28-10-2021 :
المصدر : النهار
تركز الكاميرا على مجموعة أشخاص بثياب بيض، وهم يمشون معاً على وقع آهات قوية كانوا يصدرونها. فيديو تضجّ به وسائل التواصل الاجتماعي بمزاعم انه يظهر “يهودا في الحرم المكي في #السعودية“. غير أنّ هذا الادعاء لا صحة له. الفيديو الذي تعود آثاره في الانترنت الى عام 2017، يظهر طوافاً لحجاج مسلمين يتبعون احدى الطرق ال#صوفية، في الحرم المكي في السعودية. FactCheck#
“النّهار” دقّقت من أجلكم
الوقائع: 0.36 ثانية فقط. الفيديو ينتشر على نطاق واسع في صفحات وحسابات، في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا…)، وتويتر (هنا، هنا، هنا…)، وايضا يوتيوب (هنا، هنا، هنا…). وقد أرفق بالمزاعم الآتية (من دون تدخل أو تصحيح): “ياهود في الحرم المكي في السعودية”، وايضا “اليهود يؤدون العمرة اليهوديه في الحرم المكي الشريف”، و”اليهود يطفون حول الكعبه بسخرية”…
التدقيق:
يقود البحث عن الفيديو، بتجزئته الى مشاهد ثابتة (Invid)، الى حسابات عدة نشرته في (12- 13) شباط 2017 (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا) مع شرح انه يظهر “طوافا صوفيا عند الكعبة”، وايضا “أتراك صوفيون خلال الطواف حول الكعبة 2017″، بينما نشرته مواقع اخبارية (هنا، هنا، هنا) بعنوان: “تصرفات غريبة لبعض الأشخاص حول الكعبة الشريفة”.
وأورد موقع “سبوتنيك“، في تقرير نشره في 12 شباط 2017، ان الفيديو يظهر “مجموعة من الاشخاص يُعتقد أنهم من المذهب الصوفي، وهم يطوفون بالكعبة المشرفة بشكل غريب، حيث بدأوا يصدرون أصوات آهات قوية بشكل جماعي، مما آثار استغراب الكثيرين”.
– ذكر الله –
وقد سألت “النهار” قاضي بيروت الشرعي الاستاذ الجامعي الشيخ الدكتور #محمد نقري عن الفيديو، فأكد ان المشاهد تظهر “حجاجا مسلمين يتبعون احدى الطرق الصوفية”.
كذلك، تواصلت “النهار” مع الشيخ عبد الرحمن الحلو، وهو قاض ومستشار في المحكمة الشرعية السنية العليا، العميد السابق لكلية الشريعة التابعة لدار الفتوى، وقد شاهد الفيديو من أجلنا. وقال: “يبدو أنهم معتمرون يطوفون بالبيت العتيق، ويذكرون الله تعالى بمراقبة الأنفاس على التحقيق. وقد اتفق الفقهاء قاطبة على استحباب ذكر الله تعالى في أثناء الطَّواف. فمنهم من عيّن ذكراً خاصاً، ومنهم من أطلق، وهو ما عليه أتباع المذهب الحنفي، الواسع الانتشار في تركيا ودول الاتحاد السوفياتي والبلقان والهند وباكستان وبنغلادش وغيرها”.
وأضاف الشيخ الحلو، وهو ضليع في موضوع التصوف لدى المسلمين: “ذهب المحققون من مشائخ التصوف الاسلامي الى أن للذكر التوحيدي، المعبَّر عنه في لغة القرآن الكريم، بـ”كلمة التقوى”، ثلاثة أنواع: الأول في مرتبة النفي والاثبات، وعبارته “لا إله الا الله”. الثاني في مرتبة الاثبات بلا نفي، وعبارته: “الله”. والثالث في مرتبة الاسم بلا نفي ولا اثبات، واشارته “هو”.
