الوطن :
أحمد البهنساوى
يا خير خلق الله، يا رحمة للعالمين، عليك صلى الله.. كلمات تحاول التعبير عن فيض السعادة بمولد خير البرية، وسيد ولد آدم، وكتب في مولده أشعارا، منها رائعة أحمد شوقي «ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء» وللتعرف على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في موضوع ولادته فقط، لا تكفي مجلدات لسردها، لذلك يحاول التقرير التالي عرض ملامح رئيسية عن المولد النبوي الشريف، بدءً من سيدنا آدم أبو البشر، حتى ولادته صلى الله عليه وسلم، في 12 ربيع الأول.
نسب النبي
وقبل التطرق لموضوع قصة ميلاد النبي، فإن نسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كالتالي: «أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان»، هذا هو المتفق عليه من نسبه، أما ما فوقه ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم».. بحسب ابن القيم في «زاد المعاد».
قصة ميلاد النبي
شاءت إرادة الله تعالى، أن يكون رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشرًا من بني آدم، اختاره الله من أطهر الأنساب، وأشرف السلالات، وأنقى الأصلاب، يقول الحق جل وعلا: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: 124]، وذكر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في معرض حديثه عن قصة ميلاد النبي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتز بنفسه ونسبه فيقول: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رواه مسلم.
وأوضح شيخ الأزهر عبر موقع دار الإفتاء المصرية، أنه يروى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، صعد المنبر فقال للناس: «مَنْ أَنَا؟» قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ ثُمَّ فَرَّقَهُمْ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا، وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا» رواه أحمد والترمذي.
وثبت في الصحيح، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» رواه أحمد والترمذي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَم يلتَق أبَوَاي قَطُّ عَلَى سِفَاح، لمْ يزَلِ الله يَنْقُلُني مِن الأصْلاب الحَسَنةِ إِلىَ الأرْحَامِ الطَّاهِرَةِ مُصَفَّى مُهَذَّبًا لا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إِلا كُنْتُ فِى خَيْرهِمَا» رواه الإمام السيوطي في «الجامع الكبير».
وعلى ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بشرًا لحمًا ودمًا، اختاره الله تعالى من أطهر الأنساب، وأنقى الأصلاب، وأطهر الأرحام، انتقل من أصلاب الرجال إلى أرحام النساء حتى استقر في بطن أمه آمنة بنت وهب.
قصة الذبح
وقبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، تواترت قصة تعرف باسم قصة الذبح، حيث نذر عبد المطلب بن هاشم إلى الله نذرا، أنه إذا اعطاه الله عشرا من الرجال حتى يمنعونه سيذبح أحدهم لله عند صنم بالكعبة، فلما اكتمل له بنوه، وشبوا حكى لهم نذره لله فأجابوه لذلك، فأمرهم أن يأتوا بالقداح، وكل واحد منهم يضع اسمه على قدح منهم، ثم تضرب الأقداح ووقع الاختيار على عبد الله.
وهم عبد المطلب ليذبح ابنه، لكن لحب قريش له منعته، وأشارت عليه بأن يأتي عرافا فيستشيره في أمره هذا، فاستحسن الفكرة، لأنه كان أحب أولاده إليه، وذهب إلى عرافة كانت قريش يستفتونها في أمورهم، فأشارت عليه بأن يرمي القداح مره أخرى بين عبد الله، وعشر من الإبل فإن جاءت بعبد الله مره أخرى فليزد عشرا من الإبل.
ففعل عبد المطلب، وكل مره يضرب القداح تأتي بعبد الله وهو يزيد الإبل، حتى وصلوا المائة فكانت فديته مائة من الإبل، ورجع عبد المطلب بابنه فرحا بعد ما ذبح 100 من الإبل عند الكعبة، وأراد بعدها أن يزوجه فزوجه بآمنة بنت وهب الزهري كما ذكرنا، فتزوجها وسافر إلى الشام، للتجارة بعدها ثم رجع بمرض شديد حتي توفي قبل ميلاد الرسول.
عام الفيل
كما وقعت عددا من الأحداث قبل مولد النبي الشريف، ومنها حادثة الفيل في عام الفيل، وسُمِّي عام الفيل بهذا الاسم، لأنه حدث فيه قدوم أبرهة الحبشي وجيشه ومعه فِيَلة لهدم الكعبة، وأرسل الله على هذا الجيش طيرا أبابيل محملة بالحجارة فأهلكتهم، وهذه الحادثة ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وأتت تفاصيلها في كتب السِّيَر والتاريخ، وذكرها المفسرون في كتبهم، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ}(الفيل 1: 5) .
قال ابن كثير في تفسيره: «كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في ذلك العام، وُلِدَ على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم -يا معشر قريش- على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق، الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- خاتم الأنبياء».
ولد النبي يتيما
شاءت إرادة الله تعالى، أن يفقد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وهو جنينٌ في أحشاء أمه آمنة بنت وهب، وأن يفقد أمه وهو ما يزال طفلًا صغيرًا لم يجاوز الخمس سنوات من عمره، وهو في أشد الحاجة إلى رعايتها، وكان من فضل الله على نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم، أن غرس الحب لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قلب كل من يراه.
وأوضح الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أنه منذ وفاة أمه آمنة، تكفله جده عبد المطلب الذي كان يحبه حبًّا شديدًا ويحوطه بالعطف والرعاية، وكان يجتهد في ألَّا يشعر حفيده باليتم والحرمان، لكن شاءت الأقدار أن يفقد سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم جده كذلك، فقد أصبح شيخًا كبيرًا، فلم يعمر كثيرًا ليكمل مسيرته في تربية حفيده والعناية به، فقد توفي عبد المطلب بعد السيدة آمنة بعامين فقط، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل طفلًا في الثامنة من عمره، وحزن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حزنًا شديدًا على موت جده الذي عوضه حنان أبيه وأمه جميعًا.
وبعد وفاة عبد المطلب، كفله عمه أبو طالب الذي ضمه على أولاده، ونهض بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وقدمه على أولاده، وخصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.
ودرج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في بيت أبي طالب، والسن تمضي به قدمًا إلى الوعي العميق بما حوله، وأصر على أن يُشارك عمه هموم العيش، إذ كان أبو طالب على كثرة عياله قليل المال.
رحلة الشام وعلامات النبوة
ولما بلغ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الثانية عشرة من عمره، أراد عمه أن يذهب في رحلة تجارية إلى الشام لعل الله يفتح عليه ببعض المال، الذي ييسر عليه حياته، وأصر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على مُصاحبة عمه في هذه الرحلة، وتروي بعض المصادر، أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، التقى في هذه الرحلة بـ«بُحَيْرا» الراهب النصراني، فرأى الراهب فيه علامات النبوة، التي كان يعرفها من قراءاته في الكتب المقدسة، ونصح عمَّه بالرجوع إلى مكة، وحذره من اليهود على ابن أخيه.
وعندما عاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة مع عمه، لم يشأ أن يكون عبئًا ثقيلًا على عمه، وأراد أن يكون له عمل يكسب منه قوته، ويعول نفسه، واشتغل برعي الغنم وظل يرعى الغنم حتى أصبح شابًّا فتيًّا، فقام بالتجارة في أموال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ونجح سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تجارته، وكان من ثمار ذلك أن أتم الله زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها.