رداً على ادعاءات ماكرون : حقيقة “الاحتلال” العثماني المزعوم للجزائر

القدس العربي :

إسطنبول: من العار أن يتخلص امرؤ من العار بعار أكثر فداحة، هذا بعينه ما صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تجاهل جرائم الاحتلال الفرنسي للجزائر واستشهاد أكثر من مليون جزائري من أهل هذا البلد على يد الفرنسيين، ومحاولته التغطية على ذلك بسحب الجزائريين إلى وهمٍ من صناعته هو.
إذ نعت ماكرون الوجود العثماني في الجزائر بأنه “استعمار منسي” في محاولة ساذجة للإيقاع بين الجزائريين والأتراك.
ولئن كان الجزائريون على الصعيدين الرسمي والشعبي قد أصلوه نيران الرد على هذه المزاعم، إلا الأمر يستلزم إضاءة حول التواجد العثماني في الجزائر، ليقف باغي المعرفة على مدى زيف ادعاءات ماكرون، ويتعرف على حقيقة هذا التواجد والجهود التي بذلتها الدولة العثمانية لتحرير الجزائر بعد أن احتلها الفرنسيون، رغم الضعف الذي داهم الدولة.

بادئ ذي بدء، نقول إن الوجود العثماني في الجزائر والذي بدأ في الربع الأول من القرن السادس عشر للميلاد، لم يكن وجودًا تركيًا قوميا، إنما كان وجودًا عثمانيًا إسلاميًا، بحكم صعود هذه الإمبراطورية الإسلامية، والتي التف حولها المسلمون في البقاع التي دخلت تحت نفوذها باعتبارها نظاما إسلاميا عاما يندرجون تحت رايته.

ينبغي العلم بأن الأخوين بربروس (عروج وخير الدين)، كانا يمثلان الوجود العثماني في الجزائر، وهما بطلان من أبطال البحر في التاريخ العثماني، قد نابا عن الدولة في تمثيلها في الجزائر بشكل غير مباشر في البداية، ثم أصبح بشكل رسمي مباشر، فلنر كيف دخل هذان البطلان الجزائر.

عندما توجّه الأخوان بربروس إلى تونس اتخذاها قاعدة للهجوم على السفن الصليبية والقيام بعمليات لإنقاذ مسلمي الأندلس، ولم يكونا في هذا الوقت يعملان رسميا تحت قيادة الدولة العثمانية، ولكن كانت هناك مساعدات مادية وعسكرية يمنحهما إياها السلطان سليم لمزاولة نشاطهما البحري.
وبينما كان وفدهما في إسطنبول لمقابلة السلطان، تلقى الأخوان رسالة استغاثة من أهالي قلعة بجاية الجزائرية أوردها خير الدين في مذكراته تقول نصًا: “إن كان ثمة مغيث فليكن منكم أيها المجاهدون الأبطال، لقد صرنا لا نستطيع أداء الصلاة أو تعليم أطفالنا القرآن الكريم لما نلقاه من ظلم الإسبان، فها نحن نضع أمرنا بين أيديكم، جعلكم الله سببا لخلاصنا”.
خاض الأخوان بربروس معارك ضارية لتخليص قلعة بجاية من الإسبان توجت بالفتح، وتم استقبالهما استقبال الفاتحين.

ولم تكن هي المرة الوحيدة التي استغاثت فيها المدن الجزائرية بالأخوين بربروس، فعندما كانا في مدينة جيجل الجزائرية، وردت إليهما وفود من عدة مدن جزائرية، تشكو من ظلم الإسبان وتطلب التدخل لإنقاذها، فخرج عروج بقواته إلى الجزائر وحررها من الإسبان، وكانت صدمة مروعة للملك الإسباني كارلوس.

كما دخل عروج مدينة تلمسان بنفس الطريقة، لأن حاكمها كان ظالما ممالئا للإسبان، فكانوا يرسلون إلى بربروس لينقذهم من الإسبان وحليفهم.
إذا، جاء الوجود العثماني في الجزائر والذي يمثله الأخوان بربروس، بناء على استغاثات مقدمة من المدن الجزائرية لتخليصها من العدو الإسباني وحلفائه من الملوك الظالمين.
وبعد مقتل عروج على يد الإسبان، دخلت الجزائر بشكل رسمي تحت راية الدولة العثمانية، بناء على طلب الجزائريين أنفسهم أيضًا، من خلال رسالة وقع عليها وجهاء الجزائر على اختلاف مستوياتهم إلى السلطان العثماني سليم الأول بعد أن دخلت الشام ومصر والحجاز تحت راية الدولة العثمانية.

أرسلت هذه الرسالة عام 1519م، وهي موجودة في دار المحفوظات التاريخية بمدينة إسطنبول، وقام بترجمتها إلى العربية المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي، في بحث بعنوان “أول رسالة من أهالي مدينة الجزائر إلى السلطان سليم الأول سنة 1519″، قامت المجلة التاريخية المغربية التي كانت تصدر في تونس بنشره في العدد السادس، شهر يوليو 1976م.
ونقل هذه الرسالة العديد من المؤرخين العرب، منهم المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه “الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها” في الجزء الثاني منه.

استمر دعم ورعاية الدولة العثمانية لدولة الجزائر بعد وفاة السلطان سليم، حيث خلفه على العرش ابنه سليمان القانوني، والذي أصبحت الجزائر في عهده قاعدة لصد العدوان الإسباني، وعُين خير الدين قائدا عاما للأسطول العثماني وعُهد بولاية الجزائر إلى ولده حسن أغا.
بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، بدأ الضعف التدريجي يدب في الدولة العثمانية شيئا فشيئا، ترتب عليه عجز الدولة على ربط ولاياتها – ومنها الجزائر – بالمركز، وأصبح ولاتها يستأثرون بشؤون الحكم فيها.
يقول أرجمنت كوران في كتابه “السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر”: “في أوائل القرن التاسع عشر، صارت تبعية ولاية الجزائر للدولة العثمانية عبارة عن تصديق السلطان لتولية “الداي” كل سنتين أو ثلاثة، والتحاق سفن الأوجاق بالأسطول العثماني كلما يتطلب ذلك”.
وعلى الرغم من ضعف الدولة العثمانية، إلا أنها بذلت جهدا كبيرًا لمنع احتلال فرنسا للجزائر، ثم محاولة تحريرها بعد الاحتلال.
ففي عام 1827م، نشبت أزمة دبلوماسية بين داي الجزائر حسين باشا، وبين القنصل الفرنسي، بدأ الأسطول الفرنسي على إثرها في محاصرة الجزائر بحرًا، وكانت الأزمة ذريعة لاحتلال فرنسا للجزائر، حيث أن أطماعها في تلك البلاد بدأت منذ زمن بعيد، حتى أن نابليون بونابرت قد سعى إليه.
وقامت فرنسا بتهديد الباب العالي إذا لم يتم تأديب والي الجزائر، وإلا فإن جيوشها سوف تتحرك لاحتلالها، وحاولت إجبار السلطان العثماني على إصدار أوامره لوالي مصر محمد علي باشا لإرسال حملة إلى الجزائر، إلا أن الدولة العثمانية رفضت إصدار هذا الأمر، وتعهدت بإرسال مندوب إلى الوالي لنصحه.
وقرر الباب العالي في نفس الوقت توجيه إنذار إلى محمد علي في مصر لسحب يده من التدخل بحملة عسكرية في الجزائر، وقام بتوكيل طاهر باشا للسفر إلى الجزائر من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي، لكن فرنسا راوغت وتصنعت جهلها بمهمة طاهر باشا إلى أن احتلت الجزائر.
وفي أول مفاوضات الدولة مع الفرنسيين عقب الاحتلال، صرح السفير الفرنسي بأن الجزائر أصبح تحت التصرف الفرنسي بموجب أصول الحروب، ورغم أن المفوض العثماني لم يكن مخولا بالرد الفوري إلا أنه اعترض بشدة على وجود صلاحيات تصرف فرنسية في الجزائر، ورفض مزاعم السفير بأن الجزائر لها حكومة مستقلة بعيدا عن الدولة العثمانية، ثم أكد الباب العالي هذا الإصرار بمطالبته فرنسا برد الجزائر باعتبارها ولاية عثمانية.
استمرت الجهود الدبلوماسية العثمانية لاسترداد الجزائر رغم الخطر الذي كانت تواجهه عندما أعلن والي مصر عصيان الدولة العثمانية، وعقب انتهاء هذه الأزمة، تحركت الدولة دبلوماسيا على الصعيد الأوروبي، خاصة بعد أن أرسل أهل الجزائر رسالة استغاثة للباب العالي ضد الظلم الفرنسي، إلا أن هذه المحاولات قد باءت جميعها بالفشل بسبب تشابك المصالح الأوروبية.
والحق أن حالة الضعف التي كانت عليها الدولة لم تكن لتسمح لها بالقيام بعمل عسكري ضد الاحتلال الفرنسي.

وعلى الرغم من ذلك حركت الدولة العثمانية سفنها إلى طرابلس الغرب لإلحاق هذه الولاية بالمركز بعد أن داهمتها الخلافات والفتن، ومن ناحية أخرى كانت تهدف إلى التواجد العسكري قريبا من الجزائر تحسبا للتفكير في عمل عسكري، وهو الأمر الذي أصاب فرنسا بالقلق بالفعل.

في الوقت ذاته كان سكان ولاية قسنطينة الجزائرية يجابهون الاحتلال الفرنسي، فأرسل الباب العالي رسالة محفزة إلى أحمد باي الذي يقود جهاد أهل قسنطينة، والذي خلع عليه أهل البلدة لقب الباشا، وضرب النقود باسم السلطان، ويقال أن الباب العالي قد أرسل بشكل سري مدافع لأهل قسنطينة عبر تونس، إلا أن باي تونس قد حجزها.

كان الباب العالي يهدف من خلال اقتراب الأسطول من تونس تأمين إمكانية إنقاذ الجزائر من الاحتلال الفرنسي إلا أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل، كما أنه لم يقدر على إرسال دعم بري إلى أحمد باي في قسنطينة لمواجهة الفرنسيين، فقرر السلطان إرسال أمر لباي تونس لمساعدة باي قسنطينة، إلا أن باي تونس لم يلتفت لذلك لأنه كان مجبورا على مصادقة الفرنسيين.
من خلال ما سبق ندرك أن الوجود العثماني في الجزائر كان بناء على استغاثات جزائرية ضد الإسبان وحلفائهم في الداخل، كما عملت الدولة العثمانية جاهدة في ظل فترة ضعفها على منع الاحتلال الفرنسي للجزائر.
(الأناضول)

عن leroydeshotel

شاهد أيضاً

عقيد بريطاني يحذر إسرائيل من تهديد اليمن أكبر من “حماس” و”حزب الله”

RT : عقيد بريطاني يحذر إسرائيل من تهديد أكبر من “حماس” و”حزب الله” حذر العقيد …