"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أين ستذهب 50 مليون دولار قدّمتها السعوديّة لإثيوبيا حال سُقوط أديس أبابا؟ وهل أغضبت القاهرة الرياض حتى يُوجّه وزير الطاقة الإثيوبي شُكره للأخيرة لتنميتها “قطاع المياه” ويُحارب السفير السعودي “الأخبار الكاذبة” حول زحف “فصائل تيغراي”؟.. واشنطن تُطالب رعاياها المُغادرة هل يتكرّر مشهد كابول وكيف تستفيد مصر؟

 عمان- “رأي اليوم” :

كانت العربيّة السعوديّة قد أعلنت عن قيمة وديعة (3 مليارات) في البنك المركزي المصري مُؤخّرًا، وذلك إعلان اعتبرته الأوساط المصريّة، مُتعمّد، على عكس الودائع التي يجري إيداعها سعوديّاً دون إعلان، ضمن حُزمة المُساعدات السعوديّة لمصر، ويبدو أن الأخيرة تصمت حينما يجب أن تتضامن مع المملكة، وهو ما لا يُرضي الأخيرة، مصر أيضاً في السّابق رفضت المُشاركة في حرب اليمن.

تُجدّد السعوديّة فيما يبدو، رن الجرس، علّ السلطات المصريّة تلتفت لقراراتها السياسيّة الأخيرة، وتُعلن التضامن، وهذه المرّة على الجبهة الإثيوبيّة، التي تعتبر أكثر الجبهات المصريّة حساسيّة، وأزمة سد النهضة، الذي يحرم الشعب المصري من حقّه في المياه، ويضرب كما يرى البعض على وتر سيادة مصر، حيث الأخيرة لا تزال تُمارس أعلى درجات الدبلوماسيّة في الأزمة، وتبتعد عن خِيار ضرب السّد عسكريّاً.

ودون مُقدّمات، وجّهت الحكومة الإثيوبيّة الشّكر للعربيّة السعوديّة على مُساهمتها ب50 مليون دولار في تنمية قطاع المياه في بلادها، يبدو توقيت توجيه الشّكر الإثيوبي للمملكة لافتاً، وبنظر البعض مُناكفاً لمصر، ففي حين تخوض الأخيرة معركتها على المياه مع إثيوبيا، تحضر السعوديّة، وتُقدّم دعمها “في تنمية قطاع المياه”  لإثيوبيا.

لم تكن المُساهمة السعوديّة لتنمية قطاع المياه في إثيوبيا فقط، حيث استقبل وزير المياه والطاقة الإثيوبي حبتامو إيتيفا، السفير السعودي لدى أديس أبابا، واتّفقا على العمل في مجال المياه والطاقة، بل تعدّى ذلك الأمر إلى تأكيد السفير السعودي على أن بلاده تُريد تعزيز العلاقة مع إثيوبيا، والعمل على جذب الشركات السعوديّة إلى صناعة التعدين، والعمل بشأن وضع الإثيوبيين في المملكة.

تبدو السعوديّة حريصةً ومن خلال تصريحات سفيرها في أديس أبابا على تقديم الدعم لإثيوبيا، ويبدو أنه دعم يأتي في توقيتٍ تُواصل مصر صمتها في أزمة السعوديّة مع لبنان، وتصريحات الوزير الإعلامي جورج قرداحي حول عبثيّة حرب اليمن، ولم تستدع سفيرها حتى للتضامن مع المملكة، كما فعلت الكويت، الإمارات، والبحرين وطردت السفير اللبناني، مصر أدركت بكُل حال “عبثيّة” تلك الحرب بعدم المُشاركة فيها، وكانت مصر أيضاً طرفاً في أزمة قطر إلى الجانب الثلاثي الخليجي المُقاطِع، السعوديّة، الإمارات، البحرين.

وبالرغم أن السعوديّة دعت رعايها إلى مُغادرة إثيوبيا في أقرب فُرصة مُمكنة، على خلفيّة الاضطرابات الأمنيّة، وقُرب سُقوط العاصمة أديس أبابا بيد المُعارضة، كانت تصريحات السفير السعودي على النقيض تماماً خلال اجتماعه مع وزير الطاقة الإثيوبي، والذي أكّد أن الحياة في العاصمة الإثيوبيّة مُستمرّة على ما كانت عليه من قبل، وتوقّع حل المُشكلة التي تُواجه الشمال قريباً.

وبدا أن السفير السعودي، قد قدّم خدمة جليّة لإثيوبيا، وسط المعركة التي يخوضها الإعلام المصري على جبهة الحشد الإعلامي لسُقوط العاصمة أديس أبابا، حيث شكره الوزير الإثيوبي على “تفهّمه للوضع الحالي” في إثيوبيا، مُعتبرًا أن الوضع سيكون مُفيدًا لبلاده، في ظل نشر الأخبار الكاذبة، ومعلومات مُضلّلة حول الحقيقة.

وفي ظل توقّعات السفير السعودي بحل مُشكلة الشمال، ورغبة بلاده بالانفتاح الاقتصادي على إثيوبيا، سيطر مُقاتلو الجبهة الشعبيّة لتحرير تيغراي بالتعاون مع جيش تحرير أورومو، حتى الخميس الماضي، على مدينة كاميسي الإثيوبيّة، والتي تقع على بُعد 139 ميلاً (223 كيلومترًا) فقط من العاصمة أديس أبابا.

تصاعد النزاع المُسلّح في إثيوبيا، يخدم مصر بشَكلٍ من الأشكال، ويُقوّض استقرار حُكومة أديس أبابا، لا بل إن الاتهامات مُوجّهة للقاهرة، بالوقوف خلف إثارة القلاقل في تيغراي، وغيرها من الأقاليم المُتمرّدة، إلا أن الحكومة المصريّة تنفى على الدوام تدخّلها في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى.

لم يُسجّل حتى كتابة هذه السطور، أن ثمّة تضييقات تُمارسها السلطات السعوديّة على المُقيمين المصريين على أراضيها، وفرضيّة طردهم كردّة فعل سعوديّة إضافيّة على الموقف المصري من “إساءة قرداحي”، لكن يبدو أن السلطات السعوديّة تُريد أن تأخذ الطرف الإثيوبي على الطرف المصري، ولا تزال تنظر للدعم المالي كورقة رابحة لضمان دعم الدول لقيادتها، ومع هذا اقتصر التضامن العربي على ثلاث دول خليجيّة في أزمة لبنان، فيما تُطرح التساؤلات حول 50 مليون دولار قدّمتها المملكة لحُكومة أديس أبابا، والأخيرة على موعدٍ مع وصول الصّراع العسكري إليها، هذا على الأقل ما تنبأت به واشنطن على لسان وزارة خارجيّتها، وبالتالي توقّف الرحلات الجويّة حال وصول القتال للعاصمة.

المُفارقة أن أمريكا حثّث رعاياها الأمريكيين على مُغادرة إثيوبيا، وأكّدت أنها لن تمد جسر جوّي على غرار ما حصل في العاصمة الأفغانيّة كابول، واشنطن استبعدت مع هذا سُقوط العاصمة أديس أبابا، تماماً كما استبعدت سُقوط كابول بيد “طالبان” وسقطت، فهل يكون هذا الفأل الأمريكي الأسود على حُكومة آبي أحمد، وهل وضعت السعوديّة البيض في سلّة أحمد بالوقت الضائع، أم أن توقّعات السفير السعودي بعودة الأُمور إلى حالها في أديس أبابا ستكون صائبة؟، تساؤلات مطروحة.