"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الجزائر : الأول بالأمازيغية .. كتاب جزائري يرصد سيرة النبي محمد وحياته

القدس العربي :

الجزائر ـ  حسام الدين إسلام :

في سابقة من نوعها نشر الكاتب الجزائري إبراهيم تازغارت أخيرا كتابا يرصد سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وحياته باللغة الأمازيغية.
وصدر الكتاب في سبتمبر/ أيلول عن منشورات “ثيرا” الجزائرية (خاصة) تحت عنوان: “حياة النبي محمد (ص): على طريق الحقيقة”.
ورغم تناول الأمازيغ، وأغلبهم من المسلمين على مذهب أهل السنة والجماعة، سيرة النبي محمد شفويا، إلا أنها المرة الأولى التي يصدر فيها كتاب بلغتهم يتناول حياته.
** سفر ممتع
وعن كتابه يقول تازغارت للأناضول: إنه “سفر ممتع مع حياة أكبر رجل عرفه التاريخ البشري الرسول محمد عليه الصلاة والسلام”.
وأضاف أن الرسول “تعرّض على مر التاريخ لحملات تشويه ممنهجة أثرت مؤخرا حتى على المسلمين المنبهرين بالثقافة الغربية المادية وقد انساق بعضهم وراء الحرب القذرة التي طالته”.
وأردف: “كتبت المؤلف انطلاقا من جغرافية ميلادي بالجزائر، وذكرت في المحور الأول أن من الأوائل الذين اشتغلوا على الحجاز وجزيرة العرب حتى الهند هو الملك العالم يوبا الثاني (ملك أمازيغي ولد في القرن 52 ميلادي ولد بهيبون (محافظة عنابة حاليا شرقي البلاد)”.
وتابع: “تناولت في الكتاب محاور أخرى مثل الحالة الدينية والروحية قبل الإسلام عند المماليك الأمازيغية بشمال إفريقيا وقرار النبي أن تكون وجهة الهجرة الأولى نحو الحبشة (إثيوبيا حاليا) في إفريقيا وأن ذلك لم يكن عبثا”.
في 7 فبراير/ شباط 2016، أصبحت الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر عقب تبني البرلمان بأغلبية ساحقة مراجعة دستورية تنص على ذلك، فيما العربية هي “اللغة الوطنية والرسمية” للدولة.
** لسان أمازيغي
وأوضح تازغارت أن من واجبه كأمازيغي مسلم أن يكتب عن حياة الرسول ويحاول تقديمه بلغته.
وأرجع ذلك إلى أن “الثقافة الشفوية تحكي عن النبي بإسراف ولكن التدوين هو خطوة نحو البحث المتمعن في لحظات عيش رجل خرج وحيدا من غار حراء (الذي كان يتعبد فيه الرسول شرق مكة المكرمة وفيه نزلت الآيات الكريمة) ليُغير مجرى التاريخ الإنساني”.
وحول أسباب كتابته عن سيرة الرسول بالأمازيغية بيّن أن “الكنيسة بعد نهاية الحروب الصليبية (أواخر القرن 13) واصلت حملاتها على الإسلام بالإنتاج الفكري والمعرفي المتبلور فيما سُمي الاستشراق”.
وأضاف أن الكنيسة “حاربت الإسلام علانية وبوسائل مكشوفة، وأظهر أعداؤه دهاء كبيرا بعملهم على نسف الدين من الداخل عبر زرع أفكار وتصورات تقلل من قيمة الرسول الكريم”.
وزاد تازغارت أن “الرسول الكريم تعرّض لحملة محكمة لإظهاره رجلا يجري وراء السلطة ولا يتوانى في القتل واستعمال العنف حتى يصل إلى مراده”.
** “شارلي إيبدو”
واعتبر تازغارت، أنّ رسومات صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية “عيّنة عن هذه التخيلات والتشويهات التي تراكمت منذ قرون”.
وعام 2006 نشرت “شارلي إيبدو” (مقرها باريس) رسوما كاريكاتورية مسيئة تظهر النبي محمدا في زي شخصية مسلحة محاط بامرأتين محجبتين (ترتديان النقاب).
وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2015، أعادت الصحيفة ذاتها نشر رسوم مسيئة للنبي (ص)، بعد أسبوع على تعرضها لهجوم مسلح (7 يناير) خلّف 12 قتيلا من هيئة تحريرها.
وأثار ما أقدمت عليه الصحيفة الفرنسية موجة غضب عارمة في العالمين العربي والإسلامي بحسب ما نقلته وسائل إعلام آنذاك.
وبحسب تازغارت، فإن “هذه الحملات الفكرية والإعلامية القوية خلفت شروخا حتى داخل العالم الإسلامي الذي يُراد تجريده من قيمه وأخلاقه تحت مسمى العولمة”.
وأضاف: “أصبحت الكتابة ضد الرسول (ص) من شروط النجاح في الغرب وخاصة فرنسا فيما يخص الجزائر وبلدان المغرب العربي”.
ومن بين إفرازات الاستشراق، وفق تازغارت، “ظهور عوامل جديدة للوحدة في العالم العربي الذي عملت قوى الاحتلال على تسخيره لصالحها في الكثير من المناسبات”.
ورأى أنّ “العروبة تمكنت من زحزحة الإسلام من مكانته كعامل للوحدة وأَعلت الانتماء الإثني واللغوي فوق الانتماء العقائدي”.
واعتبر أنه “انطلاقا من هنا بدأت تظهر أسباب تفتت المجتمعات المسلمة ليستحيل لها النهوض مرة أخري ومواكبة العصر”.
** فرنسا والأمازيغية
وأوضح تازغارت، أن “الأمازيغية من المكونات التي مسها الاضطهاد والتعتيم لحقب طويلة من الزمن، بداية من الاستعمار الفرنسي ضد الجزائر (1830-1962)”.
وقال: “الاستعمار عرّب أسماء الأماكن والأشخاص لكي ينتصر لأطروحته”، معتبرا أن “فرنسا تكملة للوجود الروماني حيث يتطلب نجاحها محو الوجود الأمازيغي من التاريخ”.
ولفت إلى “ظهور توجه لا وطني (لم يحدده) يعمل على إضعاف الدولة وتمكين النيوكولونيالية (استعمار جديد فكري ثقافي) من أخذ ثأرها القديم تحت غطاء الخصوصية المنطقوية اللغوية”.
وأردف أن “خلق شرخ بين الانتماءين الأمازيغي والإسلامي يعد من بين أخطر الأسلحة التي تستعملها قوى تشتغل ضمن مشروع الفوضى الخلاقة التي تستهدف منطقتنا وتتكامل مع المشروع العروبي فكريا ولو في اتجاهات معاكسة”.
** الأمازيغ بالجزائر
وتعود بداية التقويم الأمازيغي إلى 950 عام قبل ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ويبدأ رأس السنة الأمازيغية في 13 يناير بدل الأول منه، بينما تجري الاحتفالات ليلة رأس السنة أي في الثاني عشر منه.
تعتبر الأمازيغية اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى في الجزائر، التي تضم محافظات عدة شرق العاصمة، وينقسمون، وفق باحثين، إلى مجموعات منفصلة جغرافيا، وهم: القبائل في منطقة القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، والمزاب في منطقة غرداية (جنوبي البلاد).
بالإضافة إلى الطوارق (أقصى الجنوب الشرقي)، والشناوة في منطقة شرشال (غرب العاصمة).
ولا توجد أرقام رسمية عن عدد الناطقين بالأمازيغية كلغة، لكنهم مجموعة من الشعوب المحلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غرب مصر) شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.
وتازغارت، كاتب وناشر جزائري مختص في الأدب الأمازيغي، يدير حاليا منشورات “ثيرا”، نشر في 2004 رواية “سلاس ونوجة” بالأمازيغية، وترجمت إلى اللغة العربية وصدرت عن دار نشر مصرية (بيلومانيا) عام 2020. (الأناضول)