الخليج الجديد :
أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الشهر الماضي عن تبرع بقيمة 30 مليون دولار للصومال. وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات المعارضة التي رأت أن الحكومة ينبغي أن تستخدم هذه الأموال في طائرات مكافحة الحرائق لمحاربة الحرائق المستعرة في الداخل.
لكن اهتمام “أردوغان” بالصومال ليس بادرة عابرة. وعلى مدى العقد الماضي، بلغ إجمالي مساعدات أنقرة لمقديشو أكثر من مليار دولار حيث تنافس “أردوغان” وحلفاؤه القطريون ضد المصريين والخليجيين على النفوذ في القرن الأفريقي.
وبينما تسعى تركيا وقطر الآن إلى تحقيق انفراجة مع مصر السعودية والإمارات، فقد يحصل القرن الأفريقي على فترة راحة من التنافس المحتدم بين المعسكرين.
وخلال العقد الماضي، تزايدت مشاركة دول الخليج في القرن الأفريقي بشكل كبير حتى أصبح نقطة اشتعال أخرى في الصراع الإقليمي.
ويقع القرن الأفريقي بين ممرين بحريين رئيسيين تعتمد عليهما التجارة العالمية وحركة المرور وهما مضيق باب المندب في الجنوب وقناة السويس في الشمال. وتنفتح الصومال أيضًا على حوض المحيط الهندي الأوسع، وهو بحد ذاته طريق رئيسي للأمن البحري والتجارة. ومع احتدام السباق في المحيط الهندي، كانت دول الخليج حريصة على تأمين مصالحها الخاصة.
حاول “أردوغان” الاستفادة من الربيع العربي الذي تسبب في توسيع البصمة الإقليمية لجماعة “الإخوان المسلمون”.
وبعد تعثر جماعة “الإخوان المسلمون” مع تحول الربيع العربي إلى شتاء مرير، أعطى الرئيس التركي الأولوية للرد على منافسيه الخليجيين ومصر على جميع الجبهات، بشكل مباشر ومن خلال الوكلاء. وقد عززت السياسة الداخلية هذا الدافع.
وأدى اعتماد “أردوغان” على الفصائل القومية والأوراسية في الداخل إلى تبني المفهوم البحري الوحدوي “الوطن الأزرق” الذي عزز الطموحات الخارجية التركية التي تمتد إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وافتتح “أردوغان” في عام 2016، خلال زيارته للصومال، أكبر سفارة تركية تم بناؤها على الإطلاق، في إشارة إلى أهمية القرن الأفريقي بالنسبة لتطلعاته الأوسع. وبالرغم أن الإطاحة بالرئيس السوداني “عمر البشير” أخرج خطط أنقرة عن مسارها لإعادة تطوير ميناء جزيرة سواكن السودانية للاستخدام المدني والعسكري (إلى جانب قطر، التي وقعت اتفاقًا منفصلاً مع السودان لتطوير سواكن)، لا تزال تركيا تحتفظ بأكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو.
وقد فازت شركة الموانئ التركية “البيرق” بامتياز لمدة 14 عامًا لتجديد وإدارة ميناء مقديشو العام الماضي، ما وفر لأنقرة نقطة وصول مهمة على المحيط الهندي. وذكرت الصحافة التركية أن الصومال ستستخدم تبرع “أردوغان” بقيمة 30 مليون دولار لتوسيع طاقة الميناء.
وفي حين أن المصالح والأيديولوجيات المتضاربة لا تزال تشكل الديناميكيات في القرن الأفريقي، فقد أدى انتخاب “جو بايدن” رئيسا للولايات المتحدة إلى إعادة تقويم السياسات المصرية والخليجية والتركية تجاه المنطقة، مما أدى إلى محاولات متعددة لإصلاح العلاقات بين الكتل المتعارضة.
وتعد التقارير الصادرة هذا الأسبوع عن حضور مسؤولين قطريين وأتراك مؤتمرًا للطاقة في دبي أحدث علامة على تحسن العلاقات بين الإمارات و اثنين من منافسيها الرئيسيين.
وبالنسبة لجميع المتنافسين، أدى تعهد “بايدن” باتباع سياسة خارجية تركز على حقوق الإنسان إلى مخاوف من أن يصبحوا أهدافًا لغضب واشنطن. وأدى وعد “بايدن” باستعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى خلق حالة إضافية من عدم اليقين، ما أدى إلى إزالة المعسكرين لبعض خلافاتهما العالقة تحت البساط في الوقت الحالي.
وقد اختتم “جيفري فيلتمان”، مبعوث “بايدن” الخاص للقرن الأفريقي، زيارة إلى الخليج في يونيو/حزيران، وتوقف في السعودية والإمارات وقطر.
ويشير تعيين مبعوث خاص إلى الأولوية المتزايدة التي توليها واشنطن الآن لهذه المنطقة. كما أنه يعكس المخاطر التي ينطوي عليها الأمر إذا اشتدت المنافسة في القرن الأفريقي مرة أخرى.
وبالرغم أن تأثير مناخ الانفراج على القرن الأفريقي غير مؤكد، لكن الهدوء النسبي يوفر فرصة فريدة لواشنطن لمنع هذا النوع من التنافس العنيف الذي ثبت أنه كارثي في سوريا وليبيا.
ويجب أن يواصل المبعوث الخاص “فيلتمان” مشاركته مع الجهات الفاعلة الإقليمية في القرن الأفريقي وتشجيع تدفق الموارد لبناء مؤسسات شاملة بدلاً من تكثيف العمل عبر الوكلاء.