"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

بروكنجز : سر التقارب الخاص بين الإمارات وفرنسا

في منتصف سبتمبر/أيلول، استضاف الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” في قصر “شاتو دي فونتينبلو” التاريخي خارج باريس، والذي تم ترميمه مؤخرًا بتمويل من الإمارات. وبالرغم من بعض النكسات، طورت باريس وأبوظبي شراكة استراتيجية متعددة المستويات تشمل أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية على مدى السنوات الماضية.

ويسلط التقارب الفرنسي الإماراتي الضوء على اتجاه رئيسي في العلاقات بين أوروبا والخليج. فبالرغم من سنوات من الانخراط على المستوى متعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، تجاوزت دول الخليج والدول الأوروبية إلى حد كبير الآليات المتعددة الأطراف واختارت تعميق علاقاتها على المستوى الثنائي.

ونتيجة لعوامل هيكلية وطارئة، سادت الثنائية في العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي على كلا الجانبين حيث تتنافس الدول مع بعضها البعض في تحقيق أهدافها.

وقد وجه الإخفاق في إنشاء اتفاقية للتجارة الحرة في عام 2008 ضربة قاسية للإطار متعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، كما حدث في أعقاب الربيع العربي في عام 2011 وما تلاه من صراع وتشرذم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

 

وليس من المستغرب أن تتحرك الإمارات وفرنسا لتعميق العلاقات بينهما لأنهما متفقان في العديد من القضايا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي ليبيا، دعم كلاهما الجنرال “خليفة حفتر” ضد الحكومة في طرابلس، وساهم كلاهما في إدامة الحرب الأهلية في البلاد.

كما أن البلدان لديهما علاقات صعبة مع تركيا ورئيسها “رجب طيب أردوغان” وقد دعما اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط​​، بما في ذلك المشاركة في التدريبات البحرية المشتركة العام الماضي. وبينما تحركت تركيا والإمارات مؤخرًا لتسوية بعض خلافاتهما وسط الانفراج الإقليمي المتنامي، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا خفضًا دائمًا للتصعيد أم تطورا تكتيكيا قصير المدى.

علاوة على ذلك، يشترك كل من “ماكرون” و”بن زايد” في عدم الثقة بالأحزاب السياسية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. وفي أعقاب الربيع العربي، أظهر القادة الإماراتيون والفرنسيون ميلًا للتركيز على استقرار الأنظمة الاستبدادية واستمرار الوضع السابق.

 

 

الإمارات تسعى لدور أكبر

وفي عهد الأب المؤسس الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان”، الذي حكم من 1971 إلى 2004، كانت السياسة الخارجية لدولة الإمارات تتبنى نهجا حذرا، وكانت الدولة الفتية تنظر إلى نفسها في سياق خليجي وعربي وإسلامي. وعلى مدى السنوات الماضية في عهد “محمد بن زايد” وخاصة بعد الربيع العربي، تغير هذا الأمر وأصبح البلد أكثر حزماً وطموحًا في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.

وبالإضافة إلى توسيع علاقاتها مع فرنسا، تعمل الإمارات أيضًا على تعميق ارتباطها مع الصين من خلال توقيع شراكة استراتيجية شاملة مع بكين. ووفقًا لمحللين، فإن “الإستراتيجية التجارية الكبرى لدولة الإمارات للتحكم في الوصول إلى الممرات البحرية الرئيسية في المحيط الهندي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر، جعلت أبو ظبي شريكًا مهمًا لبكين”.

في الوقت نفسه، سلطت اتفاقيات “أبراهام” الضوء على أهمية دولة الإمارات بالنسبة لفريق “جو بايدن”، وهو ما تجلى في المضي قدمًا في صفقة طائرات “إف-35”.

ومن خلال تعامل الولايات المتحدة مع الربيع العربي والتطورات اللاحقة في المنطقة، خلص قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والإماراتيين على وجه الخصوص، أن الالتزام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأنظمتهم ليس صارمًا كما كانوا يعتقدون. وقد عزز الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هذا الرأي.

وبينما لا تزال الولايات المتحدة تؤكد على التزامها بأمن الخليج، يحتاج قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تخيل والاستعداد لبيئة إقليمية يشوبها الكثير من الغموض الأمني، كما يجب عليهم تصور أنفسهم أكثر باعتبارهم جزء من “محور” للولايات المتحدة تجاه آسيا.

