عمان- “القدس العربي” :
لا أحد يستطيع معرفة خلفية نوايا الحكومة الأردنية ولا مكاسبها من خطوة مثيرة وغير مسبوقة تمثلت في تحريك دعوى قضائية باسم الحق العام ضد أستاذة جامعية مختصة في علم الغذاء حذرت علنا من المواد المسرطنة في الأغذية التي يستهلكها الأردنيون.
قررت السلطات معالجة اللغم البيروقراطي الذي فجرته الدكتور سناء قموه عبر التصعيد القضائي مع أن السيدة قموة عرضت علنا مسألة تستوجب التحقيق والتدقيق وليس المحاكمة عندما عبرت عن مخاوف من قصور معايير الرقابة على الغذاء في ثلاث مواد وسلع أساسية هي القمح والأرز والسمك.
وفي الوقت الذي التقط فيه الشارع الأردني ما قالته قموه عن مواد مسرطنة في إطار الاستمرار بمضايقة الحكومة لم ينتبه كثيرون لا في السلطة ولا في الشارع إلى الجزء الأهم فيما كشفته قموه والمتعلق بأنها حاولت، وانطلاقا من موقعها في القطاع الرسمي الصحي سابقا، لفت نظر المسؤولين الكبار إلى وجود خلل وقصور ووجود مواد مسرطنة في الأغذية المستوردة، لكنها لم تكن تنجح في إقناع المسؤولين هؤلاء بالتصرف.
تلك حلقة قصور أساسية في فهم الرسائل الأعمق لما كشفته الدكتورة قموه.
ومع التقاط الشارع وتداول السرديات بعنوان الغذاء الفاسد ثم تحرك مجلس النواب ولجنته الصحية قدرت الحكومة بأن تحريك شكوى قضائية يمكن أن يخفف من حدة الجدل في الوقت الذي صدرت فيه في عمان، بعد ظهر الإثنين، تصريحات وشروحات من المدير العام لمؤسسة الغذاء والدواء، نزار مهيدات، لا تقف عند حدود التشكيك بما قالته الموظفة السابقة والأستاذة اللاحقة في إحدى أهم الجامعات المحلية.
مهيدات ندد برواية قموه عن المواد المسرطنة في بعض الأغذية وربط الحيثيات العلمية التي عرضتها بدراسة لأحد طلاب الماجستير سبق نشرها، معتبرا في تلميح سياسي هذه المرة أمام اللجنة الصحية البرلمانية بأن العودة لمثل هذه التصريحات المثيرة وعرض معلومات غير دقيقة وغير علمية أمر مقلق.
الهدف واضح عمليا من استعمال عبارة “أمر مقلق” لأنها تنطوي على إشارة ضمنية لوجود أجندة خفية مما يبرر الطعن القضائي بتصريحات الدكتورة سناء قموه والاحتكام لسلطة القضاء.
يحصل ذلك مع أن المسألة لا تتعدى بعض المعلومات التي قدمتها في برنامج تلفزيوني موظفة سابقة عملت في مراقبة الغذاء نحو 20 عاما ويسعى الفريق الحكومي المختص الآن إلى “شيطنتها” بعدما قالت كلاما مختصا يستحق التأمل والأهم عبر منبر تلفزيوني رسمي تنفق عليه الدولة ومخصصاته المالية تقررها الحكومة نفسها.
الأمل في احتواء لغم المسرطنات عبر شيطنة الباحثة التي اعترفت باثر رجعي فجأة قد لا يشكل نقطة فارقة باتجاه احتواء الجدل المتعلق بنفس الملف الشائك، ومع أن الشارع الأردني يثق بنظام الرقابة على الغذاء والدواء عموما، إلا أن طبيعة ردود الفعل البيروقراطية على مصارحة الدكتورة قموه تدفع للاعتقاد بأن الخطوات المتخذة ستزيد من التعقيد وستبقي قصة المسرطنات قيد النقاش والجدل والذاكرة.