عمان- “رأي اليوم”:
خفّضت العربيّة السعوديّة، حجم إنفاقها على التسليح العسكري بنسبة 10.2% ضمن إعلانها عن ميزانيّتها للعام القادم 2022، وربطها البعض بأسباب التراجع التدريجي عن حرب اليمن، وتوجيه تلك النفقات على الجبهة الداخليّة المُتململة من الغلاء، وارتفاع الأسعار، وفرض الضريبة، وثبات نسب البطالة دون تغيير 11.3 بالمئة، ولكن مع عودة التحالف لضرب العاصمة صنعاء، وتصاعد هجمات حركة أنصار الله الحوثيّة بالمُقابل على الأهداف الحسّاسة في المملكة، هذا قد يُعطي انطباع أن ثمّة توجّه سعودي لصناعة السلاح، لا تخصيص ميزانيّات لشرائه من الدول الغربيّة، وهو ما يُفسّر تخفيض تلك النفقات العسكريّة، وتوجيهها نحو الصناعة العسكريّة المحليّة، وجُنوح نحو مزيد من الحروب، وصراع النفوذ الإقليمي مع الإصرار على الاستمرار بحرب اليمن الاستنزافيّة لمواردها.
وليّ عهد السعوديّة الأمير محمد بن سلمان، أشار في تصريحات سابقة إلى توجّه بلاده إلى صناعة السلاح المحليّة، وتقول الأوساط السعوديّة، إن اعتماده على تطوير برنامجه النووي سيكون على باكستان النوويّة الذي دعم برنامجها النووي بالمليارات، ثمّ عاد ودعمها مُؤخّرًا بمُساعدات ماليّة وديعة (4.2 مليار دولار)، بعد أن كانت قد طالبت المملكة باكستان بتسديد ديونها لها، فيما الاعتقاد السائد أن عودة العلاقات السعوديّة – الباكستانيّة، تكمن في رغبة سعوديّة كي تكون باكستان الواجهة النوويّة لحماية المملكة من تهديدات إيران، رغم أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لا يزال يلعب دورًا مُحايدًا بين طهران، والرياض.
أمّا بخُصوص الصواريخ الباليستيّة، فيبدو أن القيادة السعوديّة عينها على الصين، حيث أنباء عن صور أقمار صناعيّة، أظهرت أن المملكة تقوم حاليّاً بالفعل بصناعة السلاح، وهي خطوة غير مسبوقة، في تاريخ السعوديّة، التي تعتمد اعتمادًا كُلّيًّا على شراء السلاح الأمريكي، وهو غير مُتوفّر بسخاء، مع سحب إدارة جو بايدن لصواريخ الباتريوت الدفاعيّة من أراضي المملكة.
بكين من جهتها، ردّت بأن تعاونها العسكري مع الرياض، لا ينتهك أيّ قانون دولي، وهو ما يَشي بوجود تعاون سعودي – صيني لا يُمكن نفيه بكُل حال، تضع الولايات المتحدة الأمريكيّة علامات استفهام حوله، ومدى حجمه، وتاريخ بدايته مع السعوديّة، مع تصاعد الصراع والتوتّر بين واشنطن، وبكين.
شبكة “سي إن إن” الأمريكيّة، قالت إن مسؤولي الاستخبارات الأمريكيّة، يعتقدون أن الرياض تعمل على إنتاج صواريخ باليستيّة بمُساعدة صينيّة، وهي أنباء، تبدو مُقلقة للأمريكيين، مع تصاعد قوّة الصين، ورغبتها في قيادة العالم، كقوّة عُظمى، ولجوء الحليف السعودي للصينيين، وهو الحليف التاريخي لأمريكا على مر العُقود.
ولم يصدر أي تعليق سعودي حول التقارير التي تُفيد بصناعتها صواريخ باليستيّة، فيما صدر تحذير على لسان سيناتور أمريكي حذّر فيه من أن الاتفاق السعودي الصيني لمُساعدة الرياض على تطوير ترسانة من الصواريخ الباليستيّة قد يُشعل سباق تسلّح جديدًا في المنطقة.
