تعتبر طهران على استعداد لفعل أي شيء لتعزيز السياسة الخارجية المعادية لأمريكا في المنطقة وحماية هيبتها من خلال إضعاف الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.

وبالنظر إلى الاختلافات الأيديولوجية الأساسية بين طالبان والنظام السياسي الحاكم في إيران يمكن للمرء أن يتوقع الصدام بين الجانبين. ولكن بدلا من ذلك، نجد أن التعاون منخفض المستوى ينمو بين الجانبين. وقد دفع هذا التعاون المتزايد الكثيرين حول العالم إلى التساؤل عما إذا كانت سياسة إيران ونهجها تجاه أفغانستان قد تغير بالفعل عن سياستها خلال التسعينيات.

ويتطلب فهم علاقة إيران بطالبان درجة من الوعي بالتاريخ. وخلال الفترة الأولى من حكم طالبان في أفغانستان من عام 1996 ةحتى عام 2001، دعمت إيران التحالف الشمالي بقيادة “أحمد شاه مسعود”. وكانت مذبحة طالبان للشيعة الأفغان، بما في ذلك أقلية الهزارة العرقية في البلاد، عاملا رئيسيا في النزاع بين الجمهورية الإسلامية وطالبان.

وقد تصاعد الخلاف مع طالبان لدرجة أن إيران فكرت في شن غزو كبير لأفغانستان بعد مقتل 11 من دبلوماسييها في مدينة مزار شريف على يد طالبان عام 1998.

وشكلت الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001 نقطة تحول في سياسات إيران تجاه طالبان. ففي أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان، دعمت طهران تحرك واشنطن لتشكيل حكومة مؤقتة في كابول. لكن إيران التي كانت تأمل في كسب ود الولايات المتحدة أصيبت بالصدمة والغضب بعد أن أشار الرئيس “جورج بوش” في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2002 إلى إيران باعتبارها عضوا في “محور الشر” إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. وقد ردت إيران على واشنطن بتكثيف دعمها لقوى المنطقة العاملة ضد الولايات المتحدة بما في ذلك طالبان.

وأصبحت علاقة إيران بطالبان أكثر بروزا في السنوات القليلة الماضية. وكان من اللافت صمت المرشد الأعلى “علي خامنئي” حيال التحركات الأخيرة لطالبان وسيطرتها على أفغانستان.

وقد أشادت صحيفة “كيهان” المحافظة في طهران، والتي تعكس آراء المتشددين الإيرانيين، بحركة طالبان باعتبارها حركة “حقيقية” مناهضة لأمريكا في أفغانستان. في الوقت نفسه، استخدم عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية لفظ “الإمارة الإسلامية”، التسمية المفضلة لدى طالبان، للإشارة إلى الحكومة الجديدة في كابل.

 

 

أعداء قدامى.. أصدقاء جدد

لا يستطيع أحد إنكار دور إيران في هزيمة الحكومة الأولى لطالبان في أفغانستان من خلال التعاون مع الولايات المتحدة والقوات الأفغانية المناهضة لطالبان. ففي ذلك الوقت، اعتبرت طهران صعود حكومة سنية “متطرفة” في أفغانستان تهديدا خطيرا لأمنها القومي. ومع ذلك، ظهرت معضلتان بمرور الوقت وهما وجود القوات الأمريكية في أفغانستان والنفوذ المتزايد لتنظيم “الدولة” في البلاد؛ مما دفع طهران إلى إعادة النظر في موقفها العدائي تجاه طالبان.

وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، فر عدد من قادة ومقاتلي طالبان الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى باكستان إلى إيران، ورفضت طهران تسليمهم للحكومة الأفغانية الجديدة.

وبناءً على مصادر أفغانية، قدمت طهران لاحقا معسكرات تدريب لمقاتلي طالبان. وفي مناسبات عدة، عرض مسؤولون عسكريون أفغان في غرب البلاد أسلحة إيرانية الصنع أمام الكاميرات كانت جميعها مأخوذة من طالبان.

وفي عام 2010، نشر موقع “ويكيليكس” وثائق عسكرية أمريكية سرية حول الحرب تشير إلى أن إيران آوت ودربت طالبان لمحاربة قوات التحالف في أفغانستان. وقد نفت إيران هذا الاتهام وأدانت الأدلة ووصفتها بأنها احتيالية أو مضللة. وقد أصبحت الروابط بين الجانبين علنية في مايو/أيار 2015، عندما ذكرت طهران أن وفدًا من المكتب السياسي لطالبان في قطر سيصل إلى طهران لمناقشة مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان.

ومنذ ذلك الحين، ضاعفت طهران من تعاونها مع طالبان لحماية حدودها من تنظيم “الدولة”. وحتى قبل سيطرتها على البلاد، نفذت طالبان دوريات في أجزاء من المناطق الحدودية بين البلدين. وأدى هذا التعاون السري إلى توسيع العلاقات الدبلوماسية. وفي الوقت الذي نفت فيه إيران رسميا تعاونها مع طالبان، كشف مقتل أمير طالبان “الملا أختر منصور” في غارة أمريكية بطائرة مسيرة أثناء عودته إلى باكستان من إيران في مايو/أيار 2016 العلاقات الوثيقة بين الطرفين.

ومع صعود حركة طالبان في القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، سافرت مجموعة من الممثلين السياسيين لطالبان في أواخر يناير/كانون الثاني 2021 إلى طهران. وأكدت كل من طهران وطالبان خلال الاجتماع نهجهما المشترك تجاه وجود القوات الأجنبية في أفغانستان. وكرر الطرفان مرة أخرى التأكيد على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية، بما في ذلك القوات الأمريكية ومقاتلي “الدولة”.

 

 

الخطوات التالية

من المتوقع أن تتصاعد المشاعر المعادية لأمريكا في نهج السياسة الخارجية الإيرانية بعد تنصيب الرئيس المتشدد “إبراهيم رئيسي” في طهران، وسيجعل ذلك إيران أقرب إلى طالبان. من المتوقع أن تحاول إيران تقديم طالبان كعضو جديد فيما يسمى بـ”محور المقاومة” ضد القوى الغربية وحلفائها في المنطقة.

ويعد أحد مجالات التعاون المبكر المحتمل هو المعدات العسكرية التي تم الاستيلاء من الجيش الأمريكي بما في ذلك طائرات ومدرعات وأنظمة دفاعية متطورة بقيمة عشرات الملايين من الدولارات. وبينما بذلت الولايات المتحدة جهدًا لتدمير أكبر قدر ممكن من هذه المعدات، إلا أنها لم تنجح في تدميرها بالكامل وسقط بعضها في أيدي طالبان.

ومع ذلك، نظرًا لصعوبة استخدام أنظمة الأسلحة المعقدة ونقص خبرة طالبان، فقد تقوم الحكومة الجديدة في كابل بنقل بعض هذه المعدات إلى إيران للهندسة العكسية، مقابل مساعدة إيران لطالبان في استخدام الأسلحة بشكل صحيح.

ويعد استقرار أفغانستان في ظل غياب القوات الأجنبية مهما للأمن القومي الإيراني. وتعتبر كل من طالبان وطهران تنظيم “الدولة” عدوا مشتركا رئيسيا. لذلك من المرجح أن يتعاون الطرفان بشكل أكبر لمواجهة التنظيم في أفغانستان. كما يعد تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء الأفغان إلى شرق إيران مشكلة أخرى يمكن لطهران معالجتها من خلال تعزيز علاقاتها مع طالبان.

 

 

التحديات

ومع ذلك، فإن العلاقات المستقبلية بين جمهورية إيران الشيعية وإمارة أفغانستان السنية، لن تكون خالية من التحديات. إن تاريخ طالبان في تكريس أيديولوجيتها على حساب الفرق والأعراق الأخرى في أفغانستان -بما في ذلك الهزارة ذات الأغلبية الشيعية والذين يشكلون ما يقرب من 10% من سكان أفغانستان- سيستمر في تعريض العلاقات المحتملة بين كابل وطهران للخطر.

وبصفتها الداعم الرئيسي للسكان الشيعة في جميع أنحاء العالم، ستواجه إيران صعوبة في تجاهل “المعاملة الوحشية” للهزارة من قبل طالبان. ويمكن أن تؤدي أي فظائع ترتكبها طالبان ضد الهزارة إلى صراع كبير بين إيران وطالبان، كما حدث في عام 1998.

في الوقت نفسه، سيكون لسيطرة طالبان على أفغانستان تأثير على العلاقات الوثيقة التي تتمتع بها إيران والهند؛ حيث استثمرت نيوديلهي بكثافة في مشروع تشابهار في جنوب شرق إيران، وكان الهدف الأساسي منه تعزيز التواصل الثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان. ومع سيطرة طالبان على أفغانستان، تضاءل نفوذ الهند في البلاد بالفعل لصالح باكستان، الخصم الرئيسي للهند. يمكن أن يؤدي التعاون الوثيق بين إيران وطالبان إلى زيادة تدهور العلاقات بين طهران ونيودلهي.

ومع ذلك، فإن سيطرة طالبان على أفغانستان تنسجم مع أهداف السياسة الخارجية الشاملة لطهران. وبالرغم من مخاوف طهران بشأن طالبان، فإن إقامة علاقات وثيقة مع إمارة أفغانستان الإسلامية تتناسب تماما مع هذه استراتيجية إيران الأوسع نطاقا.

المصدر |  حمون خلغات دوست / منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد