الخليج الجديد :
روسيا تلوي ذراع الأسد بهدوء ومتشددو النظام غاضبون .. ما السبب؟
أشارت روسيا مؤخرًا إلى استعدادها لإخراج سوريا من العزلة الدولية عبر استغلال علاقتها الوثيقة بنظام الرئيس “بشار الأسد”، لكن ذلك يتطلب انخراطًا أعمق في توجيه وإدارة السياسة السورية.
وفوّض الدبلوماسيون الغربيون روسيا لكي تدفع نظام “الأسد” للموافقة على أول اجتماع له على الإطلاق (وجهًا لوجه) مع مفاوضي المتمردين لبدء صياغة الإصلاحات الدستورية.
كما أنهت جلسات صياغة الإصلاحات التي تقودها الأمم المتحدة (التي بدأت رسميا في 18 أكتوبر/تشرين الأول) فترة استمرت 9 أشهر من توقف محادثات السلام بين الفصائل المتناحرة في الحرب الأهلية السورية.
ومن خلال الضغط على النظام للتعامل بجدية مع عملية الإصلاح الدستوري التي تقودها الأمم المتحدة، تشير موسكو إلى أنها عازمة على جعل النظام يتخذ الخطوات اللازمة لاستعادة بعض الروابط التجارية والنشاط الاقتصادي الذي من شأنه إعادة بناء سوريا وتحسين الأزمة الإنسانية في البلاد، وبالتالي تأمين مكاسب روسيا من الحرب الأهلية في نهاية المطاف.
روسيا تغير استراتيجيتها
بعد سنوات من المفاوضات، تم إنشاء اللجنة الدستورية السورية تحت رعاية الأمم المتحدة في أواخر عام 2019 وذلك من أجل التفاوض على حل سياسي نهائي للحرب الأهلية. وتتألف اللجنة من الموالين للنظام السوري والمتمردين والمفاوضين المعينين من الأمم المتحدة.
وفي الماضي، تجنبت روسيا الضغط على دمشق لدخول مفاوضات مع المتمردين في الخارج، مفضلة دعم الاستراتيجية القائمة على استرجاع المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.
أما الآن، فمناطق المتمردين المتبقية تحت الوصاية التركية أو الأمريكية، مما لا يترك فرصًا كبيرة للنظام السوري لهزيمة المتمردين عسكريًا، ويجبر موسكو على تغيير استراتيجيتها.
وتأتي محاولات روسيا لإصلاح علاقات سوريا مع المجتمع الدولي وسط علامات مؤخرًا على تحسن علاقات دمشق مع عدد من الدول العربية بما فيها بعض دول الخليج.
إخراج النظام من العزلة
تسببت جرائم نظائم “الأسد”، خلال السنوات العشر الماضية من الحرب، في فرض عزلة وعقوبات دولية على دمشق وبقاء قلة من الحلفاء إلى جانبها.
لكن هناك علامات على بدء تغيير في هذا الصدد، حيث تجري مناقشات لإنهاء تعليق عضوية سوريا جامعة الدول العربية، كما بدأت دول الخليج بشكل منفرد في إعادة بناء العلاقات الثنائية ببطء مع نظام “الأسد” على أمل تقويض النفوذ الإيراني في سوريا، كما بدأت الولايات المتحدة في تخفيف بعض عقوباتها على سوريا لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وبالرغم من العقوبات الأمريكية الصارمة المفروضة على نظام “الأسد” بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، فإن القانون ذاته يسمح للرئيس الأمريكي بتخفيف العقوبات إذا قامت دمشق بإصلاحات سياسية كبيرة.
وأعادت عُمان والإمارات والبحرين مؤخرا فتح سفاراتها في سوريا. وفي سبتمبر/أيلول، أيدت الولايات المتحدة خطة لإرسال الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، كما أن قيام الأردن بإعادة فتح الحدود مع سوريا الشهر الماضي لم يستثر أي تهديدات بالعقوبات الأمريكية.
ليّ ذراع نظام “الأسد”
ولتحسين سمعة سوريا الدولية وكسر عزلة البلاد، من المرجح أن تواصل روسيا تركيزها على مشاركة نظام “الأسد” في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، حتى لو تسبب ذلك في بعض المقاومة من النظام.
وفشلت الجولات السابقة من محادثات التوسط في الصراع إلى حد كبير بسبب عدم رغبة النظام السوري في تقديم تنازلات لأي من فصائل المعارضة، لكن تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية التي استمرت لعقد كامل قد أكسبها نفوذًا لدى النظام يكفي لإجباره على البقاء في عملية التفاوض.
ومع ذلك، لا يزال من المرجح أن يقاوم “الأسد” ونظامه تقديم تنازلات كبيرة للمعارضة، ما يحد من قدرة سوريا على الخروج من العزلة الدولية بالرغم من الدعم الروسي.
وما يزال المتشددون هم المهيمنون على النظام السوري فقد اكتسبوا قوة وثروة ملحوظة خلال الحرب الأهلية. ومع ذلك، ظهرت بعض المقاومة من داخل النظام خاصة في المجتمع العلوي (الطائفة الدينية الأساسية التي تدعم الحكومة) كرد فعل على الظروف الاقتصادية المتدهورة في البلاد.
ولإجبار النظام على إجراء التغييرات اللازمة لكسر العزلة الدولية، قد تحاول روسيا زيادة نفوذها السياسي من خلال دمج المزيد من المعتدلين داخل النظام.
الأمر لا يخلو من مخاطرة
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إشعال غضب المتشددين في النظام السوري، ما قد يهدد مكانة موسكو في البلاد أو يقوض سمعة روسيا كحليف موثوق، وهي السمعة التي اكتسبتها من تدخلها في الحرب الأهلية.
ويمكن لروسيا استخدام علاقاتها الوثيقة مع الجيش السوري لموازنة متشددي النظام، كما يمكن أن تهدد موسكو أيضا بتخفيف حمايتها الدبلوماسية للنظام إذا تمسك متشددو النظام بمواقفهم التي لا تتناسب مع محاولات إخراج البلاد من العزلة الدولية.
ومع ذلك، قد يتجه هؤلاء المتشددون للاعتماد بشكل أكبر على إيران التي لديها روابط أيديولوجية أعمق مع نظام “الأسد” وذلك لتعويض الدعم الروسي، وقد يهدد ذلك بدوره المكانة العسكرية الروسية في البلاد إذا خففت دمشق من استخدام القوات الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فكلما زاد انخراط روسيا في السياسة السورية، تآكلت سمعة روسيا كحليف موثوق إذا بدا أن موسكو تقوض سيادة سوريا.