 

 

وجهة نظر باريس

بالرغم من النكسات التي لحقت بفرنسا بما في ذلك دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد التعليقات التحريضية لـ”ماكرون”، كانت فرنسا بلا شك الدولة الأوروبية الأكثر نشاطًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار السنوات القليلة الماضية. وكانت الإمارات محور النشاط الفرنسي في معظم  القضايا الأمنية. في الواقع، يعتبر البلدان وجهان لعملة واحدة.

وازدهرت التجارة الثنائية بين باريس وأبوظبي في السنوات القليلة الماضية وتجلي ذلك في نحو 4 مليارات دولار سنويًا من البضائع الفرنسية المصدرة إلى الإمارات، فضلاً عن صفقات الأسلحة المربحة بقيمة 8.3 مليار يورو في عام 2020. وعلى العكس من ذلك تهيمن الهيدروكربونات على صادرات الإمارات إلى فرنسا (المقدرة بنحو 1.1 مليار يورو).

وهناك أكثر من 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات ويتزايد عددها بنحو 10% سنويًا في السنوات الأخيرة. ومن بين أكثر قطاعات التعاون نشاطًا، يبرز الدفاع بفضل وجود قواعد عسكرية فرنسية دائمة في أبوظبي. وتستضيف هذه القواعد أكثر من 700 جندي منذ توقيع اتفاقية الدفاع المشترك عام 2009.

 

 

ومع ذلك، فإن العلاقات الفرنسية الإماراتية لا تقتصر على العلاقة العسكرية. ففي عصر “الرؤى” الخليجية والخطط الطموحة لتعزيز التنمية المستدامة، تكتسب الاستثمارات في الطاقة المتجددة -فضلاً عن تقاسم المعرفة النووية- زخمًا.

وبالمثل، فإن التعاون الثقافي والأكاديمي هو المجال الأكثر تطورًا وهو المجال الذي تراهن عليه الحكومة الفرنسية والحكام الإماراتيون على حد سواء بهدف تكوين صورة إيجابية متبادلة وجذب المزيد من الاستثمارات. ومن خلال جامعة السوربون -أبوظبي التي تأسست في عام 2006 ومتحف اللوفر- أبوظبي الذي تم افتتاحه في 2017، يُنظر إلى الثقافة واللغة الفرنسية على أنهما ركيزة في التعاون بين البلدين. وفي هذا السياق، ليس من قبيل المصادفة أن تحتل فرنسا مكانة مركزية في معرض “إكسبو 2020 دبي” الذي جرى افتتاحه مؤخرًا.

لكن الهيدروكربونات والتعاون الدفاعي والثقافة ليست بالضرورة أهدافًا نهائية بحد ذاتها بالنسبة لفرنسا. إنها وسيلة لتحقيق قدر أكبر من الأمن والنفوذ من خلال استغلال القيمة المضافة لفرنسا وقدرتها على جذب الاستثمارات في مجال الأعمال والدفاع.

 

 

وبالنسبة للإمارات، فإن حصار قطر والعلاقات الأكثر برودة مع عُمان والخلافات مع السعودية تبرز أن مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة أصبح أقل أهمية، حيث تسعى أبوظبي إلى لعب دور مستقل أكبر غالبًا ما يضعها على خلاف مع جيرانها.

ويمكن قول الشيء نفسه عن فرنسا، التي غالبًا ما يُنظر الأوروبيون إليها على أنها تتبنى دورا مستقلا في السياسة الخارجية تجاه الخليج والشرق الأوسط، وذلك خارج حدود المشاركة المتعددة الأطراف للاتحاد الأوروبي في المنطقة.

وبعد أن صُدِمت مؤخرًا من أقرب حلفائها باتفاقية “أوكوس” الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، فليس من المستغرب أن يواصل صناع السياسة الفرنسيون تعميق مشاركتهم مع شركاء آخرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم.

وعندما يتعلق الأمر بالخليج، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتحوط بين مختلف الأطراف لحماية مصالحهم وأعمالهم التجارية. وقد ساهم ذلك، من بين عوامل أخرى، في إضعاف نهج وسياسات الاتحاد الأوروبي الخليجية المشتركة.

وبالرغم من ذلك، لا يزال المجال متاحًا للعمل على المستوى متعدد الأطراف ويمكن أن تمثل الزيارة الأخيرة التي قام بها “جوزيب بوريل”، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إلى قطر والإمارات والسعودية في الفترة من 30 سبتمبر/أيلول إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول (أول زيارة رسمية له إلى منطقة الخليج في هذا المنصب) خطوة مهمة في هذا الاتجاه.

المصدر | سيلفيا كولومبو – بروكنجز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد