عمان- “رأي اليوم” :
لا يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة، ومن خلفها الأحزاب العراقيّة التي تدعمها، ستُوجّه اتهامات مُباشرة للفصائل المُوالية لإيران وإن كان التلميح لها قد جرى تفعيله، بمُحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ولكن يبدو أن الأخير سيستغل هذه المُحاولة بثلاث طائرات مُسيّرة استهدفته، في تثبيت نفسه في منصبه لولاية جديدة، وبدعم التيّار الصدري المُتصدّر في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة بعدد المقاعد.
هذه الانتخابات ترفضها الأحزاب المدعومة من إيران، ونتج عنها تظاهرات شعبيّة، تصدّت لها السلطات العراقيّة، وبالتالي قد يكون الرفض أيضاً للصفقات السياسيّة الناتجة عنها (الانتخابات)، وعلى رأسها اختيار رئيس الحكومة، وتشكيله لها بالتالي.
اللافت أن رئيس الحكومة الكاظمي يحظى برضا سعودي، وكانت قد أدانت العربيّة السعوديّة مُحاولة اغتياله، بل وجّه الأمير محمد بن سلمان شخصيّاً دعوة رسميّة لوزير الدفاع العراقي جمعة عناد سعدون لبّاها الأخير الأربعاء، ومن هُنا ترغب المملكة بوضع قدمها بالعراق، أمام النفوذ الإيراني المُتعاظم في العراق، واحتمال الانسحاب الأمريكي، ومن خلال بوّابة دعم الكاظمي الذي كان قد حظى باستقبال حافل في المملكة، وبوّابة مقتدى الصدر المُتصدّر بالانتخابات الأخيرة، والذي يُحاول لعب دور حيادي، بعيد عن إيران، ورغبته “صعبة التنفيذ” بحصر السلاح بيد الجيش العراقي، وسحبه من الفصائل جميعها، ومن بينها المُوالية لإيران، وهو ما ترغب به السعوديّة، في العراق (الحشد الشعبي)، ولبنان (حزب الله)، واليمن (أنصار الله)، أملاً في تحجيم نفوذ خصمها الإيراني.
الكاظمي الذي نجح فيما يبدو بتلقّي الدعم والتعاطف الدولي بعد مُحاولة اغتياله، اختار بشكلٍ لافت، ومدروس التوقيت، الظهور في حي مدينة الصدر، الأربعاء، وهو أوّل ظُهور علني له بعد مُحاولة الاغتيال، وفي ذلك رسالة تُوحي بأنّه المُرشّح الأبرز للتيّار الصدري لرئاسة الحكومة، وظُهوره في مدينة الصدر دليل ذلك، حيث المدينة التي تُمثّل الكتلة الأكبر في مقاعد مجلس النواب (73 مقعدًا)، وهي التي من حقّها اختيار رئيس الوزراء.
يُحاول الكاظمي من ظُهوره هذا، مشياً على الأقدام، وبين الناس بشكلٍ عفوي، برفقة أمين عام مجلس الوزراء حميد الغزي، وعدد من القادة الأمنيين، التأكيد على أنه لا يخشى استهدافه، وأنه قادر على التجوّل بحُريّة، وفي منطقة شعبيّة فقيرة، قد يسهل استهدافه فيها، وبالرغم أنّ البعض لا يزال يُشكّك أساساً بحقيقة استهدافه، فهذا الاستهداف يخدم أهدافه للبقاء في منصبه.
يُسجّل للكاظمي، وقد اختار مدينة الصدر بعنايةٍ، أنه أوّل رئيس وزراء يزور حي مدينة الصدر، وهذه زيارة يرغب أن ترفع أسهمه عند الفقراء، فهي مدينة فقيرة، وليست بوارد اهتمام رؤساء الحكومات عادةً، وقد دعا الكاظمي خلال زيارته المدينة إلى حملة إعمار في مدينة الصدر، ولكنّ الأخيرة كذلك لا تُمثّل الشعب العراقي كلّه، فهُناك من رفع صورًا للكاظمي يُندّد فيه، واتهمه بتزوير الانتخابات، في المُظاهرات الرافضة للانتخابات، وبالتالي هو ليس محل إجماع شعبي.
السّؤال المطروح الآن هو حول موقف الفصائل المُوالية لإيران وقبولها للكاظمي الذي ترفض بقاءه لولاية جديدة، حيث تعتبره مُوالياً للأمريكيين، كما تنظر للانتخابات البرلمانيّة بأنها مُزوّرة، وجرى التلاعب بها، مع تراجع عدد مقاعدها “تحالف الفتح”، ورفضها فكرة حصر السلاح بيد الجيش العراقي، والذي ساهم بالقضاء على “داعش”، مع استمرار التظاهرات على أبواب المنطقة الخضراء، الرافضة لنتائج الانتخابات، وحصول اشتباكات بين رجال الأمن، ومُتظاهرين.
الكاظمي يُدرك لعلّه هذه العقبات التي أمامه، فالتأثير السياسي والعسكري لتلك الفصائل (الحشد الشعبي)، لا يُمكن الاستهانة به، كما أنه مُطالب أمام المجتمع الدولي بتحجيم هذه الفصائل المُسلّحة وهيكلتها، قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني زار بغداد الأحد، وبقي للاثنين، هذا يُدّلل أيضاً على مدى الصعوبات التي قد تُواجه الكاظمي للبقاء، حال قرّر عدم التوزان، والاستناد لدعم طرف دوناً عن آخر، كما والعمل على تحجيمه.