه، فضلًا عن الاعتراف الأمريكي بـ”السيادة الإسرائيلية على الجولان”، لا يغير وضعها القانوني كأرض محتلة، وأن مجلس الأمن رفض قرارات إسرائيل ورأى أنها باطلة وغير سارية المفعول ولا تغير من وضع المنطقة كمنطقة محتلة. كما نوه أن خطة حكومة الاحتلال تتعارض مع القانون الدولي حيث تمنع بشكل قاطع مصادرة الممتلكات لأسباب عسكرية ونقل سكان الدولة المحتلة إلى الأراضي المحتلة. وتعرف هذه الممارسات أيضًا، كجرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. علاوة على ذلك، سيؤدي تنفيذ هذه الخطة إلى خلق حقائق جديدة على الأرض تمنع سكان الجولان السوريين من التمتع بحرية بمواردهم الطبيعية.
وتضيف المحامية سهاد بشارة من مركز عدالة “إن الانتهاك الواسع والمتزايد لحقوق السكان السوريين في الجولان هو عمل غير شرعي ينتهك بشكل صارخ القانون الدولي”. وقالت إن محاولات تطبيع احتلال الجولان السوري ليس لها أي شرعية في القانون الدولي ولا يزال وضع مرتفعات الجولان أرضًا محتلة. ويضيف المحامي كرامة أبو صالح من المرصد السوري لحقوق الإنسان “إلى جانب انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن توسعة وزيادة المستوطنات في هضبة الجولان تعمق فجوة التمييز العنصري ضد السكان السوريين وهم السكان الأصليون في الجولان، فيما يتعلق بحقوقهم في استغلال الموارد الطبيعية، بحيث يتمتع المستوطنون بامتياز تلقي الميزانيات والوصول إلى الموارد الطبيعية، بينما يحرم منها أصحاب الأرض”.
ضم الجولان بعد كامب ديفد
وقد تزامنت المصادقة على هذه الخطة الاستعمارية مع مرور الذكرى الـ40 لتطبيق القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن هو الذي بادر في ديسمبر/كانون الأول 1981، وبصورة فجائية، إلى طرح “قانون الجولان” ومرّره في الكنيست خلال يوم واحد، ونال تأييداً واسعاً شمل كل الأحزاب.
ووفقاً للأدبيات الإسرائيلية، تمثّل الغرض الرئيس من هذا القانون في تبديد الغموض بشأن كل ما له علاقة بمستقبل الهضبة. ففي تلك الأعوام أبرمت إسرائيل اتفاق سلام مع مصر أعادت إليها، بموجبه، شبه جزيرة سيناء كلها، وهذه الحقيقة أوحت أن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن الجولان كما تنازلت عن سيناء لكن ورغم القانون فإن القليل تغيّر خلال الـ40 عاماً الأخيرة، منذ إقراره وتقريباً لم تُقَم مستوطنات جديدة، وازداد عدد المستوطنين الإسرائيليين بصورة ضئيلة. ويسكن الجولان حالياً، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية، نحو 50 ألف شخص، قرابة 60 % منهم من العرب السوريين والباقون من المستوطنين الإسرائيليين.
بحيرة طبرية
ومنذ تسعينيات القرن الماضي عبّرت الحكومات الإسرائيلية عن استعدادها للانسحاب من الجولان في مقابل اتفاق سلام مع دمشق وكل ما تبقى لها هو التفاوض مع السوريين بشأن مسألة هل سيصلون إلى بحيرة طبرية أم سيبقون على بُعد عشرات الأمتار بعيداً عن شواطئها.
ووفقاً لتلك التحليلات من المحتمل أن يكون استعداد العديد من الحكومات الإسرائيلية للبحث في مستقبل الجولان هو الذي ردعها عن الاستثمار فيه وتنميته والدفع قدماً بالاستيطان فيه. غير أنه في العقد الأخير حدث منعطف حيال الموقف من الجولان، بدايةً على خلفية الحرب الأهلية التي نشبت في سورية علاوة على بعدها عن مركز البلاد.
ومع تبدّل الإدارة الأمريكية أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن عن تحفظه من اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان ومع ذلك شدّد على أنه “إذا وضعنا جانباً الموضوع القانوني، فإن السيطرة على الجولان لها أهمية كبيرة بالنسبة إلى أمن إسرائيل في الوضع الحالي في سورية”.
وينبه مركز “مدار” للدراسات الإسرائيلية أن جلّ التحليلات الإسرائيلية لم تعتبر تصريحات بلينكن هذه تراجعاً عن الإرث الأمريكي الداعم للاحتلال الإسرائيلي لهذه الهضبة الاستراتيجية، بقدر ما اعتبرتها تحفظاً على قانونية قرار الإدارة الأمريكية السابقة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، لم يحن أوان حسمه إلى هذه الناحية أو تلك، ولذا فهو لا يرقى إلى مستوى التهديد القانونيّ حتى، موضحا أن هذه التحليلات رأت كذلك، أن هذا التحفظ لا يُضعف التأييد الأمريكي التقليدي لماهية الموقف الإسرائيلي إزاء الجولان، فضلاً عن أنه تحفظ تبقى فاعليته مرهونة بـ”تغيّر الوضع في سورية لكننا لسنا قريبين من ذلك”، كما أكد المسؤول الأمريكي مُضيفاً “أن الجولان مُهّم للغاية لأمن إسرائيل من الناحية العملية. وطالما أن الطاغية بشار الأسد في السلطة، وأن إيران موجودة في سورية، وطالما أن الميليشيات المدعومة من إيران ونظام الأسد نفسه تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل، فإن السيطرة على الجولان في هذا الوضع لا تزال ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل من الناحية العملية”.