وأعرب إد ماركي، عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ ولجنتها الفرعيّة المعنيّة بالشرق الأوسط، في تغريدة على “تويتر” عن “قلقه” من الاتفاق.
ويبدو أن السلطات السعوديّة لم ترغب في الكشف رسميّاً عمّا كشفته صور الأقمار الصناعيّة، والتي أظهرت أن السعوديّة “بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستيّة بمُساعدة الصين”، وهذه الصور تُؤكّد وفق مصادر “سي إن إن” أن المملكة تقوم حاليًّا بتصنيع الأسلحة في موقع واحد على الأقل”، فيما كانت تشتريها من الصين في السابق.
الإمارات من جهتها كانت قد سبقت السعوديّة، في بناء مُنشأة عسكريّة صينيّة في ميناء أبو ظبي، لكنّ تحذيرات أمريكيّة بالخُصوص، دفعت أبو ظبي للتراجع، وهي ذات التحذيرات التي ستصدر من الأمريكيين للسعوديين، وتُطرح التساؤلات إذا كانت الرياض ستتراجع هي الأخرى عن التعاون العسكري مع الصين، وفي حال رفضها، هل تلجأ واشنطن لفرض عُقوبات على الرياض، كما فعلت مع تركيا، التي أصرّت على شراء السلاح الروسي “إس-400″، رغم العُقوبات الأمريكيّة على صناعاتها العسكريّة المحليّة، فواشنطن لا تتسامح حال توجيه دفّة حُلفائها نحو الصين، وروسيا.
وفي الإطار غير الرسمي، بدا أن السعوديّة لا تُريد نفي تعاونها العسكري مع الصين، فجاءت تغريدة الأمير سطام بن خالد آل سعود، المُقرّب من الأمير بن سلمان، والذي نشر تغريدة ظهر فيها كل من العلم السعودي، والصيني على شكل يد بشريّة تتصافحان، وعلّق الأمير سطام قائلاً: “شريكان استراتيجيّان شاملان”، ووضع قلبًا بين العلمين.
وترى وجهة نظر مُقابل هذا الحماس السعودي لصناعة السلاح بقدرات ذاتيّة، أن هدف السعوديّة من التعاون مع الصين عسكريّاً، ليس الوصول لصناعة الصواريخ الباليستيّة، بل مُمارسة ضُغوط على إدارة بايدن، لدفعها للتعامل مع الأمير بن سلمان شخصيّاً، وإجبار بايدن على التعامل مع بن سلمان مُباشرةً، لا عن طريق وزراء بايدن، ومسؤوليه، كما والإيحاء أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستدخل سباق تسلّح تنافسي طالما خصمتها إيران، والاتفاق النووي معها لا يمنعها من صناعة صواريخ باليستيّة، وتشكيل تهديد على دول الخليج، تنفيه طهران بدورها.
ولعلّ العربيّة السعوديّة تُعوّل على عدم مُعاقبتها أمريكيّاً، خاصّةً أن تهديدات بايدن بخُصوص مُعاقبة المسؤول المُباشر عن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ووقف حرب اليمن، وتحميل المملكة مسؤوليّة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يجر تفعيلها بالشّكل اللازم، لكن ومع هذا تستعد إدارة بايدن وفق المصادر لمُعاقبة المُشاركين في عمليّات نقل التكنولوجيا الصينيّة للسعوديّة.
تساؤل عريض آخر، يطرحه مُعلّقون، وهو حول قدرة السعوديّة الفعليّة على التخلّي عن الحليف الأمريكي نهائيّاً، مع تواجد القواعد الأمريكيّة، البريّة، والجويّة، على أراضيها، واستبدالها بقواعد صينيّة، وربّما روسيّة، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كان قد صرّح بأن الدولة السعوديّة ستنهار خلال أيّام، وستحتلها إيران، دون الحماية الأمريكيّة، وإذا كانت الصين مُستَعدّة لتقديم تلك الحماية، واستلام النفوذ الأمريكي بالمنطقة، تساؤلات مطروحة.