وتابع الشيخ الحلو الشرح: “ويقرر الشيخ الأكبر سيّدي محيي الدين ابن العربي، أحد أعظم العارفين في كل الازمنة، في موسوعته العرفانية الخالدة “الفتوحات المكية”، أن “الواو” لحقت “الهاء” للإشباع الصوتي، فتتحقّق الإشارة بـ”الهاء” لتحيل على حضرة الهوية الأحدية، في مرتبة “كان الله ولم يكن معه شيء”. اخباراً عن نهاية العرفان والاشراق والتحقيق. فإذا قلت: “هو”، لا يسبق الى القلوب غيرُه. اكتفاءٌ بالاشارة عن العبارة، “وكلما اتسعت الاشارة ضاقت العبارة”، على حد تعبير الإمام النِّفَّريّ، صاحب “المواقف.
من هنا ذهب الكثير من أساتيذ المدارس الصوفية، إلى استحباب الذكر بالاسم “هو”، وبالنظر الى تتابعه في النطق صوتيا، يُسمَع فونيم “الهاء” من الصدر، برتابة ايقاعية من جراء عملية الشهيق والزفير، وهو “ذكر الانفاس”، بقصد تأكيد الانسجام بين الإيقاع الصوتي والإيقاع الكوني للسيمفونية الوجودية.
لقد بحث عرفاء التصوف الإسلامي، آثار التجليات الإلهية في منزلة الذكر بالاسم “هو”، ومن أجل من قرّر رمزية ورمزية هذا الذكر الهُوِيِّي، شيخ صوفية عصره الإمام أبو القاسم القشيري، وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وإمام المتكلمين فخر الدين الرّازي، وإمام الوحدة المطلقة سيّدي عبد الحق ابن سبعين، والمحقق العفيف الطاهر التِّلِمْساني، والعارف عبد الكريم الجيلي، والمحقق مُلا صدر الدين الشيرازي، والعامة عبد الغني النابلسي، وله في هاته المسألة كتاب مفرد سماه: “تنبيه من يلهو الى صحة الذكر بالاسم هو”، والحاج مُلا هادي السَّبْزواري، وغيرهم.
هذا، ومن الطرق الصوفية، التي أذاعت وأشاعت الذكر بالاسم “هو”، نهجة ولهجة، الطريقة الجشتيّة، والطريقة الكُبْرَوِيّة، والطريقة القادريّة، والطريقة النّقشبنديّة في بعض أفراعها، والطريقة الشاذلية بكل منفرعاتها، والطريقة الخَلْوَتيّة، والطريقة النِّعمَتُللاهيّة، وعموم القَلَنْدَريّة”.
وختم: “اذن، لا شيء لا يدعو الى الاستغراب او الاستعجاب، في مقطع الفيديو موضوع السؤال، إذ إن الذكر في الاسلام من الفنون الجمالية، وتناويعه في المعارج الصوفية تأخذ بمجامع القلوب الإيمانية”.
كذلك، نقل زملاؤنا المدققون في وكالة فرانس برس عن الشيخ إبراهيم رمضان المارديني المتخصص بالفقه الإسلاميّ والباحث في مدارس التصوّف، إن “هؤلاء أتباع طريقة صوفيّة يطوفون حول الكعبة المشرّفة”. وأضاف: “ما يقوم به هؤلاء هو نوع من ذكر الله معروف بين الصوفيين”.
وأوضح أنه “في بعض حالات الذكر، يصبح لفظ الجلالة غير واضح، ولا يُفهم منه سوى صوت آه، ويكون ذلك متناسباً مع ضربات القلب”.
وتثير هذه الطريقة في الذكر جدلاً بين الفقهاء والمتصوّفين، إذ لا يحبّذها البعض بل يفضلّون ذكر اسم الله كاملاً، وفقاً للمصدر نفسه.
النتيجة: اذاً، لا صحة للمزاعم ان الفيديو يظهر “يهودا يطوفون في الحرم المكي”. المشاهد تظهر “طوافا لحجاج مسلمين يتبعون احدى الطرق الصوفية في الحرم المكي في السعودية. والفيديو تعود آثاره الى شباط 2017.