أشادت إيران وحلفاؤها في المنطقة بالتصريحات الدبلوماسية الأخيرة للجزائر والتي تستهدف المغرب وإسرائيل بينما نددت بها إسرائيل بشدة. ولم يؤثر الخلاف الجزائري المغربي من قبل على الصراع بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط، لكن وجود إسرائيل إلى جانب الرباط في قلب التصعيد الجزائري المغربي يهدد بربط الأزمة بين الرباط والجزائر بالحرب الجارية بالوكالة بين إسرائيل وإيران.

وقد كرر المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة في جنيف، “عمر زنيبر”، اتهامًا قديمًا للجزائر، وهو وجود عناصر حزب الله اللبناني في مخيمات تندوف للاجئين. أما وزير الخارجية الإسرائيلي، “يائير لابيد”، فقد انتقد الجزائر من الرباط، معربًا عن قلقه من التقارب بين الجزائر وإيران.

وقدمت الجزائر هذه الاتهامات كأحد مبررات قطع العلاقات الثنائية مع المغرب. وصرح وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” أنه “لم يسبق من قبل أن اتهم مسؤول إسرائيلي دولة عربية من دولة عربية أخرى وهددها”، وأن “وزير الخارجية المغربي كان المحرض الرئيسي على هذه الاتهامات والتهديدات الإسرائيلية”.

وتعتقد الجزائر أن الاتهامات الإسرائيلية والمغربية هدفها “شيطنة” البلاد عبر ربطها بمحور طهران.

 

 

علاقات الجزائر الجيدة تاريخيًا مع إيران

وتعتبر الجزائر من الدول العربية القليلة التي تحافظ على علاقات جيدة مع إيران حيث يتبادل البلدان رؤى مشتركة حول العديد من القضايا الاستراتيجية التي تقسم المنطقة: فالجزائر تدعم مطلب الفلسطينيين لبناء دولة حرة ومستقلة وتشارك إيران في موقفها بعدم الاعتراف بشرعية إسرائيل. من ناحية أخرى، تدعم إيران مطالب جبهة البوليساريو ولا تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

وتعد أولويات إيران الرئيسية هي الشرق الأوسط وشرق المتوسط ​​والخليج وجنوب غرب آسيا، بينما الجزائر مهتمة بشكل أساسي بالمغرب العربي والساحل وشمال البحر الأبيض المتوسط وتتطلع إلى دور قيادي في إفريقيا.

ويستند الحديث حول العلاقات الإيجابية بين البلدين إلى تاريخ طويل من الاتصالات، فالجزائر هي الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الأكثر تواجدًا في السياسة الإيرانية منذ السبعينيات، من اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران بشأن تقسيم شط العرب عام 1975، إلى اتفاقات الجزائر عام 1981 بين إيران والولايات المتحدة في أعقاب أزمة الرهائن الإيرانية عام 1979.

وخلال التسعينيات، قطعت الجزائر علاقاتها مع إيران، متهمةً البلاد بدعم الجبهة الإسلامية الموحدة التي تقاتل الجيش الجزائري، لكن سرعان ما تم استئناف العلاقات في عام 2000 مع نهاية الحرب الأهلية الجزائرية. بل إنها تعززت اقتصاديًا، بينما حافظ البلدان على توجهات مشتركة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.

بالإضافة إلى ذلك، أبدت الجزائر تعاطفها مع نظام “الأسد” في سوريا، وهو حليف وثيق لإيران. وعارضت الجزائر قرار الجامعة العربية منح مقعد سوريا للمعارضة كما كانت معادية لأي عمل عسكري في سوريا. أما بالنسبة لـ”حزب الله” و”حماس”، فقد عارضت الجزائر إدراج اسميهما على قائمة الجماعات الإرهابية داخل جامعة الدول العربية.

كما دعمت الجزائر علناً برنامج إيران النووي في مناسبات عديدة. ففي عام 2008، أعرب رئيس الوزراء الجزائري “أحمد أويحيى” عن دعم الجزائر لحق إيران في التكنولوجيا النووية السلمية. علاوة على ذلك، دعمت الجزائر الاتفاق النووي الإيراني، واصفة إياه بسابقة مهمة في التعامل مع الأزمات الدولية.

 

 

واليوم، تشترك إيران مع الجزائر في رفضها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي يعتبره كلا البلدين خطرًا حيويًا على أمنهما القومي. وقد عارضت الجزائر بشدة انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب هذا العام.

وتسعى إيران الآن إلى توسيع علاقاتها مع الجزائر بسبب تاريخها في مقاومة الاستعمار الفرنسي، مما يجعلها حليفًا أخلاقيًا لإيران، وهي دولة تفتخر بأنها معادية للغرب ومعادية للإمبريالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارب مع الجزائر هو وسيلة لإيران لتعزيز وجودها في البحر الأبيض المتوسط​​.

علاوة على ذلك، فإن إيران لديها طموحات في القارة الأفريقية وتسعى جاهدة لبسط نفوذها من خلال أيديولوجية “ولاية الفقيه”، والتي تمنح المرشد الأعلى الحق في حكم المسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم. وتنتشر هذه الأيديولوجية في العديد من الدول الأفريقية لذلك تسعى إيران إلى العمل مع الجزائر كشريك أفريقي رئيسي، مما قد يضفي الشرعية على التأثير الإيراني في القارة.

وبحسب “حسني عبيدي”، مدير مركز أبحاث العالم العربي بجامعة جنيف بسويسرا، فإن الجزائر لا تسعى إلى تحالف استراتيجي أو شراكة أكثر تقدمًا مع إيران. وقد أضاف “عبيدي” إن “الجزائر تعارض تقليديًا استراتيجية التحالفات”.

وبينما لا توجد مقاومة داخلية لتوطيد العلاقات مع إيران، يعتقد “عبيدي” أن المسؤولين الجزائريين لا يريدون إثارة الجدل حول العلاقة القوية مع طهران التي يمكن أن تستخدمها الدول المتنافسة لعزل الجزائر أو إضعافها.

ولا يعني ذلك أن الجزائر غير مهتمة بتعزيز علاقاتها مع طهران إلى مستوى معين. وتقدم إيران الدعم السياسي لجبهة البوليساريو التي تفيد الجزائر، مما يسمح لها بتغيير ميزان القوى، لا سيما في سياق الدعم الإسرائيلي للمغرب في الصحراء الغربية. وهناك مصلحة للجزائر في إبقاء خياراتها مفتوحة للاستفادة من دعم الدول الأخرى، لا سيما الصين وروسيا وإيران، إذا استمر التوتر في التصاعد في المنطقة المغاربية.

وبحسب “عبيدي”، يُنظر إلى إسرائيل على أنها تهديد مباشر لأمن الجزائر بسبب تطبيع علاقاتها مع المغرب. وفي الواقع تخشى الجزائر من الوجود المباشر للقوات الإسرائيلية على حدودها. ويمكن للصفقات العسكرية بين تل أبيب والرباط أن تمنح المغرب ميزة في المنافسة على القيادة في شمال إفريقيا. وقد كشفت مجلة “أفريكا انتلجنس” الفرنسية أن الرباط وتل أبيب تعملان حاليًا على تطوير مشروع لتصنيع طائرات بدون طيار انتحارية، توصف أحيانًا باسم “طائرات كاميكازي بدون طيار”.

وقد أثار التعاون الوثيق بين المغرب وإسرائيل في مجالات التجسس والطائرات المسيرة والتعاون العسكري الشكوك لدى الجزائر.

وللحفاظ على مرونة سياستها الخارجية، يجب على الجزائر الحفاظ على علاقات ودية مع القوى العالمية المختلفة، بما في ذلك روسيا والصين وإيران. وبالنظر إلى تعاملاتها السابقة مع إيران، يمكن للجزائر استخدام علاقات متوازنة مع واشنطن وطهران لوضع نفسها كوسيط محتمل في المستقبل بين البلدين اللذين يسعيان حاليًا إلى اتفاق.

 

 

الدبلوماسية الجزائرية الجديدة

وقد حضر رئيس الوزراء الجزائري “أيمن بن عبد الرحمن” في أغسطس/آب الماضي، حفل تنصيب الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، في إطار زيارة عمل لطهران. وقال رئيس الوزراء للرئيس الإيراني إن التحدي الرئيسي للجزائر اليوم هو التغلب على المشاكل الاقتصادية، موضحًا سبب اهتمام البلاد بتطوير العلاقات مع إيران.

وتنتمي كل من الجزائر وإيران إلى “أوبك” وتعيشان في ظروف اقتصادية مماثلة بسبب الانخفاض السابق في أسعار النفط خلال الوباء بالرغم أن الأسعار انتعشت مؤخرًا ووصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات.

وقال “حسني عبيدي”، إن وزير الخارجية الجزاذري “رمطان لعمامرة” يحاول الترويج لدبلوماسية أكثر هجومية، مشيرًا إلى أن الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” يتبنى سياسة مبادِرة عكس الرئيس السابق الذي تسبب في جمود السياسة الخارجية للبلاد.

إجمالا يمكن القول إن التحالف بين المغرب وإسرائيل دفع إيران والجزائر لتعزيز التعاون الثنائي بينهما لكن لا يبدو أن البلدين مستعدان لتشكيل تحالف حقيقي رغم المصالح المشتركة.

المصدر |  حسين شعبان/ إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد