في 15 سبتمبر/أيلول، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات حالة الطوارئ في جميع محافظات اليمن الجنوبية. وجاء هذا الإعلان من قبل زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي” في خطاب متلفز بعد أيام من الاحتجاجات في عدن ومدن أخرى في جنوب اليمن والتي اندلعت إلى حد كبير بسبب المظالم الاقتصادية بما في ذلك انتشار الفقر وزيادة أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة اليمنية ونقص الكهرباء.

وخلال هذه الاحتجاجات، لقي 3 أشخاص على الأقل مصرعهم في اشتباكات مع قوات الأمن ما يسلط الضوء على التوترات المتصاعدة في جنوب اليمن، حيث يؤدي الصراع المستمر والانقسامات المتزايدة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

ولم تمنع حالة الطوارئ المواطنين في مختلف مدن الجنوب، بما في ذلك تعز، من النزول إلى الشوارع. ويلقي المتظاهرون باللوم على أطراف مختلفة، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس “عبدربه منصور هادي”، في سوء الأحوال المعيشية.

وأشار “تشارلز شميتز”، أستاذ الجغرافيا بجامعة توسون والمتخصص في شؤون اليمن، إلى أن عدم الاستقرار في اليمن أدى إلى تراجع الاستثمار والإنتاج.

وأشار في مقابلة عبر البريد الإلكتروني إلى أن هذا الانخفاض الكبير في الإنتاج أدى إلى انخفاض الرواتب المحلية، ونقص الصادرات اللازمة للحصول على النقد الأجنبي لتغطية الواردات، وانخفاض الدخل للحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والطباعة التضخمية للعملة لتغطية النفقات.

كما أشار إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة “هادي” في ورطة” لأنهما لا يستطيعان تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، وسيستمرون في فقدان الشرعية، مضيفا أن الحوثيين في نفس القارب، لكن قمعهم أكثر فاعلية”.

 

 

الانقسامات في الجنوب

ولا يزال الانقسام الرئيسي في جنوب اليمن بين حكومة “هادي” والمجلس الانتقالي الجنوبي ذي الميول الانفصالية والذي يسيطر حاليا على عدن والضالع ولحج وأجزاء من أبين. ولا تزال الحرب الأهلية عام 1986 في جنوب اليمن ذات صلة وتؤثر على المعادلة العسكرية اليوم. ومع ذلك، هناك المزيد من الانقسامات بين الجنوبيين والجماعات التي تضع نفسها في مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي.

ومؤخرا، أصدر كل من “المجلس الوطني الجنوبي” و”المجلس الأعلى للحركة الثورية لتحرير واستقلال الجنوب” بيانات تدعم الاحتجاجات. وفي حين أن كلا المجموعتين تعارض المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنهما منقسمتان حول قضايا أخرى.

ويدعم “المجلس الوطني الجنوبي” حكومة “هادي” ويعارض مقترحات انفصال الجنوب. وفي أغسطس/آب 2020، نظم المجلس الوطني الجنوبي احتجاجات مناهضة للانتقالي الجنوبي وشارك فيها آلاف اليمنيين وحمل كثير منهم صور “هادي”.

ويؤيد “المجلس الأعلى للحركة الثورية لتحرير واستقلال الجنوب” الانفصال بشدة. ويعتقد أنه يجب طرد التحالف الذي تقوده السعودية من المناطق الجنوبية، ووصف زعيم المجلس الأعلى الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي بأنها قوة احتلال.

ويعارض المجلس الأعلى اتفاق الرياض، وهو اتفاق لتقاسم السلطة توسطت فيه السعودية ووقع عليه المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة “هادي” في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وفي بيان صدر في أغسطس/آب 2020، أعرب المجلس عن رفضه لأي اتفاق لا يتضمن حكما ذاتيا في الجنوب. علاوة على ذلك، هناك مزاعم بأن الجماعة لها صلات بإيران.

ومن المحتمل أن تكون تحركات كلا المجموعتين للتعبير عن التضامن مع المتظاهرين مدفوعة بدوافعهما لامتلاك ورقة يمكن استخدامها ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، لزيادة شعبيتهما بين الجنوبيين، ولا سيما قواعدهما.

ومع ذلك، فإن هذه الجماعات والعديد من الفصائل الأخرى تزيد من انقسام اليمنيين في الجنوب. وكانت هناك مجموعات انفصالية مختلفة تتحدث عن “المطالب السياسية الرئيسية” للجنوبيين منذ احتجاجات الربيع العربي. ويدور الخلاف الأيديولوجي المركزي لهذه الجماعات حول ما إذا كان على الجنوب السعي إلى الاستقلال.

 

 

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول، اندلعت اشتباكات بين المجلس الانتقالي وجماعة منشقة مسلحة بقيادة العميد “إمام النوبي” ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل.

وبحسب “حسام ردمان”، الباحث الزميل في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فإن هذه الجماعة المسلحة مدعومة من السعودية وموالية لكل من “هادي” وحزب الإصلاح الإسلامي، بالرغم من وجود ارتباك حول الانتماء السياسي لـ”النوبي” لعدد من الأسباب.

