تنطلق في العاصمة الإيطالية روما، الخميس، جلسات محاكمة 4 ضباط كبار بأجهزة الأمن المصرية غيابيا؛ بتهمة قتل وتعذيب طالب الدكتوراه الإيطالي “جوليو ريجيني” في القاهرة، فبراير/شباط 2016.

وتضم لائحة الاتهام، الرائد “شريف مجدي” من المخابرات العامة المصرية، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوطني المصري اللواء “طارق صابر”، وعقيدي الشرطة بالجهاز ذاته “هشام حلمي”، و”آسر كمال”.

وترفض مصر تسليم المتهمين إلى السلطات الإيطالية، وتشكك من آن لآخر في لائحة الاتهام الموجهة إليهم.

ومن المستبعد أن تسلم مصر الرجال الأربعة، لكن إدانتهم غيابيا قد توفر بعض الراحة لوالدي “ريجيني”، اللذين يطالبان السلطات الإيطالية بتحقيق العدالة.

 

 

عقوبات مرتقبة

واتهم ممثلو الادعاء في روما، المتهمين بـ”اختطاف” الباحث “ريجيني” (26 عاما) و”إلحاق أذى جسيم به أدى إلى وفاته”.

ويقول الادعاء إن لديه أدلة على أن “شريف” ومسؤولين مصريين آخرين، عذبوا الطالب الإيطالي لعدة أيام؛ ما تسبب له في “أذى بدني جسيم أدى لوفاته”.

وتصل عقوبة الاختطاف في إيطاليا إلى السجن 8 سنوات، بينما قد يُحكم على “شريف” بالسجن مدى الحياة.

ويقول محامو الدفاع، الذين عينتهم المحكمة، إن المحاكمة ما كانت لتنعقد لأنه ليس من المؤكد أن أيا من المشتبه بهم على علم بإجراءاتها، غير أن قاضيا رفض اعتراضهم، قائلا إن أنباء التحقيق ستصل إليهم على أي حال.

 

 

إعاقة المحاكمة

وكانت مصر رفضت الاعتراف بالمحاكمة في روما، وأغلقت تحقيقها في قضية “ريجيني” أواخر العام الماضي؛ بدعوى أن قاتل الباحث الإيطالي “لا يزال مجهولا”.

وبحسب ما أفادت به صحيفة “الجارديان” البريطانية، في تقرير لها اليوم، أعاقت مصر جهود التحقيق في الحادث، وتضمن ذلك تقديم أدلة حيوية للجانب الإيطالي تحتوي على “ثغرات” غير مبررة؛ ما يجعلها عديمة القيمة.

كما رفض مسؤولون بوزارتي العدل والداخلية المصريتين تزويد الجانب الإيطالي بعناوين المتهمين الأربعة، وعرقلوا الجهود الإيطالية لإبلاغهم رسميا بأنهم قيد المحاكمة.

وسيوضح المدعون الإيطاليون كيف تم القبض على “ريجيني” من الأمن المصري في يناير/كانون الثاني 2016، واحتجازه في مقر شرطي وسط القاهرة، قبل نقله إلى منشأة يديرها جهاز الأمن الوطني؛ حيث تعرض للتعذيب الشديد.

وكان “ريجيني” يجري بحثا عن النقابات العمالية المستقلة في مصر يتعلق برسالة دكتوراه خاصة به. ويقول مقربون إنه كان مهتما أيضا ببحث هيمنة الدولة والجيش على الاقتصاد المصري. والموضوعان لهما حساسية خاصة في مصر.

ويقول الادعاء إن لديه أدلة على أن “شريف” كلف مخبرين بمراقبة “ريجينى”، وإلقاء القبض عليه في نهاية الأمر.

وبعد 9 أيام من الاختفاء، عُثر على جثة “ريجينى”، وعليها آثار تعذيب في فبراير/شباط 2016.

وعقب ذلك، توترت العلاقات بين القاهرة وروما بشكل حاد، خاصة في ظل اتهام وسائل إعلام إيطالية لأجهزة الأمن المصرية بالضلوع في تعذيبه وقتله، وهو ما نفته القاهرة مرارا.

وقالت السلطات المصرية في بادئ الأمر إن “ريجيني” لقي حتفه في حادث طريق، قبل أن تقول لاحقا إن تشكيلا عصابيا خطفه وإن الشرطة ألقت القبض على أفراده لاحقا وقتلتهم.

والشهر الماضي، قال زير الخارجية الإيطالي، “لويجي دي مايو”، إن “الوصول إلى صورة قاطعة (لما حدث)، في إطار محاكمة عادلة، لن يعيد جوليو إلى والديه، لكنه يؤكد مجددا على قوة العدالة والشفافية وحكم القانون التي كان يؤمن بها”.

ولم يتضح بعد إلام ستستمر المحاكمة. وتقول الحكومة الإيطالية إنها ستطلب تسلم أي شخص مدان في القضية.

 

 

فرصة نادرة لمحاسبة الأمن المصري

ووفق “الجارديان”، تكشف قضية “ريجيني” عن أعماق مراقبة الدولة المصرية للحياة اليومية للمواطنين، كما أنها توفر نظرة ثاقبة على الأعمال الداخلية لجهاز الأمن الوطني المصري، وهو بمثابة جهاز استخباراتي داخلي معني بالقضايا السياسية والإرهابية، ويواجه اتهامات بقمع نشاط المجتمع السياسي والمدني في البلاد.

كما تمثل المحاكمة، وفق الصحيفة البريطانية، فرصة نادرة للغاية لمحاسبة قوات الأمن المصرية على الانتهاكات الحقوقية التي يقول المراقبون إنها “باتت روتينية”، لا سيما حالات الاختفاء القسري حيث يُحتجز المعتقلون سرا، وهي ممارسة مرتبطة بالتعذيب.

وفي هذا الصدد، قالت “المفوضية المصرية للحقوق والحريات”، وهي منظمة حقوقية مقرها القاهرة ويمثل محاموها عائلة “ريجيني” في مصر ، في تقرير إنها رصدت 2723 حالة اختفاء قسري في الفترة بين 30 أغسطس/آب 2015 وأغسطس/آب 2020.

ومنذ وصول الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، إلى السلطة إثر انقلاب عسكري عام 2013، أصبحت محاكمات رجال الشرطة، وحتى صغار الضباط، على الجرائم المرتكبة بحق المدنيين “نادرة للغاية”.

كما تعثرت جهود تقديم ممثلي الدولة المصرية للعدالة خارج البلاد. وألغت محكمة في واشنطن الشهر الماضي دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء المصري الأسبق “حازم الببلاوي” بشأن تورطه في تعذيب مواطن مصري أمريكي كان مسجونا سابقا.

المصدر | الخليج الجديد + الجارديان