"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أنماط النص القرآني وثماره : منظور تأصيلي معاصر

يتسم النص القرآني بالتنوع واليقين والإستشراف المستقبلي، سواء في مجال العقيدة أو الشريعة أو السنن الكونية والقوانين الإجتماعية.

يشمل النص القرآني نوعين من الأحكام: أحكام واقعية (حقائق) تُعنى بـ”ما هو كائن”، وأحكام تشريعية (معايير) تُعنى بـ”ما يجب أن يكون”.

النص القرآني يشمل عقائد وأخلاق وتربية وتشريع وسُّنن وقصص لا غنى عن حكمته لأساسيات نهضة مستدامة ومجتمع طيب واقتصاد مزدهر ودولة تنموية.

يقرر القرآن ما لا يقل أهمية في فقه الواقع: حقيقة وجودية وسُنّة كونية تتسم بالقطعية والإطّراد والعالمية وتخدم مقومات وتشريعات المنافسة في حوكمة الأسواق وتخدم فقه الشورى ونهضة الأمم.

*     *     *

يتسم النص القرآني بالتنوع واليقين والإستشراف المستقبلي، سواء في مجال العقيدة أو الشريعة أو السنن الكونية والقوانين الإجتماعية.

لكن لابد من التدبّر وبذل الجهد لاكتشاف هذه الكنوز والدُّرَرْ المعرفيّة ومن ثم التطبيق الشوري والرحيم والحكيم لها.  المقصد النهائي هو هداية البشرية وتوجيهها نحو البقاء والرخاء والسعادة في الدارين.

هذا المقال يكمل سابقه (الدراسات القرآنية المعاصرة وأولوياتها 2019) ويتناول أنماط النص القرآني وثماره على المستوى الشخصي والأسري والمعاملاتي والمجتمعي، كما حلله الأصوليون وعلماء القرآن، لكن أيضاً برؤية معاصرة.

بداية، يشمل النص القرآني نوعين من الأحكام: الأحكام الواقعية (الحقائق) التي تُعنى بـ”ما هو كائن”، والأحكام التشريعية (المعايير) التي تُعنى بـ “ما يجب أن يكون”.

ففي كتابه القيّم “التفسير الاقتصادي للقرآن الكريم”، يُصنّف د. رفيق المصري آيات القرآن الى  آيات تشريعية معيارية وآيات وصفية تقريرية، حيث يؤكد: “ومن المعلوم ان في القرآن أحكاماً أو مقولات قيمية (افعل أو لا تفعل).. ومقولات وصفية، تصف الواقع والفطرة ]والمجتمعات[ البشرية، من دون أمر ولا نهي”.

ولا يعلم الكاتب سبباً لهيمنة فقه الأحكام التشريعية -على أهميتها الحرجة- على علوم الشريعة، وتجاهل هذه العلوم حتى وقت قريب للأحكام الوصفية أو التقريرية (مثال: فقه السُّنن الربانية)، مع أن المصدر الأول للشريعة وهو القرآن الكريم يحوي كلا النوعين من الأحكام، ومع أن القرآن قد حثّ على التفكّر والسير في الأرض والإحاطة بالواقع (مثال: قصص سورة الكهف).

فعندما يقول تعالى: “كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ” (العلق، 6) فان القرآن هنا لا يفرض معياراً أخلاقياً أو يصرّح بحكم فقهي أو يُعلن تشريعاً صريحاً، لكنه يقرر ما لا يقل أهمية في فقه الواقع: حقيقة وجودية وسُنّة كونية، ليست فقط تتسم بالقطعية والإطّراد والعالمية بل وتخدم مقومات وتشريعات المنافسة في حوكمة الأسواق الحرة، وتخدم فقه الشورى وبناء الأمم ونهضة الدول. هي جزء من “الفقه الأكبر”.

وفي مجال الأحكام الوصفية، يضم القرآن الماضي والمستقبل وليس الحاضر فقط، أي “نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ” كما جاء في الحديث النبوي، أي ان القرآن يحوي أبرز التجارب التاريخية للأمم السابقة وأهم الدروس المستقاة منها، ويشمل أيضاً معرفة استشرافية لا تقدر بثمن وتخدم علم المستقبل ودراساته التحليلية في بناء الأمم (اُنظر مقال الكاتب: ما ينفع الناس: في علم المستقبليات والنظم المقارنة).

وثانياً: يضم القرآن الكريم مقاربتين: النص القرآني المنفرد، والنص القرآني التجميعي.

النص المنفرد ينظر نظرة جزئية الى النص القرآني ويفيد في حالة النصوص قطعية الدلالة والثبوت غير القابلة للتقييد أو التخصيص وهي تبدو محدودة، لكن للنص القرآني التجميعي منطقه القوي في نهج التفسير الموضوعي (دراسة قرآنية متكاملة حسب الموضوع الواحد)، وفي تفسير القرآن بالقرآن، وفي إرساء الوحدة البنائية للقرآن الكريم.

وأخيراً يحوي النص القرآني آيات محكمات وآيات متشابهات. المحكم القرآني هو الأصل وهو الأساس في ايضاح العقيدة الصافية والأخلاق السوية والسنن الربانية وآيات الأحكام التشريعية الرئيسية.

أما النص المتشابه والظني فهو– كالمباحات وما لا نص فيه– يتكيف مع طبائع البشرية المتنوعة ويتلاءم مع متغيرات الوجود البشري دون السقوط في التفرّق أو العدمية الأخلاقية.

اليوتوبيا القرآنية تعترف بالتعددية البشرية وتحترم الحرية الفردية وهي ليست يوتوبيا جامدة ولا تسمح بالتغيير أو المعارضة.

الخلاصة

النص القرآني يشمل العقائد والأخلاق والتربية والتشريع والسُّنن والقصص القرآني، ولا غنى عن حكمته لأساسيات أية نهضة مستدامة أو مجتمع طيب أو اقتصاد مزدهر أو دولة تنموية.

* د. جمال الحمصي أكاديمي باحث في الاجتماع والاقتصاد الإسلامي

المصدر | السبيل