وعلى مدى أعوام، تلقى “النوبي” دعما من الإمارات، لكنه فقد هذا الدعم لاحقا بالرغم من احتفاظه بوجود ونفوذ عسكريين في منطقة “كريتر” في عدن. وفي الوقت نفسه، يعتبر شقيقه “مختار النوبي”، من أكثر القادة العسكريين نفوذا في قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالرغم من إقالته في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكلفت القوات السعودية في محافظة عدن “إمام النوبي” بتشكيل لواء عسكري بهدف موازنة النفوذ العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتمركزت قواته في مديرية كريتر.

وأشار “ردمان” إلى أن اندلاع الاشتباكات الأخيرة كان مثيرا لأنه جاء بعد أيام فقط من عودة أعضاء حكومة “هادي” إلى عدن وقبل يومين من زيارة المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة “هانز جروندبرج”. وقال: “تدل هذه الاشتباكات على مدى نفوذ الميليشيات المسلحة المحلية التي أصبحت أداة لعرقلة جهود السلام، سواء من خلال تنفيذ اتفاق الرياض أو من خلال جهود المبعوث الأممي. كما تكشف هذه الاشتباكات عن الخلل البنيوي في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تشكلت بعد اندلاع الحرب. فهي تفتقر إلى الطابع المؤسسي وتتميز بالأحرى بالنزعة الفردية والمحسوبية، ما يجعل إعادة هيكلة هذه الأجهزة وحوكمتها مطلبا ضروريا خلال الفترة المقبلة”.

وفي الواقع، كما هو الحال في جميع أنحاء اليمن، يفتقر الجنوب للوحدة لأن الأطراف المتحاربة أو المتنافسة لديها أجندات ومصالح متضاربة. ولا يوجد طرف واحد يمثل جميع الجنوبيين. ومع استمرار الانقسامات بين هذه الأطراف واستمرار الصراع، فإن أزمات الاقتصاد تتصاعد، الأمر الذي يترك غالبية اليمنيين دون الوصول إلى الخدمات العامة وبدون وسائل لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

 

 

المظالم الاقتصادية ونقص الوقود

لقد مزقت الحرب المستمرة في اليمن اقتصاد البلاد. ومنذ التدخل بقيادة السعودية في عام 2015، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40%. وفي أواخر سبتمبر/أيلول، سجلت العملة اليمنية نقطة منخفضة عند 1200 ريال لكل دولار واحد في الجنوب وبقيت عند 600 ريال لكل دولار واحد في الشمال.

ويؤدي انخفاض العملة إلى تضخم سريع في أسعار الغذاء والوقود، ما يثير قلق اليمن الذي يستورد نحو 90% من طعامه. ومع ارتفاع الأسعار، أصبحت السلع الأساسية بعيدة عن متناول الكثير من سكان اليمن الذين يعتمد نحو 80% منهم بالفعل على المساعدات الإنسانية.

ووفقا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 2% هذا العام بعد تقلصه بنسبة 8.5% العام الماضي. ومن المحتمل أن يستمر ذلك في إحداث آثار سلبية على اقتصاد البلاد.

وفي 25 سبتمبر/أيلول، أعلنت مؤسسة كهرباء عدن عن بدء إغلاق محطات التوليد تدريجيا بسبب نقص الوقود بعد تأخر شحنة سعودية تحتوي على 75 ألف طن متري من الوقود المخصص لإنتاج الكهرباء. وبحسب الصحفي اليمني “أحمد ماهر”، فإن المولدات في عدن قديمة جدا ولا تكفي لاحتياجات المدينة.

وأشار “ماهر” إلى أنه “حاليا تدفع الدولة مبالغ طائلة للشركات الخاصة لشراء الطاقة الكهربائية ومشتقات النفط. وتدفع الحكومة اليمنية ثمن الوقود الذي يأتي من السعودية ولكن بسعر أقل ولهذا تعتبره منحة. ويحسن الوقود السعودي الوضع العام لكنه لا يحل المشكلة”.

وأضاف “ماهر”، الذي عمل بين عامي 2019 وأوائل 2021 كمستشار للشؤون الإعلامية لوزير النقل اليمني، أن قضية الكهرباء في عدن واليمن لن تُحل إلا من خلال إنشاء محطات طاقة ضخمة وخطوط إمداد تابعة للدولة”. لذلك، من المرجح أن يظل نقص الكهرباء وانقطاعها مشكلة مع استمرار الصراع.

علاوة على ذلك، فاقمت جائحة الفيروس التاجي من الأزمة في اليمن. وتضرر نظام الرعاية الصحية، الذي طغت عليه بالفعل أعوام الحرب ويفتقر إلى الموارد.

وهناك عوامل مختلفة، تاريخية وجغرافية، تشكل الانقسامات في جنوب اليمن. وتعمل هذه الانقسامات على إدامة الصراع وتجعل الأطراف المتحاربة تعطي الأولوية لمصالحها وأجنداتها على التعاون والحكم الفعال. وفي الوقت نفسه، فإن الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار التام.

وفي الواقع، طالما استمرت الظروف الاقتصادية في التدهور ولم يتم تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، فمن المرجح أن تصبح الاحتجاجات مثل تلك التي حدثت مؤخرا في جنوب اليمن أكثر شيوعا وانتشارا.

المصدر | عبد العزيز كيلاني – معهد دول الخليج في واشنطن – ترجمة وتحرير الخليج الجديد