"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر كما في روايات مذهب أهل البيت (ع) والتي فيها حلولاً للمشاكل النفسية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية

من كتاب الأمالي والبحار وتنبيه الخواطر  :

عن أبي الأسود قال: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه فحدثني أبو ذر.
قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي إلى جانبه جالس فاغتنمت خلوة المسجد فقلت: يا رسول الله بأبي أنت، وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها، فقال: نعم وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.
يا أبا ذر ا عبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به، فهو الأول قبل كل شئ فلا شئ قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شئ قدير، ثم الايمان بي والا قرار بأن الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه، وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
واعلم يا أبا ذر أن الله عز وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا.
يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
يا أبا ذر إياك والتسويف بأملك فإنك بيومك، ولست بما بعده فان يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.
يا أبا ذر كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه.
يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومصيره لأبغضت الامل وغروره.
يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب، أو كعابر سبيل، وعد نفسك من أصحاب القبور.
يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا.
يا أبا ذر إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به
يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.
يا أبا ذر هل ينتظر أحد إلا غنى مطغيا، أو فقرا منسيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا   أو موتا مجهزا، أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر.
يا أبا ذر إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته، ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة.
يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله.
يا أبا ذر إن حقوق الله جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين.
يا أبا ذر إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع.
يا أبا ذر لا يسبق بطئ بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطى خيرا فان الله أعطاه، ومن وقي شرا فان الله وقاه.
يا أبا ذر المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة، إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإن الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة والاثم عليه ثقيلا وبيلا   وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه.
يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت.
يا أبا ذر إن نفس المؤمن أشد ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه .
يا أبا ذر من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه .
يا أبا ذر إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه.
يا أبا ذر دع ما لست منه في شئ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
يا أبا ذر إن الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا، وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون: ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا؟ فيقال: هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمأون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تحفظون.
يا أبا ذر جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل شبع وإن الظمآن إذا شرب روى، وأنا لا أشبع من الصلاة.
يا أبا ذر أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة.
يا أبا ذر ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له.
يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي يا ابن آدم لو تعلم مالك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت   يا أبا ذر طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة ألا وهم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغير الأسحار.
يا أبا ذر الصلاة عماد الدين واللسان أكبر والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر، والصوم جنة من النار واللسان أكبر، والجهاد نباهة واللسان أكبر  .
يا أبا ذر الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض وإن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك، فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور أخيك، فيقول: أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا؟ فيقال له: إنه كان أفضل منك عملا، ثم يجعل في قلبه الرضي حتى يرضى.
يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وما أصبح فيها مؤمن إلا حزينا فكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله جل ثناؤه أنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها   وليلقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر يبتغي ثوابا من الله تعالى فما يزال فيها حزينا حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة.

يا أبا ذر ما عبد الله عز وجل على مثل طول الحزن.
يا أبا ذر من أوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيق أن يكون قد أوتي علم ما لا ينفعه لان الله نعت العلماء فقال جل وعز: إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ” .
يا أبا ذر من استطاع أن يبكي فليبك، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك، إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا تشعرون.
يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى: لا أجمع على عبد خوفين ولا أجمع له أمنين فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة.
يا أبا ذر إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة [فيمن ذنب ذنوبه] فيقول: أما إني كنت مشفقا، فيغفر له.
يا أبا ذر إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات حتى يأتي الله وهو عليه غضبان وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق   منها فيأتي الله عز وجل آمنا يوم القيامة.
يا أبا ذر إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة فقلت: وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائبا منه، فارا إلى الله عز وجل حتى يدخل الجنة.
يا أبا ذر الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه وهواها وتمنى على الله عز وجل الأماني.
يا أبا ذر إن أول شئ يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا.
يا أبا ذر والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة من ماء.
يا أبا ذر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من ابتغى به وجه الله، وما من شئ أبغض إلى الله تعالى من الدنيا، خلقها ثم عرضها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة، وما من شئ أحب إلى الله تعالى من الايمان به وترك ما أمر بتركه.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلام: يا عيسى لا تحب الدنيا فاني لست أحبها وأحب الآخرة فإنما هي دار المعاد.
يا أبا ذر إن جبرئيل أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال لي: يا محمد هذه خزائن الدنيا ولا ينقصك من حظك عند ربك فقلت: يا حبيبي جبرئيل لا حاجة لي فيها، إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته.
يا أبا ذر إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه.
يا أبا ذر ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه ويبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
يا أبا ذر إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقى الحكمة فقلت: يا رسول الله من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس المقابر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه في الموتى.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى لم يوح إلي أن أجمع المال ولكن أوحى إلي أن ” سبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين “.
يا أبا ذر إني ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركب الحمار بغير سرج، وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
يا أبا ذر حب المال والشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زرب

الغنم  فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها.
قال: قلت: يا رسول الله الخائفون الخائضون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا أهم يسبقون الناس إلى الجنة؟ فقال: لا ولكن فقراء المسلمين فإنهم يتخطون رقاب الناس فيقول لهم خزنة الجنة كما أنتم حتى  تحاسبوا فيقولون بم نحاسب فوالله ما ملكنا فنجود ونعدل، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ولكنا عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا.
يا أبا ذر إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان وإن الله تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في حلاله فكيف بما نعمنا في حرامه.
يا أبا ذر إني قد دعوت الله جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني الكفاف وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد.
يا أبا ذر طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا أرض الله بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، واتخذوا كتاب الله شعارا ودعاءه دثارا يقرضون الدنيا قرضا.
يا أبا ذر حرث الآخرة العمل الصالح، وحرث الدنيا المال والبنون.
يا أبا ذر إن ربي أخبرني فقال: وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء وإني لابني لهم في الرفيق الاعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد.
قال: قلت: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس قال: أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا.
يا أبا ذر إذا دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع، قلت: فما علامة ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله.
يا أبا ذر اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.
يا أبا ذر ليكن لك في كل شئ نية حتى في النوم والاكل.
يا أبا ذر ليعظم جلال الله في صدرك فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب اللهم اخزه وعند الخنزير اللهم اخزه.
يا أبا ذر إن لله ملائكة قياما من خيفته، ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة فيقولون جميعا: سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد.
يا أبا ذر ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ولو أن دلوا صبت من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من مغربها ولو زفرت جهنم زفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه (1) يقول: رب نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام يقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني.
يا أبا ذر لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضيئها القمر ليلة البدر ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم.
يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن.
يا أبا ذر إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم أنك لاحق به.
يا أبا ذر اعلم أن كل شئ إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فليس له دواء.
واعلم أن فيكم خلقين: الضحك من غير عجب والكسل من غير سهو.
يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو، ورب شهوة ساعة تورث حزنا
طويلا (1).
يا أبا ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله تبارك و تعالى أمثال الأباعر  ثم يرجع إلى نفسه، فيكون هو أحقر حاقر لها.
يا أبا ذر لا تصيب حقيقة الايمان حتى ترى الناس كلهم حمقاء في دينهم عقلاء في دنياهم.
يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية.
يا أبا ذر استحي من الله فاني والذي نفسي بيده لا ظل حين   أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي.
يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي، قال: فاقصر من الامل واجعل الموت نصب عينيك واستح من الله حق الحياء، قال: قلت: يا رسول الله كلنا نستحي من الله؟ قال: ليس ذلك الحياء ولكن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى والجوف وما وعى والرأس ومن حوى، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.
يا أبا ذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
يا أبا ذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.
يا أبا ذر إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.
يا أبا ذر إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل في أرض قفر فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه غيري، فينزل سبعين ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد فيقول الله تعالى انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد. ورجل في زحف فر أصحابه وثبت هو ويقاتل حتى يقتل.
يا أبا ذر ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض تنادي بعضها بعضا يا جار هل مربك ذاكر لله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله؟ فمن قائلة لا ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها.
يا أبا ذر إن الله جل ثناؤه لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تتكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم ” اتخذ الله ولدا ” فلما قالوها اقشعرت الأرض وذهبت منفعة الأشجار.
يا أبا ذر إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا.
يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي [يعني قفر] فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه.
يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه.
يا أبا ذر ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.
يا أبا ذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.
يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء وإملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من إملاء الشر.
يا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي ولا تأكل طعام الفاسقين.
يا أبا ذر أطعم طعامك من تحبه في الله، وكل طعام من يحبك في الله عز وجل.
يا أبا ذر إن الله عز وجل عند لسان كل قائل فليتق الله أمرء وليعلم ما يقول.
يا أبا ذر اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.
يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع.
يا أبا ذر ما من شئ أحق بطول السجن، من اللسان.
يا أبا ذر إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وإكرام حملة القرآن العاملين، وإكرام السلطان المقسط.
يا أبا ذر ما عمل من لم يحفظ لسانه.
يا أبا ذر لا تكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماريا.
يا أبا ذر لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما ساء خلقه.
يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.
يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشتر فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك.
يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات وتمحى عنك عشر سيئات.
يا أبا ذر أتعلم في أي شئ أنزلت هذه الآية ” اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ” (1) قلت: لا [أدري] فداك أبي وأمي، قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة.
يا أبا ذر إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط.
يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى: إن أحب العباد إلي المتحابون من أجلي المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالاسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم.
يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة قراءة مصل أو ذكر الله أو سائل عن علم.
يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل، يقول الله عز وجل: ” إنما يتقبل الله من المتقين ”  .
يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمن حل ذلك أم من حرام.
يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل من أين أدخله النار.
يا أبا ذر من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل.
يا أبا ذر إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له، وأكرمكم عند الله عز وجل أتقيكم له وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا.
يا أبا ذر إن المتقين الذين يتقون [الله عز وجل] من الشئ الذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة.
يا أبا ذر من أطاع الله عز وجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.
يا أبا ذر أصل الدين الورع ورأسه الطاعة.
يا أبا ذر كن ورعا تكن أعبد الناس، وخير دينكم الورع.
يا أبا ذر فضل العلم خير من فضل العبادة، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا  وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع.
يا أبا ذر إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقا.
يا أبا ذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: وما الثلاث فداك أبي وأمي؟ قال: ورع يحجزه عما حرم الله عز وجل عليه، وحلم يرد به جهل السفيه، وخلق يداري به الناس.
يا أبا ذر إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يديك.
يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ” .
يا أبا ذر يقول الله جل ثناؤه: وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت عليه ضيعته  وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
يا أبا ذر لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت.
يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله عز وجل، وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشئ لم يكتب لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه، فان استطعت أن تعمل لله عز وجل بالرضى في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وإن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا.
يا أبا ذر استغن بغنى الله يغنك الله، فقلت: وما هو يا رسول الله؟ قال، غداءة يوم وعشاءة ليلة فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.
يا أبا ذر إن الله عز وجل يقول: إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا [ووقارا] وإن لم يتكلم.
يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم  ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
يا أبا ذر التقوى ههنا، التقوى ههنا – وأشار إلى صدره -.
يا أبا ذر أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع لله سبحانه، وذكر الله تعالى على كل حال، وقلة الشئ يعني قلة المال.
يا أبا ذر هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين.
يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة، قلت يا رسول الله إنا لنؤخذ بما ينطق به ألسنتنا، قال: يا باذر وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك.
يا أبا ذر إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض.
يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له [ويل له].
يا أبا ذر من صمت نجا فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا، قلت
يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ فقال: الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك.
يا أبا ذر إياك والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا، قلت: يا رسول الله ولم ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: لان الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.
يا أبا ذر سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، قلت: يا رسول الله وما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قلت يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به؟ قال: اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.
يا أبا ذر من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله عز وجل أن يعتقه من النار.
يا أبا ذر من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فان خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر لا يدخل الجنة قتات، قلت: وما القتات؟ قال: النمام.
يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة.
يا أبا ذر من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار.
يا أبا ذر المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة.
يا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يومين الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كان بينه وبين أخيه شحناء  فقال: اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا.
يا أبا ذر إياك وهجران أخيك فان العمل لا يتقبل من الهجران.
يا أبا ذر أنهاك عن الهجران وإن كنت لابد فاعلا فلا تهجره فوق ثلاثة أيام [كملا] فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به.
يا أبا ذر من أحب أن يتمثل له الرجال قياما (1) فليتبوأ مقعده من النار.
يا أبا ذر من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك، فقال: يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى أن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.
يا أبا ذر أكثر من يدخل النار المستكبرون فقال رجل: وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله؟ قال: نعم من لبس الصوف وركب الحمار وحلب العنز وجالس المساكين.
يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر، يعني ما يشتري من السوق.
يا أبا ذر من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة.
يا أبا ذر أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه.
يا أبا ذر من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر.
يا أبا ذر من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الآخر أخاه.
يا أبا ذر سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به، همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول أولئك شرار أمتي.
يا أبا ذر من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عز وجل فقد كساه حلة الكرامة.
يا أبا ذر طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة وأنفق ما لا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة  طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.
يا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب  لئلا يجد الفخر فيك مسلكا.
يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض.
يا أبا ذر ألا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله؟ قال: كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به  لو أقسم على الله لأبره.
أقول: وجدت في بعض نسخ الأمالي وكانت مصححة قديمة أملا علينا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن قدس الله روحه يوم الجمعة الرابع من المحرم سنة سبع وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل وساق الحديث إلى آخره.
ورواه الشيخ في أماليه   عن جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائي الكاتب   سنة أربع عشرة وثلاثمائة – وفيها مات – عن محمد ابن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن الفضيل بن يسار، عن وهب ابن عبد الله بن أبي ذبى الهنائي، عن أبي الحرب بن أبي الأسود الديلي مثله. ورواه الورام في جامعه   أيضا.
من كتاب –  في مجموعة ورام ( تنبيه الخواطر ) : ص 183 – بحار الأنوار للمجلسي ج 74 ص 74-91  – ]